الصحافة العالمية تقول إن إجراء الانتخابات البرلمانية أضعف دور التحرير، وإن دور المليونيات والاعتصامات فى صناعة القرار السياسى قد تراجع ..! وهو قول فيه الكثير من الصحة والواقعية أيضًا .. فقد كانت مطالب الثوار تتركز فى الإسراع فى خطوات تسلم السلطة وفى التحول الديمقراطى. ولذلك فقد أصبح دور التحرير ضعيفًا نسبيًا الآن ولكنه لم ينته ومازال مطلوبًا. فالانتخابات البرلمانية التى جرت مرحلتها الأولى بنجاح جذبت الأضواء من معتصمى التحرير إلى الأغلبية الصامتة التى انطلقت تقول كلمتها وتختار من يمثلها ومن سيملك حق التحدث باسمها. وهذا الاختيار الحر الديمقراطى يمثل تفويضًا شعبيًا لمجلس برلمانى يكون متحدثًا باسم الشعب، ويسحب البساط من التحرير الذى كان يملك هذه الشرعية، ويتحرك فى إطارها، ويفرض كلمته ووصايته فى إطارها، والشعب فى هذه المرحلة رفض أن تكون التيارات الليبرالية والعلمانية هى من يتصدر المشهد السياسى ودفع بالتيارات الإسلامية إلى الواجهة وهو ما يمثل رغبة الشعب فى تغيير جديد فى الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية ربما كان فى مضمونه مختلفًا إلى حد كبير عن الأفكار والبرامج التى يحملها ثوار التحرير. غير أن هذا لا يعنى أن دور التحرير قد انتهى أو أننا يجب أن نسلم كل مقاليد الأمور إلى المجلس القادم ونركن إلى الهدوء مرة أخرى. فلولا التحرير ما كانت الانتخابات قد تمت وما كنا فد بدأنا خطوات المسار الديمقراطى. ولولا التحرير ما كان هناك إشرافًا قضائيًا نزيهًا على الانتخابات بالنحو الذى أجريت عليه، وما كان أيضًا ممكنًا للمنظمات المدنية الدولية مراقبة ومتابعة هذه الانتخابات للتأكد من نزاهتها ومن شفافيتها. ولولا التحرير ما كان ممكنًا أن نرى حكومة إنقاذ جديدة بدلًا من حكومة تلقى الأوامر والتوجيهات التى لم يكن لها إلا إنجاز وحيد طوال فترة عملها وهو إنجاز تمثل فى إلغاء التوقيت الصيفى الذى كان معمولًا به من قبل ..! ودور التحرير ينبغى أن يظل باقيًا كمرجع للشعب وكنقطة التقاء تمثل روح الثورة وتقف حائلًا دون الانقلاب عليها أو الخروج عن أهدافها. فالتحرير هو رمز لمقاومة الديكتاتورية والخروج عن الشرعية وهو (........ ......... ) مصر فى التعبير عن كل الآراء والمواقف وهو منبر المظلومين والمهمشين وصوت من لا صوت لهم. ولا ينبغى فى هذا أن نقارن التحرير بالعباسية فالذين وقفوا فى التحرير صنعوا تاريخًا وأحدثوا فارقًا وضحوا بأرواحهم فى سبيل بناء وطن. والذين يقفون فى العباسية هم أيضًا من أبناء الوطن الذين يشعرون بالخطر على مجتمعهم ويؤمنون بضرورة وجود المجلس العسكرى كضمانة لمنع الانهيار المحتمل، ويدعون إلى التوقف عن الاحتجاجات حتى تهدأ الأوضاع وتدور عجلة الإنتاج. ولكنهم يذهبون إلى العباسية فى شكل احتفالية أو كرنفال فى مظهر من مظاهر التجمع الوطنى فى مناسبة من المناسبات. أما من فى التحرير فقد ذهبوا إلى الميدان وقد كتب كل منهم وصيته مقدمًا، فهو لا يعرف أن كان سيعود إلى أهله سالمًا أم أن رصاصة طائشة قد تجعله من الشهداء. ولكننا فى هذا ندعو إلى التكامل بين التحرير والعباسية والاعتراف بحق الاختلاف وبحق كل مواطن فى التعبير عن رأيه ومواقفه بالشكل والأسلوب الذى يبتعد عن تجريح الآخرين أو تخوينهم أو التشكيك فى وطنيته!!. هذا البلد ملك لنا جميعًا ونحن جميعًا شركاء فى صناعة مستقبله وقد يكون التحرير هو الأعلى صوتًا والأكثر تأثيرًا فى مرحلة من المراحل ولكن المعادلة تتغير الآن والتحرير سيتراجع للوراء وقبة البرلمان عند اكتمال الانتخابات ستكون من يقرر ويحدد شكل المستقبل ..وسيكون لدينا برلمان حقيقى وهو برلمان لن يدار بإشارة من إصبع الشريف أو عز وقبلهما المرحوم كمال الشاذلى، ولكنه ربما يدار هذه المرة من خارجه ومن أشخاص ليسوا أعضاء فيه!!.