من العاصمة البوروكينة واغادوغو إلى داكار السنغالية، مرورا بكوناكري في غينيا، لاشيء بدا بقادر على استيعاب تلك الأدفاق البشرية الهائلة التي زحفت نحو المساجد لإحياء ليلة القدر العظيمة. فرغم ضيق مساحة بعض أماكن العبادة، إلاّ أن ذلك لم يكن ليحول دون اكتساحها من قبل المصلّين، وإن كلّفهم ذلك الصلاة خارج المساجد. ففي العاصمة السنغالية داكار، شهد مسجد جامعة الشيخ أنتا ديوب، تدفقا غزيرا للمصلين خلال العشر الأواخر من شهر رمضان، غير أنّ الزحف شهد ذروته ليلة البارحة، حيث احتشد المسلمون في جميع أركان المسجد، رافعين أيديهم بالدعاء والإبتهال، استعدادا لأداء الفرائض والتقرّب من الله في تلك الليلة المباركة. لم تكن باحة المسجد الداخلية قادرة على استيعاب ذلك الحشد المتدفّق من المصلّين، ما أجبر بعض الشباب على الصلاة في الساحة الخارجية، بينما جلست النساء في الجانب الآخر من المسجد، يستمعن في خشوع إلى الخطب، ويرددن الأدعية، بعيون متوجهة نحو الخالق، وأذرع مفتوحة تطلب المغفرة والرحمة. أباكار سيسي ديوب، منسّق مجموعة أئمة مسجد جامعة الشيخ أنتا ديوب بداكار، قال للأناضول، إنّ "الصلاة هنا متاحة للجميع، وحتى الطلبة يقبلون على أدائها في مسجدنا، كما يأتي مسلمو الأحياء المجاورة أيضا. فانطلاقا من الثامنة من ليلة البارحة، قمنا بتوزيع الأطباق على المصلين بدعم من المحسنين، قبل أن نقيم الصلاة، متبوعة بتلاوة ما تيسّر من القرآن الكريم، إلى حدود فجر اليوم الثلاثاء". أما في مسجد السلطان أيوب في باماكو عاصمة مالي، فالأمر لا يختلف كثيرا، إذ احتشدت أعداد غفيرة من المصلين، لإحياء ليلة القدر، حتى لم تعد قاعة الصلاة الفسيحة تتّسع لهم، قبل أن تتعالى الأصوات مرددة الأدعية والآيات القرآنية. عثمان سيسي إمام المسجد قال للأناضول متحدّثا عن الليلة المباركة: "بدأنا بإلقاء الخطبة، ثم صلينا التراويح، ودعونا في نهايتها لمسلمي العالم أجمع". أجواء خاشعة عمّت مختلف العواصم والمدن الافريقية ليلة القدر، ولم يعكّرها سوى انقطاع التيار الكهربائي في بوندوكو الواقعة شرقي كوت ديفوار. ففي "مدينة الألف مسجد" كما يصطلح على تسميتها محليا، انقطع التيار الكهربائي عن المصلين وهم بصدد أداء الصلاة ليلة القدر، غير أنّ الظلمة التي أطبقت فجأة عن المكان لم تجد طريقها نحو تلك القلوب المضيئة بالإيمان، فكان أن واصلت صلاتها ودعاتها، مستنيرة بفيض تقوى أصحابها وقوة ورعهم. وفي كوناكري عاصمة غينيا، وبناء على تعليمات من الأمانة العامة للشؤون الدينية في البلاد، تم تخصيص ليلة القدر، سواء خلال الصلاة أو عند الدعاء، للتصدّي لفيروس "إيبولا" الذي أودى بحياة الآلاف من الأشخاص منذ ما يزيد عن العام والنصف. وتبعا لذلك، دعا الأمين العام للشؤون الدينية، الحاج دياسي، دعا، أئمة مدينة كوناكري وضواحيها إلى "الإبتهال إلى الله عز وجل من أجل القضاء نهائيا على هذا الوباء القاتل الذي تسبب في معاناة السكان". وتطبيقا لهذه التعليمات، صدحت أصوات المصلين في مسجد "بيلاهي" بضاحية راتوما بكوناكري، بالدعاء، ليلة البارحة، طلبا من الله أن يخفف معاناة المسلمين ويجنب البلاد مخاطر الآفات والأوبئة. إمام المسجد، الحاج منصور فاديغا، قال للأناضول: "إنها ليلة القدر العظيمة، ونحن نحييها عبر تلاوة القرآن، وأداء الصلاة والإبتهال إلى الله عز وجلّ". وغير بعيد عن السنغال، وتحديدا في بوروكينا فاسو، حيث كان لليلة القدر وقع خاص ومميز على مسلمي هذا البلد، والذين ارتفعت أياديهم عاليا متوسّلة إلى الله أن يبسط رحمتهم عتلى بلادهم، من أجل انتقال سياسي سلس فيها، وهي التي تعيش مرحلة حاسمة في تاريخها إثر الانتفاضة التي أطاحت، أواخر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بحكم الرئيس البوركيني السابق بليز كمباوري. "إنها ليلة استثنائية للتوجه إلى الله"، يقول للأناضول رئيس دائرة الدراسات والتفكير الإسلامي موسى نومبو، "ونحن ندعو الله من أجل أن تشمل رحمته بلادنا، وأن تمر المرحلة الانتقالية التي نعيشها بسلام".