تأخذ ظاهرة الاختطاف في اليمن أوجهاً عدّة منذ عهود ما قبل الثورة اليمنية ، أي منذ عهود الإمامة قبل عام 1382ه - 1962م فقد كانت تقدم عليها الدولة في العهود الغابرة – ولا يزال له حضور إلى حدّ ما - في صورة احتجاز فرد من عائلة أو قبيلة ما، وغالبا ما يكون من صغار السن لقوّة التأثير العاطفي على عائلته أو قبيلته فيما يبدو، بهدف الضغط على شيخ القبيلة أو إحدى الزعامات أو الأفراد الذين يمثلون مصدر قلق للنظام( الدولة ) . وقد عُرف ذلك بنظام (الرهائن). و تتم عملية الاختطاف بين قبيلة وأخرى بهدف إعادة حق مستلب ، أو ممارسة الضغط تحت ذريعة ما للتنازل عن حق ، أو الموافقة على موقف ما للقبيلة الخاطفة . أي أنه كان يصدر عن الأعلى تجاه الأدنى تارة ، وعن الندّين تارة ثانية ، غير أن الجديد فيه اليوم هو صدورها من الفرد أو القبيلة تجاه الدولة . أي أن المواطن ممثلا في فرد أو أفراد أو قبيلة بات يمارس هذا المسلك إزاء الدولة، تحت ذرائع شتى تبدأ من مطالب تنموية وخدمية، وتنتهي بالضغط للإفراج عن أقارب محتجزين لدى السلطات الأمنية، كما تم مؤخرا مع اختطاف أحد مسئولي السفارة الألمانية بعدن وأفراد عائلته، أو عن مجموعة السياح الإيطاليين الذين تم الإعلان عن اختطافهم في محفظة مأرب، عقب الإفراج عن المسئول الألماني وعائلته بساعات معدودة. وجميعهم يتذرّع بإلقاء العديد من أقاربهم في سجون السلطات الأمنية لسنوات من غير الإفراج عنهم أو تقديمهم للمحاكمة . ويبدو أن المرّة الوحيدة التي اختلفت فيها دوافع الخاطفين ،وأخذت طابع الخطف المنظّم ما عرف في عام 1998م بخطف السيّاح البريطانيين والإقدام على إعدام بعضهم قبل تمكّن قوات الأمن من تخليص آخرين، في محافظة (أبين) شرق البلاد على يد جماعة ( دينية ) مسلّحة عرّفت بجماعة عدن أبين . وقد قادها أحد الشباب المشبعين بفكرة التغيير المسلّح ، ويدعى ( أبو الحسن المحضار)، الذي نفّذ حكم الإعدام بحقه، بعد محاكمة مطوّلة، فيما اقتصر على سجن بعض أفراد جماعته بمدد متفاوتة ، من بينهم نجل الناشط المصري المثير للجدل أبي حمزة المصري، الذي يحاكم حاليا في لندن بتهمة الضلوع في أعمال عنف والتحريض عليها ، مع العلم بأن بريطانيا كانت تنفي تورّطه في شيء من ذلك كلما طالبت السلطات اليمنية بتسليمه إليها على خلفية اتهامه بالتخطيط للاختطاف في (أبين) ! . من أبرز ما يميز الظاهرة في اليمن طبيعة المعاملة الكريمة التي يلاقيها المحتجَزون ( بفتح الجيم) ، بحيث لم تسجّل حالة إساءة لهم ، وهو ما يشهد به المحتجَزون أنفسهم . اللافت في الأمر أن آخر ما شهدته اليمن من هذه الظاهرة سبق عيد الأضحى المبارك ببضعة أيام، صاحبه جهد للسلطة غير مسبوق، سواء على المستوى الأمني أم الإعلامي ، كما تم حشد المظاهرات الموجّهة من قبل السلطات، وحدث تبار بين بعض أطراف ما يُعرف بالمجتمع المدني في إصدار بيانات الإدانة والتنديد بأصحاب هذا السلوك. ولم يقف الأمر عند ذلك الحدّ بل انتهى بإقالة محافظي مأرب وشبوة ومديري الأمن في المحافظتين. ويتساءل المراقبون في اليمن لماذا اختلف الموقف الرسمي هذه المرّة، من حيث الجدّية على الأرض ، ومحاولة الحسم الحقيقي بصورة غير معهودة ؛ على حين جرت العادة بأن تنتهي عملية الاختطاف في مرّات سابقة باتهام جهات خارجية (هلامية)، وتوعدّات صوتية إعلامية، بلغت حدّ التوعّد بتنفيذ حكم الإعدام فيمن يثبت تورطه مستقبلا في شي من ذلك . ومع تكّرر الأمر إلا أن تنفيذ شيء من ذلك لم يحصل ، بل غالبا ما ينتهي الموقف بمساومات ودفع (مكافآت) مالية للخاطفين ، أو حصولهم على مغانم في السلطة، أو كسب مواقع نفوذ جديدة في مناطقهم ، أو منح صلاحيات إضافية للقيادات العشائرية المتنفذة، ذات العلاقة المباشرة أو غير المباشرة بالاختطاف، أو نحو ذلك مما يهدف في غايته إلى شراء الولاء للسلطة بأي ثمن . فما السّر وراء هذا الحسم إزاء السيّاح الإيطاليين على نحو لم يسبق له مثيل ؟ يبدو أن للتلازم بين عملية اختطاف المسئول الألماني في السفارة الألمانية بعدن وأفراد عائلته وحدوث عملية الاختطاف الجديدة للسياح الإيطاليين الذي أعقب العملية الأولى بساعات قليلة فقط منذ عملية الإفراج عن الألماني وعائلته علاقة مباشرة تفسّر جانبا من هذا الاستعراض الحكومي الأمني والإعلامي والسياسي والجماهيري الموجّه وغير المسبوق ، لاسيما وأن تكرار العملية على ذلك النحو مع السيّاح الإيطاليين بدا استخفافا مباشرًا بالتهديد الذي أطلقه الرئيس علي عبد الله صالح عقب تحرير الرهينة الألماني وعائلته، حيث كان أكّد أن الدولة قادرة على اجتثاث ظاهرة الاختطاف في البلاد كما حدث مع ظاهرة الإرهاب والجماعات الإرهابية . هذا إلى جانب الخشية الحقيقية من أن تتسبب هذه الظاهرة في اتخاذ موقف سلبي مؤثر على مستوى العلاقات الدبلوماسية مع الدول الغربية، ولا سيما من ينتمي إليها رعاياها المخطوفون. كما أن لسجل اليمن غير الحسن لدى المؤسسات الأجنبية التي توصف بالدولية في مقارعة الفساد بكل مظاهره سببه كذلك في محاولة إظهار جدّية الدولة فتح صفحة جديدة تتسم بالمصداقية . ولربما كان ثمة أثر إلى حد ّما لتقارير منظمة السيّاحة والسفر العالمية - ومقرها بريطانيا- التي كانت شهدت لحركة السياحة في اليمن بالازدهار بسبب تحسّن الأوضاع الأمنية في السنوات الأخيرة مقارنة بفترة أواخر التسعينات ، بحيث إن عائدات قطاع السياحة بلغت عام 2005م بليون ونصف البليون دولار ، مما يدفع للتوقّع بأن تتنامى أرباحها إلى ثلاثة أضعاف بحلول عام 2015م ، وهو ما يجعل اليمن البلد العربي الثاني الأسرع نموا في قطاع السّياحة، بعد مصر ، أي بنسبة تقدّر بنسبة 9' 5في المائة بفارق1'0في المائة فقط عن مصر. أيّا كانت الدوافع الرسمية في محاولة الحسم فإن ثمة شكوكا كثيفة تعلوها – بنظر العديد من المراقبين - نظرا إلى أنه لا جديّة ولا جديد في مجمل الأداء الحكومي بل مسلسل الفساد في تواصل مستمر وآخره ما تردد - وفق مصادر عليمة- عن تكليف نفقات انعقاد مؤتمر الحزب الحاكم (المؤتمر الشعبي العام ) في منتصف شهر ديسمبر من العام الفائت ستة مليارات ريال يمني ، مع أن الشعار الأبرز للمؤتمر هو القضاء على الفساد!!. *أستاذ أصول التربية المشارك – جامعة صنعاء – اليمن