إن مما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم منهجيتين تهمنا فى استلهام الدرس من موقف الإمام الحسين عليه السلام وهو تأكيده على أن أول انحراف يمس رسالة الإسلام وحال أمته هو نقل الحكم من الخلافة الراشدة إلى المُلك العاض ومن ثم الحكم الجبرى بل إنه صلى الله عليه وسلم ذكَر بأنّ أول ما يُنقض من آثار النبوة هو العدل المرتبط باختيار الأصلح للأمة وهو ما تعاقبت عليه واستقرت وظهر فيه قوة المبدأ فى العهد الراشد، وبالذات فى عصر الشيخين أبى بكر وعمر رضى الله عنهما . ومن بعد عمر قعّد لهم رضى الله عنه قاعدة الانتخاب باختيار صفوة معروفين وهذه الحالة فى التعيين إنما تُقدّر بقدر الحالة الزمنية والظروف المكانية بمعنى أن قاعدة الانتخاب هى الأصل وحين تتوفر إمكانية تحقيقها بأوسع مدار لاختيار الحكم الراشد تنفّذ , وهى فى حالة أمير المؤمنين عمر رضى الله عنه تُشكّل تطورًا تاريخيًا فى سبقٍ زمنى لثقافة الأمم ومنهجيتهم فى تقعيد الشراكة الشعبية . وعلى ذلك جرى عهد عثمان وإن كان تسامحه رضى الله عنه وسّع تدخل الإقطاعيين وتمددهم إلا أن فضله وعدله ورأفته بأمته وشعبه وصلت إلى الحد الذى يناشدونه أهل البيت سلام الله عليهم أن يأذن لهم بمقاتلة أهل البغى الذين يحصرونه وأهله ويأبى أن يُمس فرد من أبناء شعبه وأمته حتى ولو كانت النتيجة تهديد حياته وهو ما جرى حين فُجعت الأمة بحدث تقشعر منه الأبدان والوجدان فيذبح أمير المؤمنين حبيب رسول الله ويندفع دمه على مصحفه ومسجده . وعلى هدى العدل والحزم كان أمير المؤمنين على، عليه السلام ولولا الفتن لكان عهده من عهد الشيخين وما رسخ فى زمنهما من واقع الاستقرار ولكن الفتن التى أُشعلت فى وجهه وتعجّل المطالبين بالثأر لعثمان فى غير حق متأولين كما هو موقف الزبير رضى الله عنه وأم المؤمنين السيدة عائشة رضى الله عنها وهو ما اعتذرت عنه فيما بعد. وأمام هذه المدارس الكبرى عاش الحسين عليه السلام يُدرك منازل الحق ومنارات الهدى لحق الأمة فى الحكم الرشيد وأن هذا الانحراف الذى قرر رسول الله خطورته لا يجوز أن يبقى دون أن يُبطل أو يُجاهَد ويُكافح حتى تستدعى الأمة مقام العدل وحقوق الرعية وانتخاب الصالح ونبذ الفاسد ولا تُعطى الدنية فى دينها لكونها أمة البلاغ للخلاص والعدل , ولذا خرج مُجدِداَ ناقضاً لثقافة إقرار الاستبداد أو التسليم لتولية فاسد ظالم على عهود المسلمين فخروج الحسين وفقاً لهذا السياق لا يقدح فيه أن يطلب الأمر لنفسه ففى ذلك صلاح أمة جده وهديها فيما يُستنتج باجتهاده , وإن كانت الصُحبة رضى الله عنهم استشعروا أن الشوكة لدى الإقطاعيين الفاسدين لا تزال قوية رغم إجماعهم على فساد من تولى وأن الحسين لا يُقارن بذكره يزيد وتقديم الحسين مبادرته وما يعلمه من احتمالية استشهاده ومن ثم إصراره على مبارزة الطغاة دون أن يُعلن وهو المجدد أنه يتنازل لهم كان معهدًا ومشهدًا لا يفى تصويره بمعانيه . إننى أعتقد أن احترام الإمام الحسين ورسالته لا يليق معها أن يحول ذلك الفكر التجديدى العظيم إلى منائح جنائزية ولا نقصد مآتم العزاء المعتدلة وإنما ذلك التفويج لدمج نثر الدماء مع التحريض الملتهب للكراهية وإن كانت والله لوعةٌ لا يغادرها الزمن ولكن مع الاعتدال فى التعبير العاطفى وهو ما يليق برسالة الحسين [email protected]