عند فهمنا للواقع الذى يحدث لنا فى حياتنا اليوميه من احداث معينه وما يتعلق بها من اسباب ودوافع ومؤثرات اوحتى محفزات فانه –فى الحقيقه -يوجد عنصران لا ثالث لهما يفسرا مسلك حوادث هذا الواقع اولهما "العفويه "و ثانيهما ما يسمى ب "نظرية المؤامره".وتعنى العفويه ان الامور تجرى تلقائيا دون تدخل من الغير ليغير اطوارها او يوجه مسارها فيقسرها على توجه معين وطريق محدد غير الذى يجب ان تسير فيه او تتحرك خلاله وفقا لتلقائيه مطلقه وحريه كامله،اما ما درج على تسميته ب" نظرية المؤامره" فهنا الامر سيختلف حيث سيتشكل تصور مختلف لسيناريو الاحداث يكون الفاعل الاصلى لتوجيهها هو جه او شخص او مؤسسه او –حتى –دوله ، حيث يكون لهم مجتمعين او- حتى- منفردين اليد الطولى فى تحريك الاحداث على النحو الذى يرضيهم وفى تحقيق المصالح على النحو الذى يتغيوه، وقبل ان ندلف الى مغاليق تلك النظريه ومجالات تاثيرها لنفتش فى خباياها سيكون علينا ان نتفق - سويا- على تحديد مفهوم محدد لتلك النظريه المعضله " نظرية المؤامره" لغويا قيل ان "المؤامره" هى كلمه مصاغه من فعل الامر "أمَرَ" واشتق منها كلمة التآمر بمعنى ان يامر شخص غيره بعمل او فعل ما على هوى الاول فيفعله الثانى حتى ولو كان على غير مراده وعلى غير هواه. وبطرح موضوعى لتلك الكلمه يمكننا القول ان اصدار الامر الى شخص قد لا يكون بعمل شرير فقط ،لكن قد يهدف الى عمل خير ،كما ورد فى القران الكريم قوله "وأتمروا بينكم بالمعروف" الا ان الائتمار من البشر كما ورد بمحكم التنزيل قد يحتمل الاذى كما جاء فى قوله تعالى"قال ياموسى ان الملأ يأتمرون بك ليقتلوك ". وننتقل بتلك الفكره من السياق الاجتماعى الذى يعايشه الناس فى حيواتهم اليوميه واقعا قد لا يكون هناك فكاك من فرضياته ولا ملجأ من تقريراته ،ننتقل –كما قلت –الى الصعيد السياسى لنحدد ملامح غابت عنا –بكل الاسف-قواسمها،ولنوضح وقائع اختلطت –بالتاكيد-احداثها فى اذهاننا ومداركنا. الصعيد السياسى يمكننا القول ان الاخذ ب " نظرية المؤمره" يعنى تصور قوى عدوانيه تحيق بالوطن وابنائه لتقطع اوصاله وتمنع إلتآمُه وتفكك التحامه سبيلا الى تحقيق مصالحها التى هى –بكل تاكيد-متعارضه مع مصالح الوطن. وقد تكون هذه القوى دينيه اى ترتكز على تعاليم دين ما ، لتحقيق اهداف هى - بالقطع – دنيويه ، ولدينا مدد من التاريخ القديم وايضا الحديث من تلك القوى ،ومن امثلتها القوى التى حركت الجيوش فى حروب اطلق عليها العرب تعبيرا مؤدبا وهو " حروب الفرنجه " واطلق عليها المسيحيين الاوربيين المتطرفين العنصريين " الحروب الصليبيه"اشارتا منهم الى انها حربا عقائديه ليا بالسنتهم بادعائهم كذبا انهم يهدفوا الى نصرة الصليب فيما انهم –فى حقيقه الامر-كانوا يخفون اطماعهم فى استنزاف الثروات العربيه ونزحها –ظلما- الى بلادهم ...وابلغ برهان على ما نقول ان جنود تلك الفئه الباغيه لم يكونوا يعرفوا دين ولامبادى ساميه ولم يراعوا تقاليد ولم يصونوا حقوق بل داسوا المبادئ وهانوا الحقوق ودنسوا القيم فقوام تلك الجيوش المعتديه وجنودها تم تجميعهم من حثاله المجتمع الاوربى ومطاريده ومخالفوه فلقد تكونت تلك الجيوش من المساجين بمختلف جرائمهم فمنهم النصابين والنشالين وقطاع الطرق وتجار المحرمات وغيرهم من عتاة المجرمين فى الجرائم المشينه بالاضافه الى فئات شريره اخر من تجار اوربا كانت تهدف للاثراء الفاحش من وراء نجاحهم فى تحقيق اهداف هذه الحملات الحربيه فى الاغاره على الدول العربيه والاسلاميه ونهب ثرواتهم .ويمدنا التاريخ الحديث –ايضا- بفئه اخرى تتخذ الدين ستارا للسطو على مقدرات شعوب العالم ولاسيما الشعوب العربيه وهى الصهيونيه العالميه التى هجرت كتابها المقدس "التوراه" ولازت بدلا منه الى كتابها المُدَنَس المسمى "بروتوكولات حكماء صهيون" الذى يقرر اتباع كثير من الاساليب الشريره للوصول الى السيطره على العالم باسره ، وان اقتصر فى الوقت الحالى على التفرغ للعر ب اولا كفريسه سهلة المنال لان اهلها –وحتى اشعار اخر- يتقاتلوا فيما بينهم على اغراض دنيئه لم ترد فى تعاليم دينهم الساميه. كما يمدنا التاريخ الحديث بقوى اقتصاديه تسعى الى امتصاص واستخلاص الثروات المحليه لصالح افرادها كالقوى البرجوازيه فى اوربا فى عصر ما كان يسمى بعصر التجاريون فى القرن الخامس عشر قبيل فجر ما كان يسمى عصر النهضه فى اوربا فى القرن السادس عشر ، وقد تطورت وتضخمت تلك القوى الاقتصاديه لتحتوى دول غرب اوربا وتعمل لصالح شعوبها فى عصر ما يسمى عصر الاستعمار الاوربى للشعوب العربيه والاسلاميه فى القرنان التاسع عشر ومطلع العشرون لتشكل تلك القوى الاقتصاديه النيو ليبراليه ما يسمى بالراسماليه العالميه المرتبطه بالامبيرياليه العالميه. وقد تكون القوى الشريره المتآمره اجهزة مخابرات عالميه مثل وكالة المخابرات المركزيه الامريكيه او الموساد الاسرائيلى او الكى جى بى الروسى ،وقد تكون تلك القوى شركات عالميه عابره للجنسيات تبحث عن تحقيق مصالحها على اتساع العالم باسره ، مثل شركات البترول او شركات الاسلحه ،بل قد تكون تلك القوى متمثله فى عائله مثل عائله روتشيلد او عائله روكفلر مثلا . الواقع يقول ولا خلاف على ان كل قوه من تلك القوى المنوه عنها حالا، تسعى بكل تاكيد الى تحقيق مصالحها وتتغيا تفعيل مآربها ولكن الواقع يقول ان تلك القوى لا تعمل وفق مخطط واحد او لا يفترض انها تعمل باتفاق او ارتباط بل العكس هو الأوْلَى والاكيد فقد تتعارض مصالحها ،وتتصادم اهدافها، وتتخالف اساليب عملها؛ اذن فليس لقوه بمفردها طلاقة الفعل وتَسَيٌده على غيره من الافعال. لقد اثبتت حوادث الواقع ان تلك القوى ليست مطلقة القدرات فلقد عاصرنا فشلا ذريعا لاقوى دوله فى العالم وهى امريكا فى فرض ارادتها على شعب من افقر شعوب العالم وهو شعب فيتنام مما الجئ امريكا للانسحاب من فيتنام دون اى قيد او شرط بعدما تكبدت افظع الخسائر ،وشاهدنا فشلا مقيتا لاقوى اجهزه مخابرات فى العصر الحديث بل اقواها بلا منازع وهى اجهزه وكاله المخابرات الامريكيه "سى آى إيه " على يد مجرد بضع افراد و التى ترتب عليها احداث سبتمبر لعام 2011 فى تدمير مبانى داخل امريكا نفسها وفى قلب اهم مدنها على الاطلاق وهى مدينه نيويورك التى تدمر فيها مبانى مركز التجاره العالمى وبعض مقرات وزاره الدفاع الامريكيه " البنتاجون" وغيرها من مبان هامه...... . ولقد اثبتت حوادث الواقع ان اجهزه مخابرات ثانى اقوى دوله فى العالم وهو الاتحاد السوفيتى واجهزة مخابراته " كى جى بى " لم تستطع ان تحمى انفراط كيانه و تَهَُرئ امنه القومى فتشرزمت الدوله السوفيتيه فى التسعينيات قرب نهايات القرن المنصرم (القرن العشرين) الى اكثر من 15 دوله منقسمه و متعاديه ومتنافره ومتحاربه.............. ولقد اثبتت حوادث الواقع فشل دوله مدججه بالسلاح والعتاد مثل اسرائيل فى تحقيق نصر على شعب مدينه صغرى "غزه الفلسطينيه"فانسحبت منها بجيوشها القويه بعد هز يمه سافره ودون فرض ارادتها على موطنيين عزل من السلاح والعتاد . .............. ولقد اثبتت حوادث الواقع فشل اجهزه ثالث اقوى جهاز مخابرات على مستوى العالم وهو الموساد الاسرائيلى ، فقد فشلت فى التنبؤ بنوايا القوات المصريه والسوريه فى شن هجوم مباغت على القوات الاسرائيليه وهزيمتها فى حرب رمضان –اكتوبر 1973 الذى كادت فيه مصر ان تدمر ما يسمى بدولة اسرائيل وتمحوها من الوجود ، بعد ان انهت اسطوره التفوق الاسرائيلى ودحره لولا التدخل الامريكى السافر ضد القوات المصريه المنتصره.اذن لا يمكن ان يُكشَفْ الغيب ليكون مرئيا لأحد ما مهما كان ،فليس هناك ما يسمى ب"الحتميه التاريخيه" اى لا يوجد ما يبعث على الاطمئنان الى ، او الاقتناع بما ، يخبئه المستقبل للتاريخ وتطبيقا على ذلك فلا يجب ان يعزى اى فشل يحدث لنا الى الغير بمفردهم ، وذلك تبريرا لكسل ، اوتهوينا لتوان عن بذل ما يجب ،اواسقاطا عن تاديه ما يلزم، وتلك-على اى الاحوال - هى القضيه الثانيه التى سنعالجها فى المقال القادم.