طل علينا عام هجري جديد,لكنه يطل علينا هذا العام في مصر"بل وفي أمتنا" في ظل ما تعارف على تسميته بالربيع العربي, ولعلنا ونحن نستقبل هذا العام الهجري الجديد تثير فينا الذكرى العطرة ذكريات وأحلام وآمال. إن الهجرة المكانية من مكان الى مكان لم تعد مفروضة (لاهجرة بعد الفتح),لكن هجرة الشر تبقى هي المطلوبة دوما (والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه), لذلك قد نتصور أن مصر بعد ثورتها المجيدة في 25 يناير وكأنها في طريق هجرة من حال الى حال, فتهاجر من القهر الى الحرية ومن الذل الى العزة, ومن الظلم الى العدل, ومن التمييز الى المساواة, في تشابه لما كان في حالة الهجرة من مكة الى المدينة, ففي مكة كان القهر والاستبداد والظلم, وفي المدينة تشكلت دولة جديدة بقيم العدل والحرية والمساواة. وقد أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم أسس ودعائم دولة المدينة على ركائز ثلاث (كما ذكر الشيخ الجليل محمد الغزالي "رحمه الله" في كتابه القيم" فقه السيرة"). الركيزة الأولى : علاقة الأمة بربها. كان أول ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة هو بناء المسجد, والذي لم يكن ساحة للعبادة فحسب بل كان أيضا مدرسة للعلم وندوة للأدب ومجلسا للشورى, وهذا يعني فيما يعني تأسيس الإسلام لمؤسسات شتى في المجتمع, انطلقت قديما من المسجد, لتتحول الآن " مع اتساع الدولة" الى مؤسسات مستقلة وكبيرة .. الركيزة الثانية : علاقة الأمة بعضها ببعض. استطاع النبي " صلى الله عليه وسلم " تكوين المجتمع المترابط المتماسك", فأذاب قيم العصبية والقبلية والتعصب والفخر بالجاه والانساب, فآخى أولا بين المهاجرين بعضهم ببعض في مكة, فنرى أبا بكر (السيد) يفتدي بلالا (العبد) بماله, لا ليكون عبدا له بل أخا له.. ثم آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين الأنصار من أوس وخزرج في يثرب, ثم عندما انتقل المهاجرون من مكة الى المدينة آخى بينهم وبين الأنصار, ليصبح المجتمع الجديد متماسكا مترابطا لا فرق بين أحد وآخر إلا بالتقوى (إن أكرمكم عند الله اتقاكم - لا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى). ولعلنا في مصر بعد ثورة 25 يناير في أشد الحاجة الى تكوين نفس المجتمع المترابط فيذوب المصريون جميعا في وطنهم, وتتحقق العدالة الاجتماعية, الركيزة الثالثة : علاقة المسلمين بغير المسلمين. حينما وصل الرسول صلى الله عليه وسلم الى المدينة وجد يهودا ووثنيين قد استوطنوا بها, فصاغ ميثاق المدينة والذي يُعد بحق دستورا متقدما وفقا لمعطيات عصره وزمانه, حيث كان الناس من قبله قبائل وقوميات واعراق شتى وبذلك كفل لهم رسول الله حرية العبادة وحرية العقيدة وحق المواطنة والشراكة الكاملة .. في ترسيخ "مبكر جدا" لاحترام حقوق الانسان الذي لم تعرفه البشرية إلا مؤخرا.. ثم أرسل النبي صلى الله عليه وسلم من الدولة الجديدة رسائل الى الأوطان والممالك الأخرى, كملك الحبشة وأقباط مصر وعبدة النار من الفرس والوثنيين من الرومان, يخاطبهم بكل أدب ورقي, ولم يمنعه اختلافه مع عقائدهم أن يخاطبهم بقوله : الى " عظيم القبط" ..الى " عظيم الروم" .. الى " عظيم الفرس" .. وقد كان من قبل يمتدح ملك الحبشة (المختلف معه في الدين والعرق واللون) بأنه ملك لا يُظلم عنده أحد ... مصطفى كمشيش [email protected]