مؤقتا ...وإلى أن نعثر على لفظ أدق، سوف نبتكر مصطلحا جديدا هو "الركسوتالجيا" لكى نعبر به عن تلك الحالة النفسية التى بدأت تنتاب فى الآونة الأخيرة بعض الكتاب فى بلادنا، وتجعلهم لا يكفون عن التوجع شوقا إلى عصرالملكية فى مصر، وبوجه خاص عصر الملك فاروق الأول (الذى لم يحفظه الله رغم دعاء جميع أئمة المساجد لجلالته فى كل خطبة جمعة على مدى ستة عشر عاما تقريبا ..هى مدة حكمه)، .... وقد قمنا بنحت هذا المصطلح بالدمج بين كلمتين هما ركس REX ومعناها باللاتينية "ملك" وكلمة آلجيا ALGIAومعناها "وجع"، وقد كانت مقتضيات الإشتقاق اللغوى الدقيق تقتضى منا أن نقول "ركسى"، أو "ريجس" بدلامن "ركسو"، ... لكننا وجدنا أن "الركسوتالجيا"أوقع، لأنها تذكرنا بالكلمة التى يعرفها الكثيرون منا، ألا وهى"النوستالجيا" ومعناها التوجع شوقا إلى الوطن، وهى حالة تنتاب أغلب الذين يتركون بلادهم ، حيث نجدهم بعد فترة من الغربة طالت أو قصرت يشعرون بالحنين الجارف إلى أوطانهم : أرضها وناسها وكل شىء كانوا يلعنونه فيها، وحينئذ يتوجعون شوقا إليها وكأنهم لم يضيقوا بها يوما ولم يلعنوا أباها قط !! ...أما بالنسبة للحكم الملكي، فالحقيقة أن أغلب المصريين كانوا يمقتونه بالفعل ويلعنونه سرا وجهرا، ليلا ونهارا، وقد فرحوا كثيرا بزواله من بلادهم ورحيل المليك غير المفدى عن مصر، ومع هذا فإن بعضهم (بوجه خاص أبناء الطبقات الأرستقراطية) ظلوا يحنون إلى عصر الملكية الذهبى ويحلمون باليوم الذى يعود فيه إليهم أو يعودون إليه، غير أن هؤلاء لم يكونوا قط تيارا يعتد به، ولم يكونوا حتى مجرد بذور قابلة للنمو، على العكس من ذلك تماما راح أولئك الأرستقراطيون والنبلاء وغيرهم من الحالمين بالملكية، راحوا ينقرضون وينطفئون مع مضى الزمن حتى لم يعد منهم فى النهاية سوى بقايا الظلال والرماد،... ثم فجأة وبدون سابق إنذار عادوا يتألقون على صفحات بعض الصحف وفى بعض الفضائيات، وقد انضم إليهم فى هذه المرة عدد من لا مؤاخذة الرعاع!! ولا شك أن السؤال الذى يطرح نفسه على الفور فى مثل هذه المناسبة: ماهو السر فى هذا البزوغ المفاجىء للركسوتالجيين ؟ وهل ما نشهده الآن هو ركسوتالجيا حقيقية أم أنها ظاهرة تخفى وراءها شيئا آخر؟؟، للإجابة على هذا السؤال هناك أكثر من تفسير، وأول هذه التفسيرات هو أن هذه الظاهرة نوع من الإعتذار المتأخر لما قامت به ثورة يوليو من طمس لمآثر الأسرة العلوية وفى مقدمتها الإنجازات الحداثية لمؤسس الأسرة محمد على باشا ، وثانى هذه التفسيرات أن المسألة فى جوهرها ليست إلا نوع من الرفض للفساد المتفشى فى البلاد والعباد وللأوضاع الإقتصادية والإدارية السيئة التى آلت إليها والتى تجعل من مصر الملكية حتى فى أسوأ أحوالها أهون حالا فى نظر الكثيرين من مصر الآن، أما التفسير الثالث للركسوتالجيا فهو أن بعض رؤساء الجمهوريات العربية قد بدأوا يتجهون إلى توريث أبنائهم، ومادام الحكم قد أصبح ميراثا فالملكية من وجهة نظر أصحاب هذا الرأى أفضل من الجمهورية لأن أغلب الملوك العرب إن لم يكن جميعهم هم فى نهاية المطاف أقل استبدادا وجبروتا من أغلب الرؤساء ( إن لم يكن جميعهم أيضا!! )، وأما التفسير الرابع فهو أن هذا التحسر المفاجئ على أيام الملك يتمثل فى أنه فى جزء من حملة أمريكية شاملة تستهدف تصفية كل ما تبقى من آثار الأنظمة الثورية ( بكل إيجابياتها وسلبياتها التاريخية) عقابا لها على أنها تجرأت يوما ما على العصيان، والدليل على ذلك أن أكثر الركسوتالجيين الجدد لم يؤثر عنهم يوما وقوفهم فى وجه الطغيان الأمريكى إلى جانب ما تبقى لنا من مواضع الشرف العربى والإسلامى مثل المقاومة الفلسطينية أوالعراقية أو حزب الله البطل الذى تعتبره أمريكا إرهابا. وأيا ما كان السبب الحقيقى فى بزوغ الركسوتالجيا فإن النموذج الركسوتالجى فيما أتوقع سوف يكون واحدا من نجوم أو كومبارسات المرحلة القادمة. [email protected][email protected]