رئيس ضمان جودة التعليم: الجامعات التكنولوجية ركيزة جديدة فى تنمية المجتمع    إتاحة الاستعلام عن نتيجة امتحان المتقدمين لوظيفة عامل بالأوقاف لعام 2023    قطع المياه عن نجع حمادي.. وشركة المياه توجه رسالة هامة للمواطنين    الحكومة: نرصد ردود فعل المواطنين على رفع سعر الخبز.. ولامسنا تفهما من البعض    «حماس» تصدر بيانًا رسميًا ترد به على خطاب بايدن.. «ننظر بإيجابية»    محامي الشحات: هذه هي الخطوة المقبلة.. ولا صحة لإيقاف اللاعب عن المشاركة مع الأهلي    رونالدو يدخل في نوبة بكاء عقب خسارة كأس الملك| فيديو    أحمد فتوح: تمنيت فوز الاهلي بدوري أبطال أفريقيا من للثأر في السوبر الأفريقي"    هل يصمد نجم برشلونة أمام عروض الدوري السعودي ؟    حسام عبدالمجيد: فرجانى ساسى سبب اسم "ماتيب" وفيريرا الأب الروحى لى    هل الحكم على الشحات في قضية الشيبي ينهي مسيرته الكروية؟.. ناقد رياضي يوضح    محامي الشحات: الاستئناف على الحكم الأسبوع المقبل.. وما يحدث في المستقبل سنفعله أولًا    مصارعة - كيشو غاضبا: لم أحصل على مستحقات الأولمبياد الماضي.. من يرضى بذلك؟    اليوم.. بدء التقديم لرياض الأطفال والصف الأول الابتدائي على مستوى الجمهورية    32 لجنة بكفر الشيخ تستقبل 9 آلاف و948 طالبا وطالبة بالشهادة الثانوية الأزهرية    استمرار الموجة الحارة.. تعرف على درجة الحرارة المتوقعة اليوم السبت    اعرف ترتيب المواد.. جدول امتحانات الشهادة الثانوية الأزهرية    صحة قنا تحذر من تناول سمكة الأرنب السامة    أحمد عبد الوهاب وأحمد غزي يفوزان بجائزة أفضل ممثل مساعد وصاعد عن الحشاشين من إنرجي    دانا حلبي تكشف عن حقيقة زواجها من محمد رجب    الرئيس الأمريكي: إسرائيل تريد ضمان عدم قدرة حماس على تنفيذ أى هجوم آخر    "هالة" تطلب خلع زوجها المدرس: "الكراسة كشفت خيانته مع الجاره"    حدث بالفن| طلاق نيللي كريم وهشام عاشور وبكاء محمود الليثي وحقيقة انفصال وفاء الكيلاني    أبرزهم «إياد نصار وهدى الإتربي».. نجوم الفن يتوافدون على حفل كأس إنرجي للدراما    مراسل القاهرة الإخبارية من خان يونس: الشارع الفلسطينى يراهن على موقف الفصائل    عباس أبو الحسن يرد على رفضه سداد فواتير المستشفى لعلاج مصابة بحادث سيارته    "صحة الإسماعيلية" تختتم دورة تدريبية للتعريف بعلم اقتصاديات الدواء    ثواب عشر ذي الحجة.. صيام وزكاة وأعمال صالحة وأجر من الله    أسعار شرائح الكهرباء 2024.. وموعد وقف العمل بخطة تخفيف الأحمال في مصر    العثور على جثة سائق ببورسعيد    الأمين العام لحلف الناتو: بوتين يهدد فقط    سر تفقد وزير الرى ومحافظ السويس كوبرى السنوسي بعد إزالته    نقيب الإعلاميين: الإعلام المصري شكل فكر ووجدان إمتد تأثيره للبلاد العربية والإفريقية    كيف رفع سفاح التجمع تأثير "الآيس" في أجساد ضحاياه؟    "حجية السنة النبوية" ندوة تثقيفية بنادى النيابة الإدارية    ضبط متهمين اثنين بالتنقيب عن الآثار في سوهاج    «الصحة»: المبادرات الرئاسية قدمت خدماتها ل39 مليون سيدة وفتاة ضمن «100 مليون صحة»    وكيل الصحة بمطروح يتفقد ختام المعسكر الثقافى الرياضى لتلاميذ المدارس    وصايا مهمة من خطيب المسجد النبوي للحجاج والمعتمرين: لا تتبركوا بجدار أو باب ولا منبر ولا محراب    الكنيسة تحتفل بعيد دخول العائلة المقدسة أرض مصر    للحصول على معاش المتوفي.. المفتي: عدم توثيق الأرملة لزواجها الجديد أكل للأموال بالباطل    القاهرة الإخبارية: قوات الاحتلال تقتحم عددا من المدن في الضفة الغربية    «القاهرة الإخبارية»: أصابع الاتهام تشير إلى عرقلة نتنياهو صفقة تبادل المحتجزين    «ديك أو بط أو أرانب».. أحد علماء الأزهر: الأضحية من بهمية الأنعام ولا يمكن أن تكون طيور    الداخلية توجه قافلة مساعدات إنسانية وطبية للأكثر احتياجًا بسوهاج    ارتفاع الطلب على السفر الجوي بنسبة 11% في أبريل    «صحة الشرقية»: رفع درجة الاستعداد القصوى لاستقبال عيد الأضحى    وزير الصحة يستقبل السفير الكوبي لتعزيز سبل التعاون بين البلدين في المجال الصحي    مفتي الجمهورية ينعى والدة وزيرة الثقافة    الأونروا: منع تنفيذ برامج الوكالة الإغاثية يعنى الحكم بالإعدام على الفلسطينيين    الماء والبطاطا.. أبرز الأطعمة التي تساعد على صحة وتقوية النظر    «الهجرة» تعلن توفير صكوك الأضاحي للجاليات المصرية في الخارج    رئيس الوزراء الهنغاري: أوروبا دخلت مرحلة التحضير للحرب مع روسيا    «حق الله في المال» موضوع خطبة الجمعة اليوم    بمناسبة عيد الأضحى.. رئيس جامعة المنوفية يعلن صرف مكافأة 1500 جنيه للعاملين    السيسي من الصين: حريصون على توطين الصناعات والتكنولوجيا وتوفير فرص عمل جديدة    الحوثيون: مقتل 14 في ضربات أمريكية بريطانية على اليمن    أسعار الفراخ اليوم 31 مايو "تاريخية".. وارتفاع قياسي للبانيه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإخوان والفن
نشر في الأهرام اليومي يوم 07 - 07 - 2012

كان يدرك تماما معني اندماج الفنان وتقمصه للشخصية التي يؤديها علي خشبة المسرح‏,‏ لكن ما قد يسرق عين المشاهد ليأخذها بعيدا عن الأحداث هو ما قد رآه‏,‏ وما قد لمسه‏. وما كتب عنه حسن البنا بخط يده في إحدي مقالاته, وذلك عندما لمح ما أحرجه من الفنانة القديرة عزيزة أمير أثناء تأديتها لدور بثينة في مسرحية جميل وبثينة التي قام بكتابتها شقيقه عبدالرحمن البنا العضو البارز في جماعة الإخوان المسلمين, وأخرجتها فرقة الإخوان المسرحية علي نفقتها عام1934 ضمن ثماني مسرحيات قام ببطولتها باقة من أبرز النجوم علي رأسهم جورج أبيض, وعباس فارس, وحسن البارودي, ومحمود المليجي, وفاطمة رشدي وعزيزة أمير, وانضم إليهم في الأربعينات كل من عبدالمنعم مدبولي, وإبراهيم الشامي, وسراج منير, ومحمد السبع, وعبدالبديع العربي, وشفيق نور الدين, وسعد أردش, والأخوان حمدي غيث وعبدالله غيث, وإبراهيم سعفان.. وغيرهم لمح حسن البنا البرامادونا عزيزة أمير أثناء اندماجها في أداء مشهد المطاردة الرومانسية التي يلاحقها فيها جورج أبيض عندما تجري علي خشبة المسرح فتتطاير أكمامها الواسعة ليكشف الاتساع عمق الذراعين.. هنا دفعه الحرج إلي لفت نظر النجمة فلم تستنكف من ربط الأكمام بالأستيك لتضييقهما نزولا علي رغبته لترمح باحتشام أثناء مطاردة أشعار الهيام التي يلاحقها بها جميل مثل:
يموت الهوي مني إذا ما لقيتها
ويحيي إذا فارقتها فيعود
لئن كان في حب الحبيب حبيبه
حدود لقد حلت علي حدود
إذا قلت: رد يا بثينة بعض عقلي أعش به
مع الناس قالت: ذاك منك بعيد
ورغم أن جميل وبثينة مجرد مسرحية عاطفية, فإن الدافع الأساسي لاختيارها كما قال حسن البنا كان الغيرة علي الإسلام والعروبة, فقد وجد أن هناك فراغا كبيرا لم يسده الفنان العربي في هذا المجال, ومن هنا تساءل في مقدمة المسرحية التي تم نشرها مع مسرحيات الإخوان الأخري ضمن مطبوعات مكتبة مصر: لماذا نستجدي من الغرب قصصه وحوادثه فنذكر( روميو وجولييت) ونحتفي ب(غادة الكاميليا) ولا نعود إلي شرقنا فنقتبس النور من إشراق سمائه, ونغرف الحب من طهارة أبنائه, فالأعمال العاطفية ليست مرفوضة لذاتها, ولكن الأمر يتوقف علي المدخل الذي يلج منه المؤلف للموضوع, فهو يعالج العاطفة الجارفة بضبطها, فرغم شدة الحب والتعلق بين الحبيبين, ورغم ظلم البيئة والمجتمع, ورغم عدالة قضيتهما, ورغم سنوح الفرصة للارتشاف من اللذة, فإنهما لا ينزلقان, والعامل الأساسي في ذلك عروبتهما وإسلامهما.
حسن البنا مؤسس الإخوان المسلمين صاحب المكتبة التي حوت عدة آلاف من الكتب, الذي أمضي19 عاما مدرسا بالمدارس الابتدائية في الإسماعيلية ثم القاهرة من بعد تخرجه من دار العلوم عام1927 ليقدم استقالته في عام1946 متفرغا للعمل الصحفي في جريدة الإخوان المسلمين اليومية التي يتركها ليصدر مجلته الخاصة الشهاب ابتداء من عام..1947 لم يقف من الفن مجرد موقف المنظر, أو مبدي الرأي الفقهي فقط, أو الداعي نظريا إلي تبني الفن دون ممارسته, فقد قام البنا بالتطبيق إلي جانب التنظير, فأفسح للفن مساحة محمودة في نشاط جماعة الإخوان وذلك بتكوين عدة فرق مسرحية كان أشهرها فرقة القاهرة, وكان العاملون في تلك الفرق لا يستبعدون حضوره في أي لحظة لحرصه علي حضور البروفات بنفسه للاطمئنان علي جودة الأداء.. وقد قام البنا بتدريب طلبة الثانوي علي الأداء المسرحي وتعميم الفكرة علي معظم شعب الإخوان علي مستوي جميع المحافظات لتكون في الريف والمناطق النائية بمثابة البديل عن دور السينما والراديو, وذلك لإيمانه بأن الفن أسرع طريق عن أي وسيلة أخري لغرس القيم الأخلاقية وتأصيلها في النفوس, وأن الفنون الجميلة ليست من الكماليات يمكن الاستغناء عنها بل هي أنشطة إنسانية واجتماعية لصيقة بحياة الناس ومتطلباتهم وطموحاتهم, ومن يرفض من المتشددين التمثيل بدعوي أنه بدعة مستحدثة, وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار, وبدعوي أنه لهو وتسلية مرفوضة وضياع للوقت فقد تناولت مجلة الإخوان الأسبوعية الرد علي مثل هذه الدعاوي, حيث بين كاتبها أن التمثيل وإن كان بدعة, لكن ليس كل بدعة مكروهة, فهناك من البدع والمستحدثات ما لم يكن في عهد الرسول, ومع ذلك دعت إليه الضرورة, واقتضاه أسلوب العصر, كما أنه ليس كل لهو باطلا يحرم الاشتغال به, ولا يعد تناول التاريخ الإسلامي فنيا وتصوير بطولات المجاهدين والمواقف النبيلة التي تهز المشاعر لهوا محرما, وأما موضوع التسلية فما المانع أن يقضي المرء ساعة في تسلية بريئة إن لم ينتج عنها خيرا فلا ينتج عنها شرا, وقد ورد أن القلوب في حاجة إلي الترويح, وأن القلوب إذا ملت عميت. وإذا ما كانت الرياضة تغذي الجسم, والعبادة تغذي الروح, والعلم يغذي العقل, فإن الفن الراقي الذي يسمو بالإنسان يغذي الوجدان..
ومن متابعتي لما كتبه كل من الدكتور حمادة حسني الأستاذ المساعد للتاريخ الحديث بجامعة قناة السويس والأستاذ عصام تليمة وجدت أنه مما ساعد البنا في نجاح تجربته الفنية التي لم تستمر للأسف أكثر من عشر سنوات أنه ارتكز بشكل أساسي علي المتخصصين في جميع مجالات الفن بداية من حسن اختيار النصوص والنجوم وطرق الدعاية.. وكان من أكبر العوامل المساعدة لازدهار التجربة الحضارية تلك الزمن الجميل الذي ولدت في مناخه الصحي والذي كان يسمح بصعود الفن الملتزم, ولا يري فيه حرجا أو خروجا عن تعاليم الدين.. وقد مضي البنا قدما في هذا الطريق المفروش بالنور حتي أنه كان حريصا علي أن تكون هناك سهرة لمشاهدة الأوبرا المصرية في برنامج كل ضيف زائر لمصر وغالبا ما كان يصحبه إليها, وفي رواية لسكرتيره محمود أبورية أنهم ذهبوا مرة كعادتهم باصطحاب أحد الضيوف للأوبرا ولما لم يجدوا عددا كافيا من التذاكر طلب منهم الأستاذ البنا الدخول مع الضيف لينتظرهم مضحيا بالمشاهدة في مكان آخر حتي موعد نهاية العرض.. زمن الثلاثينيات السلمي الجميل الذي كان فيه شيخ الأزهر محمد مصطفي المراغي من هواة حضور حفلات الأوبرا, وأبدا لم ينتقد ذلك الحضور أحد من علماء عصره, وجاءت الثمانينيات بصهدها القادم من بلاد النفط لتكتب مجلة التوحيد التي تصدر عن جماعة أنصار السنة بعدما نبشت في تاريخ الرجل لتمطره بوابل من الهجوم بعنوان عمائم في الأوبرا مما يضطر نجله الدكتور إسماعيل المراغي لكتابة توضيح في الفارق بين أوبرا الماضي وأوبرا الحاضر!!.. هذا وكان من بين الفنانين من يحمل لقب الشيخ ويباهي به ولا يجد حرجا في أن يرتدي العمامة ويعمل بين أهل الطبقة الفنية التي لا ترفضه بل تستوعبه فردا مؤثرا بينها, ومن هؤلاء الشيخ سلامة حجازي, والشيخ زكريا أحمد, والشيخ إمام عيسي, والشيخ سيد مكاوي.. ويكتب خالد محمد خالد في مذكراته مشيدا بنزهة مشي فيها مع الشيخ محمد الغزالي معممين, فإذا بصوت عبدالوهاب يشدو من إحدي النوافذ بأغنية الجندول فتجاوب الغزالي طربا واضعا يدا معبرة فوق موضع القلب... ولم يتراجع المد الإخواني المسرحي في المحافظات اللهم إلا بعد قيام فرقة شعبة طنطا المسرحية بتمثيل مسرحية الأضحية عندما ظهرت شخصية النبي إسماعيل عليه السلام وإلي جانبها كبش حقيقي..
ولم يقتصر مسرح الإخوان علي تقديم جميع أنواع المسرحيات حتي الكوميدي منها فقط, بل قام بتقديم عروض ناجحة في مجال الأوبريت الغنائي أيضا, وكان عبدالباسط عبدالرحمن شقيق حسن البنا وله من الأشقاء أربعة مؤلفا للعديد من الأوبريتات التي تتناول موضوعات تاريخية واجتماعية وفنية ومنها: إبراهيم باشا منتصرا والجندي المجهول ومجد العروبة وإكليل الغار والأنشودة الفائزة ونشيد المبرة, وشاهدت خشبة مسرح الإخوان أوبريتات باللهجة العامية مثل معجزة الزمان والزمان يتكلم, وقد كان الزجل من الفنون الأدبية التي ظهرت مبكرا لدي الإخوان, وقد نشرت مجلتهم عدة إعلانات عن دواوين زجلية في مايو1936 لزجال الإسماعيلية أبوهندية التي قال في إحداها بعنوان لازم تخالف هواك:
جري إيه يا سيدنا الأفندي.. ما تفوق لدينك شوية
دا العمر منك معدي.. والله صعبان علي
حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان الذي ولد في مدينة المحمودية عام1906 لأسرة يعمل فيها والده مأذونا وساعاتي.. تبلورت في رأسه فكرة الإخوان وهو طالب بدار العلوم فكتب موضوعا إنشائيا كان عنوانه ما هي آمالك في الحياة بعد التخرج فكتب عن أمله العام: أريد أن أكون مرشدا في تعليم الأبناء والآباء أهداف دينهم تارة بالخطابة والمحاورة, وأخري بالتأليف والكتابة, وثالثة بالتجول والسياحة, ولقد أنجب البنا ولدين أحمد ومحمد, وست بنات هن وفاء وسناء ورجاء وصفاء وهالة واستشهاد والأخيرة ولدت من بعد رحيله.. حسن البنا الذي قام بتصحيح وتنقيح ديوان صريع الغواني للشاعر مسلم بن الوليد الأموي وهو لم يزل مدرسا بالمدارس الأميرية, والذي قام بطباعته محمد أحمد رمضان المدني صاحب مكتبة المعاهد العلمية في الصنادقية بالقاهرة, وذلك طبقا لما نشرته الحياة اللندنية في عددها الصادر في9 يونيه الماضي.. البنا الذي كتب موجها كلامه إلي الإخوان: إن الناس يعيشون بغير قلوب, وقد ربطتم قلوبكم وجهادكم بالله العلي القدير الذي يقول( فاذكروني أذكركم) فادرسوا وتفقهوا في مبادئكم العالية, وتمعنوا في كتاب الله جيدا, إن الإخوان المسلمين لا يحاربون المسرح ولا المذياع, لأنهم ليسوا من الجمود بحيث يقفون هذا الموقف, ولذلك فهم قد أعدوا للمسرح قصصا كريمة وأدبا رائعا ومثلا وتوجيها صادقا..
وكان للبنا نهج وتقليد في جريدة الإخوان المسلمون اليومية, لم يظهر في أي صحيفة إسلامية أخري في وقته أو بعدها, فقد كان يخصص في إحدي صفحات الجريدة برامج الإذاعة المصرية, بداية بالقرآن الكريم, ومرورا بأغاني عبدالوهاب وأم كلثوم وغيرهما, وكان يضع تحت عنوان الباب الإذاعي قوله تعالي: إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا.. وكان فن الكاريكاتير من الفنون التي ظهرت بتوسع في مجلات الإخوان في الأربعينيات متناولا بالأسلوب الساخر أمور الحكم والانتخابات, وكان من الأسماء البارزة في عالم الكاريكاتير التي ساهمت في مجلات الإخوان بمبادرات شخصية بلا مقابل كل من طوغان, وصاروخان, وزهدي ورخا.. وإلي جانب الكاريكاتير حفلت الصفحات بالرسوم واللوحات, وأعلن البنا عن إنشاء قسم وصفحة للأخوات المسلمات تحت عنوان: نداء من السيدة لبيبة هانم مسئولة القسم تدعو أخواتها المسلمات للتعاون معها في المجال الصحفي, وقد أثني البنا علي ندائها بتعقيب قدمها فيه كمثال للمسلمة الصالحة بعد أن وضع صورتها الشخصية علي رأس الصفحة وليس وردة ليتوالي بعدها نشر صورته وصور الكتاب وعناوينهم من باب التعارف.. وتأتي بعدها مجلة الشهاب آخر مجلات البنا إصدارا لتسير علي نفس المنوال فتفرد صفحتين في نهايتها لنشر صور العلماء والمفكرين والدعاة.
ولعل أكثر ما ساعد البنا في تجربته الفنية أنه تبني فقه التيسير في قضايا الفن, وهو في ذلك لا يخالف الشريعة, بل هو ملتزم بروحها ونصها ومقاصدها, وهو ما أمر به الرسول أصحابه والمسلمين جميعا فقال: يسروا ولا تعسروا, وبشروا ولا تنفروا, وهو منهجه صلي الله عليه وسلم الذي ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما. ولو أن البنا وقف عند الجدل الطويل ما بين التشدد والتيسير الذي لا يقتنع فيه فريق برأي الفريق الآخر, لما تحرك للعمل الذي يأتي بالثمار.. ولأنه كان راعيا لفن التمثيل والمسرح في الثلاثينيات فقد امتدت عري تلك العلاقة للأربعينيات عندما جمعه لقاء المصادفة مع النجم أنور وجدي ليكتب عنه الدكتور محمود عساف بالتفصيل في مؤلفه روح وريحان يقول: في يوم من أيام صيف1945, وكان الجو صحوا ونسمة خفيفة تداعب الشجر في ميدان الحلمية الجديدة, وكنت وقتها عضوا منتدبا لشركة الإعلانات العربية, فذهبت كعادتي كل يوم لأتلقي تعليمات الأستاذ فوجدته غير مشغول بضيوف, فقال لي: قم بنا نذهب إلي البنك العربي لنفتح حسابا للإخوان هناك ولم يكن للإخوان حساب بأي بنك حتي ذلك الوقت.. ركبنا الترام من شارع محمد علي أمام مسجد قيسون متوجهين إلي العتبة, ومن هناك سرنا علي الأقدام إلي ميدان الأوبرا إلي شارع قصر النيل حيث البنك العربي.. توجهنا إلي مكتب رئيسه عبدالمجيد شومان وكان يتبع سياسة الباب المفتوح, وألقينا السلام وجلسنا علي أريكة مواجهة للمكتب, وكان هناك رجل جالس علي مقعد مجاور للمكتب وظهره منحرف نحونا يحادث الرئيس, وأثناء انتظارنا الصامت فاجأنا شومان بك بقوله: أهلا وسهلا بصوت عال مما جعل الجالس إلي مكتبه ينظر إلينا, وإذا به ينتفض واقفا هاتفا: حسن بك.. أهلا وسهلا يا حسن بك ويتقدم مصافحا مقدما نفسه: أنا أنور وجدي.. المشخصاتي.. يعني الممثل.. طبعا أنتم تنظرون إلينا ككفرة نرتكب المعاصي كل يوم في حين أني والله العظيم أقرأ القرآن وأصلي كلما كان ذلك مستطاعا.. وكانت المفاجأة لي أننا لم نكن ننادي فضيلة الأستاذ أبدا بلقب بك.. ووجدته يقول للنجم الكبير: يا أخ أنور أنتم لستم كفرة ولا عصاة بحكم عملكم, فالتمثيل ليس حراما في حد ذاته, ولكنه حرام إذا كان موضوعه حراما, وأنت وإخوانك الممثلون تستطيعون أن تقدموا خدمة عظمي للإسلام إذا عملتم علي إنتاج أفلام أو مسرحيات تدعو إلي مكارم الأخلاق, وأنني أرحب بك وآمل أن تحضر لزيارتنا بدار الإخوان المسلمين بالحلمية الجديدة لنتبادل الرأي حول ما يمكن أن تسهموا به في نشر الفضيلة.. وعندما سمع أنور وجدي ذلك الرد الجميل من البنا بكي وقبل رأسه, ورأينا بعدها لأنور وجدي فيلم ليلي بنت الفقراء.. وكان حسن البنا وراء إسلام المطربة ليلي مراد.. ولم تقتصر هذه الرؤية علي حسن البنا فقط وإنما امتدت إلي سيد قطب أيضا الذي ارتبط بعلاقة صداقة مع الفنان حسين صدقي الذي ذهب إليه يطلعه علي نيته للاعتزال عن التمثيل فقال له: إنني أكتب عشرات المقالات, وأخطب عشرات الخطب, وأنت بفيلم واحد لك تستطيع أن تقضي علي كل ما قلت وكتبت أو أن تدعمه, وأنصحك بالاستمرار بأفلام هادفة... واستمر حسين صدقي في العطاء لينهي حياته بعدة أفلام جيدة منها فيلم عنوانه الشيخ حسن الذي شاركته بطولته ليلي فوزي وكان يرتدي فيه الكاكولا والعمامة الأزهرية..
وعندما نتساءل عن سبب نجاح التجربة الفنية في عهد حسن البنا وإخفاقها من بعده بل واختفاء الفن عامة في جماعة الإخوان المسلمين إلي فترات ليست بالقصيرة بعد خروجهم من السجن في بداية السبعينيات, حيث لا تعدو محاولاتهم بعدها في هذا المجال سوي نشاطات هواة.. الأسباب تعود حتما إلي تأثر الخطاب الإخواني الواضح بالخطاب السلفي المتشدد, وساعد في ذلك أمران أحدهما سفر عدد من علمائهم ومفكريهم إلي دول الخليج وتأثرهم بالجو العلمي هناك مما نضح علي كتاباتهم وأفكارهم, إلي جانب انتعاش المنهج السلفي في تلك البلاد انتعاشا اقتصاديا مما جعل حركة توزيع الكتب المجانية التي تدعو لهذا المنهج تغزو بلادنا وتصنع أرضية لهذا الفكر المتشدد.. ومن أسباب عدم خروج الفن لساحة الإخوان ثانية انتشار مبدأ سد الذرائع بين أبناء الحركة الإسلامية الذي يستند علي القول بالباب اللي يجيلك منه الريح سده واستريح أي إغلاق باب المباح بدلا من فتحه وذلك خوفا من أن يفتح بذلك باب للهجوم علي الدعوة من خصومها, ولو كان ذلك علي حساب ترك المباح, أو المختلف فيه, وما أباحه عدد من العلماء!!! وأخيرا وليس آخرا حوادث العنف التي مارسها التنظيم الخاص داخل الإخوان غير المبررة وغير المسئولة التي حولت علاقة الود والمحبة والصداقة بالإخوان إلي علاقة عداء وحرب مما جعل كاتبا كبيرا مثل عباس محمود العقاد الذي كانت علاقته طيبة بحسن البنا ينقلب إلي خصم عنيد وشديد وذلك بعد مقتل النقراشي علي يد بعض أفراد التنظيم الخاص, فالنقراشي كان صديقا عزيزا للعقاد.. وكذلك قام بنفس الدور عدد من المثقفين بعد حادث المنشية ومن بعدها حادث المنصة والاعتداء علي نجيب محفوظ.. والسؤال فيما إذا كان الإخوان حقيقة قد انقلبوا علي تعاليم البنا وأداروا ظهورهم للجانب المضيء من حياته كما يؤكد أخلص تلاميذه من أمثال الشعراوي والغزالي والباقوري؟!
وتكشف مراحل العلاقة ما بين المفكر الإسلامي سيد قطب أحد أقطاب جماعة الإخوان المسلمين الذي بدأ حياته ناقدا أدبيا وكان من أنجب تلاميذ العقاد وبين نجيب محفوظ عميد الرواية العربية وصاحب نوبل.. تكشف المراحل حقيقة ما كان وما جري في مسألة انحسار ممارسة الأدب والفن علي شاطئ الإخوان.. ففي البدء وسط مناخ فكري وثقافي وحضاري كانت تعيشه وتنعم به مصر في الأربعينيات من القرن الماضي تبني الناقد سيد قطب إبداع نجيب محفوظ ليقدمه لقراء العربية من خلال روايته كفاح طيبة قائلا عنها وقت صدورها عام1944: إن الرواية ملحمة وإن لم تكن شعرا ولا أسطورة, ولو كان لي من الأمر شيء لجعلتها في يد كل فتي وفتاة, ووزعتها علي كل بيت بالمجان, وأقمت لصاحبها الذي لا أعرفه حفل تكريم في كل مكان.. وبعدها بأقل من عام كتب قطب مقالا في مجلة الرسالة عن رواية محفوظ القاهرة الجديدة يشيد فيه ببنائها ويعتبرها فتحا جديدا في الرواية العربية.. و..تمضي مشاهد العلاقة بأحداثها علي مر السنين ليكتب نجيب مخاطبا سيد قطب صاحب كتاب التصوير الفني في القرآن: ألم نقرأ القرآن؟ بلي. وحفظنا في زمن سعيد مضي ما تيسر من سوره وآياته, وكان ومايزال له في قلوبنا عقيدة وفي وجداننا سحر, بيد أنه كان ذاك السحر الغامض المغلق, تحسه الحواس, ويهتز له الضمير, دون أن يدركه العقل أو يبلغه التذوق, كان كالنغمة المطربة التي لا يدري السامع لماذا ولا كيف أطربته, فجاء كتابك كالمرشد للقارئ والمستمع العربي من أبناء جيلنا, يدله علي مواطن الحسن ومطاوي الجمال, ويجلي له أسرار السحر ومفاتن الإبداع.. كان القرآن في القلب فصار ملء القلب والعين والأذن والعقل جميعا..... وتترك شخصية سيد قطب تأثيرها علي نجيب لدرجة أنه وضعها ضمن الشخصيات المحورية التي تدور حولها روايته المرايا مع إجراء بعض التعديلات, ولكن القارئ المدقق يستطيع أن يدرك أن شخصية عبدالوهاب إسماعيل فيها ملامح كثيرة من سيد قطب.
وتمضي سنين العلاقة ليكتب نجيب خاتمتها بعد اللقاء الأخير: سيد قطب هو أول ناقد أدبي التفت إلي أعمالي وكتب عنها في الأربعينيات, وتعرفت عليه في ذلك الوقت حيث كان يجيء بانتظام للجلوس معنا في كازينو أوبرا, وكانت العلاقة التي تربطنا أدبية أكثر منها إنسانية.. ميز سيد قطب في تلك المرحلة تحرره وذكاءه وموهبته الأدبية إذ كان من تلاميذ العقاد المخلصين, والعقاد علي ما أذكر هو الذي توسط له لدي النقراشي باشا لإرساله في بعثة دراسية للولايات المتحدة من عام1949 حتي1951, وكنت أعده لسنوات طويلة من رواد الاستنارة والفكر الجرئ المتحرر, وكان آخر لقاء جمعنا في بيته بحلوان حيث ذهبت لزيارته في عام1964 بصحبة آل السحار عقب خروجه من السجن بعفو صحي رغم معرفتي بخطورة هذه الزيارة وبما يمكن أن تسببه لي من متاعب أمنية.
في تلك الزيارة تحدثنا في الأدب ومشاكله, ثم تطرق الحديث إلي الدين والمرأة والحياة, وكانت المرة الأولي التي ألمس فيها بعمق مدي التغيير الكبير الذي طرأ علي شخصية سيد قطب وأفكاره.. لقد رأيت أمامي إنسانا آخر.. حاد الفكر.. متطرف الرأي.. يري أن المجتمع عاد إلي الجاهلية الأولي وأنه مجتمع كافر لابد من تقويمه بتطبيق شرع الله انطلاقا من فكرة الحاكمية لا حكم إلا لله.. وسمعت منه آراءه دون الدخول معه في جدل أو نقاش.. فماذا يفيد الجدل مع رجل وصل إلي تلك المرحلة من الاعتقاد المتعصب؟!!.
و.. من قبل وبعد..
مصر مرسي الذي نسي من قبيل القصد أو السهو الفن وأهله في خطابه الأول, ثم عاد في عود حميد ليرحب به في خطابه الثاني الذي فتح فيه مطمئنا صدره.. مصر التي بدعت الفنون قد زهدت المظاهرات والاعتصامات والملصقات والخيمات والمليونيات ووقفت تنتظر عودة ألحان حب جميل وبثينة وقيس وليلي.. و..أنساك يا سلام.. و...شوف الزهور واتعلم!!!
[email protected]
المزيد من مقالات سناء البيسى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.