سرعان ما طبعت هيئة التحرير الجديدة لمجلة الأزهر، بعد استقالة الدكتور محمد عمارة من رئاسة تحريرها، بصمتها على السياسة التحريرية للمجلة، لتبدو معبرة بشكل أوضح عن اتجاه السلطة الحالية المعادي ل "الإخوان المسلمين". ويبدو ذلك جليًا في محتوى العدد الجديد الصادر عن شهر شوال 1436ه - أغسطس 2015، والذي تضمن تشكيكًا في أصول حسن البنا، مؤسس "الإخوان"، من خلال الزعم بأنه من أصول يهودية. وتحت عنوان رئيسي "قالوا عن الإخوان"، نقلت المجلة في صفحتها الثانية عن الكاتب والأديب الراحل عباس محمود العقاد قوله في جريدة "الأساس" المصرية الصادرة في 2يناير 1949: "الفتنة التي ابتليت بها مصر على يد العصابة التي كانت تسمي نفسها بالإخوان المسلمين هي أقرب الفتن في نظامها إلى دعوات الإسرائيليين والمجوس، وهذه المشابهة في التنظيم هي التي توحي إلى الذهن أن يسأل: لمصلحة من تثار الفتن في مصر وهي تحارب الصهيونيين؟! السؤال والجواب كلاهما موضع نظر صحيح، ويزداد تأملنا في موضع النظر هذا عندما نرجع إلى الرجل الذي أنشأ تلك الجماعة فنسأل من هو جده؟، إن أحدًا في مصر لايعرف من هو جده على التحديد؟ وكل ما يقال عنه إنه من المغرب وأن والده كان "ساعاتي"، والمعروف أن اليهود في المغرب كثيرون، وأن صناعة الساعات من صناعتهم المألوفة، وأننا هنا في مصر نكاد نعرف "ساعاتي" كان يعمل بهذه الصناعة قبل جيل واحد من غير اليهود". كما نقلت المجلة عن الشيخ محمد الغزالي، المفكر الإسلامي، قوله في كتابه "مشكلات في طريق الحياة الإسلامية" طبعة سنة 1996 قوله: "إن إقامة دين شيء واستيلاء جماعة من الناس على الحكم شيء آخر، فإن إقامة الدين تتطلب مقادير كبيرة من اليقين والإخلاص ونقاوة الصلة بالله. كما تتطلب خبرة بالحياة والناس والأصدقاء والخصوم، ثم حكمة تؤديها العناية العليا في الفعل والترك والسلم والحرب. إن أناسًا حكموا باسم الإسلام ففضحوا أنفسهم وفضحوا الإسلام معهم فكم من طالب حكم يؤديه إلى نشدان السلطة حب الذات وطلب الثناء وجنون العظمة وكم من طالب حكم لايدري شيئًا عن العلاقات الدولية والتيارات العالمية والمؤتمرات السرية والجهرية". وأسهب أحمد السيد تقي الدين مدير تحرير مجلة الأزهر في النقل عن العقاد والغزالي في مقاله "الغزالي والعقاد يفضحان الإخوان المسلمين"، خاصة عن كتاب "من معالم الحق في كفاحنا الإسلامي الحديث" للغزالي، الصادر في عام 1963، وعلى الرغم من أن المفكر الراحل أصدر طبعة جديدة من الكتاب أجرى فيها تعديلات على الطبعة الأولى، إلا أنه يفسر ذلك بتعرضه "لضغوط غير عادية"، وإنه "اضطر لإجراء تعديلات لم تكن أبدًا تراجعًا، وإنما مثلت تشبثًا وتمسكًا وإصرارًا على فضح الجماعة المارقة". ويقول تقي الدين على هامش مقاله إن "الغزالي كان يطالب بعزل حسن الهضيبي من منصب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين" إنقاذًا لها من انحرافاته الفكرية، وهذه الفلسفة التي قامت على أساسها ثورة 30يونيو 2013 ضد المعزول محمد مرسي عيسى العياط الذي لم يكن له أي هدف سوى التمكين لحكم جماعته والاستئثار بكل سلطات الدولة والتنكيل بكل المعارضين وكان هدف الثورة إنقاذ مصر من شر جماعة الإخوان المسلمين". ويستشهد رئيس تحرير مجلة الأزهر بقول الغزالي "ونحن نعرف أن بعض الناس لايحسن التفكير العام، وقد تُضم إلى ذلك أنه لو ترك لكل امرئ الحق في مناقشة ما يكلف به لتسربت الفوضى إلى شئون الحكومات والشعوب. وهذا حق, ولكنه لايصادم ما نحن بصدد تقريره، إن هناك فرائض لايجوز حدشها ومحرمات لايمكن استباحتها، وشئونًا أخرى هي مجال للأخذ والرد وتفاوت التقدير، وهذا لايملك البت فيها واحد برأسه، وإنما يرفع الخلاف فيها أصحاب الحل والعقد وأهل الشورى". ويعلق تقي الدين على ما سبق بقوله في هامش المقال: "وهذا هو ما حدث عشية ثورة 30يونيو المجيدة، عندما استجار الشعب بالأزهر والكنيسة والقضاء والإعلام والجيش والشرطة، ثم انضمت إليهم الأحزاب والنقابات.. فمثلوا في مجموعهم هيئة أهل الحل والعقد والشورى التي اصطفت على قلب رجل واحد بقيادة وزير دفاع الشعب المصري عبدالفتاح السيسي لإعادة الأمور إلى نصابها". وفي سياق آخر ينقل تقي الدين عن الغزالي قوله "ثم جاء الراسخون في الجهل يطلبون حقوق القيادة، ويتحدثون عن قانون السمع والطاعة، ولست أعنف دعيًا من هؤلاء على مزاعمه ومطالبه، فالأمر كما قيل بعض الناس طغاة لأننا نركع لهم". وعلق مدير تحرير مجلة "الأزهر" على ما سبق بقوله "لقد ردد الشعب المصري عشية ثورته المجيدة في 30يونيو 2013 مقولة الزعيم أحمد عرابي الخالدة: "لقد خلقنا الله أحرارًا ولم يخلقنا تراثًا أو عقارًا، ووالله الذي لا إله إلا هو لن نورث ولن نستعبد بعد اليوم"، وعلى هذا تم جرى خلع الطاغية محمد مرسي عيسى العياط". يشار إلى أن هيئة تحرير المجلة تبرأت من الملحق الصادر في شهر شعبان 1436 ه "دراسات غربية تشهد لتراث الإسلام"، قائلة إنه "لايعبر عن رأي الأزهر، ولا عن رأي الأزهر الشريف ولا عن الإسلام الوسطي، وإنما يعبر فقط عن رأي المؤلف ومقدم الكتاب"، في إشارة إلى الدكتور محمد عمارة.