جمال سلطان جرى العرف في السجون على أن السجين الذي يقترب من إنهاء فترة حكمه المؤبدة ، تتم تهيئته نفسيا لاستقبال حياته الجديدة ، لأنه انعزل عن الحياة والمجتمع والناس والدولة والدنيا سنوات طويلة بما يحتاج معه إلى فترة تأهيل اجتماعي ونفسي تدريجية للتأقلم مع حياته الجديدة عندما يخرج إلى الحرية ، فيتم تخفيف القيود النظامية التقليدية للوائح السجون في الثياب والحركة وفترات الوجود خارج الزنازين ، وكذلك في إفراج وقتي قصير ومحسوب على فترات ، إنها رحلة شديدة الإيلام ، وأيام حالكة السواد ، وعمر ضائع ، حتى أننا كنا نلاحظ هذا الأثر النفسي لدى الضباط أنفسهم في تعاملهم مع هذه الحالات بدون أي توجيهات ، لأنهم أمام مأساة إنسانية حقيقية ، لم تعد تحتمل المزيد ، ولذلك أنا في غاية الدهشة من سلوك بعض القيادات الأمنية مع المقدم عبود الزمر ، الذي قضى الآن أكثر من حكم المؤبد داخل السجن ، ومع ذلك يتم التنكيل به وبأسرته بقلب بارد ، والتضييق عليه في السجن وفي الحركة وفي الزيارات وفي أسلوب المعاملة وإخضاعه لتحقيقات متوالية ، لأنه أبدى غضبه من إهمال قضيته وانتقد وزير الداخلية وصرح بتصريحات للصحافة ، خاصة وأنه يقضي الآن عقوبة مضاعفة وغريبة الشكل ، لأن الحكم الذي قضي به على عبود قضي به على عشرات غيره ، بالنص والحيثيات والتفاصيل ، فأفرجت الداخلية عن من رضيت عنهم ، ورفضت بعناد الإفراج عن عبود الزمر وادعت أن الحكم عليه يقتضي أن يبقى أربعين عاما كاملة في السجن ، هذه وحشية لا يليق بنا في مصر أن نوصم بها ، كما لا يليق بالمؤسسة الأمنية أن تتصرف بمثل هذا التشفي والعناد مع سجين في قبضتها وسجونها أكثر من خمسة وعشرين عاما ، وبعيدا عن أي خلاف مزعوم في فهم الحكم والناسخ والمنسوخ فيه ، إلا أن الحقيقة الدامغة أن الداخلية أفرجت عن آخرين وضعهم مطابق بالكامل لوضع عبود ، ما معنى هذا التحرش المتتالي به وترحيله من سجن لآخر ، ومن مقر أمني إلى مقر آخر ، ومن تحقيق أمني إلى تهديدات حسب ما قالت أسرته ، رجل في الستين من عمره قضى قرابة نصف عمره في السجن وراحت فيه زهرة شبابه وكهولته ، ما الذي تريده منه الحكومة المصرية بعد كل هذا ، هل هذا هو الوجه الإنساني الذي يبشرونا به في المرحلة الجديدة ، عناد وتشفي ووحشية في التعامل مع الخصم السياسي حتى نهاية حياته وشيخوخته ، محنة عبود الزمر ينبغي أن تتوقف ، لأنها مهينة لمصر وحكومتها ومؤسستها الأمنية ، وليس فقط مهينة لوضع حقوق الإنسان فيها ، لم يعد هناك معنى من حيث الأصل لوجود عبود الزمر في السجن الآن ، كما لم يعد هناك أي مبرر إنساني أو أخلاقي للتعامل معه بمثل هذه الإهانة ، بعد هذه السن وذلك العمر الذي قضاه في السجون ، عبود الزمر لم يعد له في هذه الدنيا شيئ ، لا والد ولا ولد ، وإنما زوجة مصرية أصيلة ، صابرة محتسبة ، خمسة وعشرون عاما ، بكل نبل المصرية الأصيلة ، تحفظ له عهده ووده ، خمسة وعشرون عاما لم تتخلف مرة عن موعد زيارته في مختلف السجون والمعتقلات التي مر عليها ، وحتى عندما كانوا يصدونها ، تعود وترعى قضاياه العديدة في المحاكم والنيابات وعلى أبواب السجون ، أي قلب في هذا البلد ذاك الذي يبيح لنفسه صب المزيد من العذاب والأسى على هذه المرأة النبيلة ، أليس في هذا البلد رجل رشيد ، إني أناشد كافة المنظمات الحقوقية وأعضاء البرلمان خاصة من الكتلة الإسلامية ، أن يقفوا وقفة لله إلى جانب محنة هذا الرجل وأهله ، لأن هذا الذي يحدث عار علينا جميعا . [email protected]