لن أنس ما حييت مذبحة سربرنيتشا في البوسنة والهرسك والتي وقعت في يوليو من العام 1995 وراح ضحيتها 8 آلاف من المسلمين على ايدي السفاحين الصرب في ظل تواطؤ من الاممالمتحدة وتآمر غربي وأمريكي وقتها... فقد كشفت لي تلك المذبحة منذ 20 عاما عن الوجه الآخر للبعض من أتباع من كانوا يرفعون شعار الاغاثة الانسانية الاسلامية ورفضوا ان يشاركهم احد من غير تيارهم السياسي والديني العمل الإغاثي لجمع التبرعات لمسلمي البوسنة ورفضوا التعاون مع اعضاء الأحزاب والتيارات السياسية الاخرى ممن كان يقوم بجمع التبرعات لانه ليس منهم ... فثبت لي ان هناك من يقوم بالعمل الإغاثي الاسلامي - وهم قلة - للتكسب السياسي والشعبي فقط ...
كنت وقتها في الفرقة الثانية ( 1994 / 1995) بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة ... وكنت عضوا جديدا بحزب العمل الذي انضممت اليه في ذات السنة الجامعية .... وفي طريق عودتي من المدينة الجامعية بالقاهرة الى قريتي كفر هربيط بمدينة ابوكبير بمحافظة الشرقية في صباح يوم الجمعة لقضاء الإجازة الشهرية اشتريت نسخة من جريدة الشعب الناطقة باسم حزب العمل و التي صدرت يوم الجمعة بتقرير كبير عن المذبحة بالصور ... لم أتمالك نفسي وانا في الطريق بين القاهرة ومحافظتي الشرقية ... وبمجرد وصولي الى قريتي ذهبت لصلاة الجمعة وبعد انتهاء الخطيب من خطبته ومن صلاة الجمعة وهو استاذي ومعلمي ... وقفت دون إرادة مني وأخذت أخطب في الناس وانا أرفع جريدة الشعب ليرى الناس صور المذبحة ... ولم اشعر بمن حولي ... فقط مشاهد المذبحة وصور الأطفال والنساء مقطوعي الرأس والرجال المسلمين المقتولين كان هذا كل ما أراه امامي .. وحكيت لأهل قريتي قصص القتل والذبح للأطفال والرجال واغتصاب النساء المسلمات ... وبكيت وبكى الناس ... وقلت لهم لا نملك لنصرتهم الا الدعاء ... وطلبت منهم الدعاء لمسلمي البوسنة بالنصر ، وللشهداء منهم بالرحمة ... وبعد الانتهاء من حديثي جلست أردد دعاء ختام الصلاة وظهري للناس بجوار الامام وهو استاذي ... وفوجئت بالمصلين يأتون فرادى ثم جماعات ويضعون النقود امامي .. ويقولون هذه تبرعات لهم ... ولم اعلم شخصية معظم من وضع النقود لان ظهري كان للمصلين لأَنِّني كنت أردد دعاء ختم الصلاة بعد ان انتهيت من كلمتي وكنت اجفف دموعي ...
صراحة لم اعرف ماذا افعل .. فانا لم أطالبهم بالتبرع ... وانا وقتها كنت بمفردي في حزب العمل في القرية وليس معي احد ... ولم يقم اي شخص في القرية بتنظيم حملة تبرعات لمسلمي البوسنة رغم وجود نشاط للجنة الاغاثة في نقابة الأطباء في هذا المجال في محافظة الشرقية ...
فذهبت الى استاذي الذي احترمه والذي كان هو خطيب الجمعة ... لأستشيره واطلب مساعدته هو وجماعته لي في حملة التبرعات لمسلمي البوسنة ... فصدمني رده فقد اعتذر وقال : انت بدأت وكمل لوحدك واحنا ها نتبرع زي الناس !!!! طبعا الرد صدمني ... فانا طالب جامعي .... وتبرع الناس بعد صلاة الجمعة كان عفويا ولم استطع رد الفلوس للناس ولم استطع الاعتذار لهم فهناك من وضع النقود من خلف ظهري في المسجد ومشي دون ان اعرفه ... فتوكلت على الله وقررت المضي قدما في الحملة بمفردي ... وعلقت لافتة قماش كبيرة في مدخل القرية كتبتها بخط يدي تدعو الناس للتبرع للبوسنة ... وكتبت عليها اسم حزب العمل لتكون حملة رسمية ولا تحدث مشاكل أمنية ...
وخطبت يوميا في مساجد القرية وكان الناس يتبرعون بعد كل خطبة وكنت أسجل اسم كل متبرع ... وبعد شهر هي مدة الحملة بلغ حجم التبرعات 120 جنيها تقريبا ..وهو مبلغ بسيط ولكن قيمته المعنوية كبيرة ان يتبرع أناس بسطاء وفقراء لمسلمين آخرين لا يعرفونهم لكن تعاطفوا مع مأساتهم من خلال ما يشاهدونه في نشرات الاخبار وما كانوا يسمعونه مني . وللمرة الثانية احترت في امري ...ماذا افعل بالفلوس ؟ قلت في نفسي : يجب تسليم الفلوس لجهة رسمية واخذ إيصال بها .. ونظرا لان اتباع احدى الجماعات ممن يقومون بالعمل الإغاثي الاسلامي رفضوا التعاون معي في حملة جمع التبرعات فلم اتوجه اليهم لأعطيهم مبلغ التبرعات..
ولم اجد امامي الا جمعية الهلال الاحمر المصري فهو جهة إغاثية رسمية وكان قد اعلن عن حملة لإغاثة البوسنة وقتها .... فسافرت الى القاهرة وتوجهت لمقر الهلال الاحمر بالقرب من ميدان رمسيس ... وسلمت مبلغ التبرع للجمعية ... وأخذت ايصالا رسميا باسم / تبرعات أهالي قرية كفر هربيط لمسلمي البوسنة والهرسك ... رحم الله شهداء البوسنة والهرسك ...
* صحفي عضو نقابة الصحفيين وعضو اتحاد الصحفيين العرب