وقال الشعراوى إنه لاحظ أثناء عضويته لجماعة الاخوان أن هناك داخل الجماعة مركز قوى ضد حسن البنا نفسه وأنه رأى بنفسه عبد الرحمن السندى رئيس الجهاز الخاص السري للإخوان يدفع حسن البنا بيده ويكاد يوقعه على الأرض لخلاف بينهما لولا تساند البنا على من كانوا يقفون خلفه وأنقذه أيضاً الشعراوى ! وكان ذلك فى مقر الإخوان ومركزها العام فى الحلمية رغم أن حسن البنا هو الذي اختار السندى وعينه رئيسا للجهاز ! لكن عبد الرحمن السندى – كما يقول الشعراوى – تحول بقوة هذا الجهاز إلى مركز قوى داخل الجماعة إلى حد أن الشيخ عمر التلمسانى مرشد الإخوان الأسبق يقول عنه فى شهادته : إن عبد الرحمن السندى أحس بقوته وسلطته وكان يتصرف فى بعض الأحيان تصرفات لا يقرها البنا إلى حد أنه يضع نفسه فى مستوى قائد الجماعة ولقد أغوته القوة وأغواه الشيطان ولم يرض البنا رئيس الجماعة عن ذلك ووقع الخلاف بينهما . أما لماذا لم يقم البنا بفصل السندى فأى إنسان فى أى جماعة ينمو وتزداد قوته يوماً بعد يوم قد لا يدرك خطره إلا بعد أن يصل أمره الى منتهاه وهذا ما حدث ولم تطل أيام البنا حتى يتخذ إجراء قوياً مع عبد الرحمن السندى الذى اتخذ نفس الموقف من المستشار الهضيبى مرشد الإخوان فيما بعد وأساء إليه فاجتمع مكتب الإرشاد والهيئة التأسيسية وقرروا فصل السندى! كان الشيخ الشعراوى حانقاً على السندى وتصرفاته مع البنا ، وتعاونه مع عبد الناصر ضد الإخوان والهضيبى ووشايته ونقل أسرار الإخوان وتنظيماتهم لعبد الناصر والتآمر على خلع الهضيبى والإطاحة به بالإتفاق مع الرئيس الراحل الذى كان لا يستريح بأى حال للهضيبى ومعاملته له وتحقيره لآرائه! واتهم الشعراوى السندى بتدبير عملية اغتيال زميله فى الجهاز المرحوم سيد فايز وأنه هو الذى أرسل علبة الحلوى المفخخة فى مولد النبى صلى الله عليه وسلم لمنزل سيد فايز ! تلك حقائق تاريخية ثابتة فى معظم المراجع والمصادر المعتبرة ، تتعلق برؤية الشيخ الشعراوى للتنظيم السرى وللجناح الخاص للجماعة الذى يعمل تحت الأرض ويقوم بمهام غير عادية لا يعلمها أعضاء الجماعة الباقون ، وتنظيم كهذا بطبيعته وتكوينه السرى الخاص لابد وأن يمنح نفوذاً ومزايا خاصة تجعله فى كثير من الأحيان يرى نفسه فوق الجماعة وأكثر أهمية وشجاعة وأعلى مرتبة من الأفرع الأخرى ، ولابد وأن يكون لزعيمه أهمية خاصة تفوق أى قيادى آخر مهما بلغ علمه وتقواه . ولذلك يذكر التاريخ أن الشيخ الباقورى وكيل الجماعة قد حنق وغضب عندما علم بأمر التنظيم لاحقاً ، فكيف تخفى عنه حقائق بهذه الخطورة برغم أنه بمثابة الرجل الثانى فى الجماعة . اذاً نستطيع أن نشرح ونستنبط رؤية الشيخ الشعراوى للنظام الخاص أو التنظيم السرى – أو الأجنحة العسكرية للجماعات – فى عدة نقاط : أولاً : يمحو هوية الجماعة الأصلية وينقلها من دعوية اجتماعية ، الى سياسية تسعى الى السلطة بجناح عسكرى . ثانياً : ينقل النفوذ والسيطرة وسلطة اصدار القرار المصيرى وتحديد وجهة الجماعة بأسرها من يد القائد الطبيعى سواء كان سياسياً أو داعية الى يد الزعيم والقائد العسكرى السرى صاحب النفوذ الخفى . ثالثاً : يضعف من حضور وقرار وهيبة القائد الطبيعى للجماعة ، التى تصبح رهينة للمتحكم الأمنى والنافذ العسكرى . رابعاً : يؤدى للانشقاقات والانقسامات والصراع الداخلى بالجماعة ، لأن هناك كثيرون من ذوى الكفاءات سيشعرون بالتهميش والغبن ، وآخرون سيشتكون استئثار البعض بأمور التنظيم من دونهم ، وبدلاً من أن تكون مهمة القيادة هو توجيه الجماعة وترشيدها وتوجيهها نحو هدف مشترك ، فهى تسعى لخلق قوة عسكرية منافسة تكون يدها الضاربة فى مواجهة نفوذ قائد التنظيم السرى المتعاظم ، وهو ما حدث بين الجهاز الخاص القديم بقيادة السندى والتنظيم الذى أنشأه الهضيبى . خامساً : اتخذ الشيخ الشعراوى اذاً قرارين وليس قراراً واحداً ، وهما الخروج من الاخوان وممارسة الدعوة العلنية ، وغالبية الحركة الاسلامية يعتبرون قرار ومشوار السرية هو الأصوب وأن الذى يختار هذا الطريق هو الأشجع ؛ فى حين أن العمل العلنى والصدع بالحق يحتاج لشجاعة أكبر مع ضرورة توفر امكانيات ومواهب قد لا يحتاج اليها من يعملون فى السر . العمل السرى ستر للعيوب وطريق يرى فيه أرباع الموهوبين أنفسهم ويشبعون رغباتهم فى الزعامة بعيداً عن الممارسة العلنية فى الفضاءات المفتوحة التى تمحص الكفاءات وترفع الموهوبين البارعين وتقصى من لا يستحق الصدارة والقيادة . أنظر لقرار الشيخ الشعراوى وقراره وتبعاته وانجازاته الكبرى التى بنيت على مواهب حقيقية . ثم ننظر الى تاريخ عبدالرحمن السندى الذى اختاره محمود عبد الحليم ورشحه للبنا فقط لأنه متفرغ ولديه من الوقت ما يكفى لانجاز تلك المهام الخطيرة ، وفى رواية السندى قال فى أسباب اقباله على هذا العمل أنه مريض ويسعى ويتمنى أن يموت شهيداً قبل أن يموت بالمرض . ثم أنظر الى نتائج وتبعات ما قام به السندى والنظام الخاص وأجنحة الجماعات العسكرية ليس فقط على الحركة الاسلامية ، انما على الوطن بأسره .
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.