أنا معجب جدا بمالك العبارة السلام 98 وأخواتها ! فقد استطاع أن يقتل أكثر من ألف مصري بائس؛ فضلا عن ترويع نحو ثلاثمائة آخرين رأوا الموت ولم يموتوا؛ واستطاع أن يخرج من الموضوع مثلما تخرج الشعرة من العجينة ، ومع أن الشعب المصري هاج وماج وبكى واستبكى ،وحظي بتعاطف الدنيا كلها مع مأساته ؛ فإن مالك العبارة كان أكثر ذكاء وقدرة على الإفلات السهل والسلس من أية مؤاخذة أو محاسبة .. فقد اكتشف الناس أن له صداقة عميقة مع عمد النظام، وله علاقات وثيقة مع أصحاب القرار ، ولم يستطع مجلس الشورى أن يرفع عنه الحصانة إلا بعد أن اطمأن إلى تهريب أمواله وممتلكاته السائلة ثم خرج مع ابنه و أسرته في زفة رسمية عبر صالة كبار الزوار بمطار القاهرة الدولي، وفي لندن عاصمة الضباب جاءت الأنباء أن الرجل يحمل الجنسية البريطانية، وفي رواية أخري الجنسية الأميركية، وكان سيادته قبل رحيله الميمون قد استطاع أن يجعل أبواب الإعلام المرئي والمسموع والمقروء في وادي النيل تفتح أمامه ليقول ما يشاء ويدافع عن عبارته المتهالكة ، واشترط ألا يشاركه أحد في كلامه ودفاعه ، وكان هذا امتيازا غير مسبوق لمتهم في قضية كبرى تهز المجتمع وتقض مضجعه ، ويعلم كل من ركب عباراته أنها لاتليق بالحيوانات‘ ولكنه آثر أن يجعلها سيدة البحار والمحيطات ، ويشحن فيها الآلاف المؤلفة تحت أسوأ الظروف والإمكانات ! لقد تنادى الناس إلى معرفة الحقيقة في ظل الامتيازات التي يحظى بها مالك العبارة السعيد ، وراحت لجنة من مجلس الشعب المصري ، معظم أعضائها من الحزب الوطني الحاكم ،تتقصى الحقائق فتحدثت عن أخطاء وخطايا ، وقصور وتقصير ، وأشارت إلى الوضع المزري الذي كانت عليه العبارة مما أدى إلى غرقها ، وذكر رئيس اللجنة – وهو غير معاد للسلطة ولا للمالك لأنه جزء من النظام – أن العبارة لم تكن مهيأة للإبحار ونقل البشر ،لأنه كانت تنقصها أشياء كثيرة ، كما أشار إلى أوجه قصور وفساد خطيرة على الأرض ترتبط بالعبارة والشركة التابعة لها . ثم كان تقرير المدعى العام اشتراكي يصب في الاتجاه ذاته، ويشير إلى الأخطاء والخطايا ، والقصور والتقصير ..ولكن مالك لعبارة المحظوظ ، وجد النائب العام يقرر أن العبارة صالحة للاستخدام وليس بها أية عيوب ، ووجه إليه تهمة القتل الخطأ في محكمة جنح سفاجة ، وبعدها بأيام فوجئ الناس أن المدعي الاشتراكي يتحدث عن تعويضات يضعها مالك العبارة في البنك الوطني العربي ، نظير رفع الحراسة عن أمواله العينية وغيرها !! أليس الرجل محظوظا ؟ويستحق الإعجاب حين تقارنه مثلا بالناشط السياسي عصام العريان الذي خرج ليتضامن مع القضاة, ومن أجل استقلال السلطة القضائية؛ فإذا به يعتقل ويجدد له كل خمسة عشر يوما ، مع أنه لم ينهب أموال الدولة ، ولم يقتل أبناء الشعب ، ولم يستغل صداقاته ونفوذه مع كبار المسئولين في " تسليك " أموره ، ولم يكسب الملايين من عرق الشعب البائس المسكين ودماء أبنائه ؟؟ عصام العريان ليس وحده في هذا المجال بل هناك المئات الذين جرى لهم ما جرى له وزيادة! أليس الرجل – أي مالك العبارة – يستحق جائزة نوبل لإفلاته من المساءلة الحقيقة والفعالة التي تطبق على المتظاهرين في الشوارع ، لدرجة أن بعضهم يتعرض للسحل والسحق والتعذيب الذي يقود إلى الاعتداء الجنسي عليهم في أقسام الشرطة ؟ نحن لا نعلم لماذا تقول لجان تقصى الحقائق والتحقيق أن مالك العبارة مذنب ، بينما كلام النيابة يبرئه أو يجعله شبه بريء ، ولم يوضح لنا أي من الطرفين سر هذا اللغز .. جهات تدين ، وجهات تبرئ ، ولا يعلم الناس السبب ! إن الوطن صار ملكا لطبقة لها تقاليدها وطقوسها ، ومن هذه التقاليد والطقوس الكسب السريع والضخم ، دون دفع ضرائب أو حقوق ، لا للدولة ، ولا للعاملين البائسين ، ومن طقوس هذه الطبقة أن تتسلح بالإعلام الحكومي أو الرسمي ، وتقدم للناس الحقائق مغلوطة ومزيفة ،مع الإلحاح على هذا التزييف والغلط حتى يصدقه عامة الناس . ، بالإضافة إلى أن هذه الطبقة تتصاهر وتتحالف لتأمين مكاسبها وأرباحها , وكلها حرام ، لأنها جاءت على حساب الدين والأخلاق والوطن ! وتلحق بهذه الطبقة طبقات هامشية تحتفي بها السلطة حفاوة غير عادية ، رعاية ودعاية ، ممن يسمونهم بالفنانين وكتاب السلطة المنافقين ، ولا عبي كرة القدم ، والخارجين على القيم الإسلامية والخلقية والإنسانية . والمفارقة أن بعض خدام السلطة من المثقفين يقولون إن الأصولية الدينية ( أي الإسلام ) سبب تخلفنا العلمي ، وتناسى هؤلاء الخدم أن علماء مصر في كافة التخصصات – عدا الواقفين على أعتاب السلطة – يتسوّلون الحد الأدنى من العيش الكريم ، ويموت الواحد منهم مرضا وقهرا ولا يجد من يسأل فيه من أهل السلطان ، بينما المطرب والممثل والطبال والزمار يجد رعاية من كبار المسئولين ، فيؤمر بسفره للعلاج في الخارج أو في أرقى المستشفيات المحلية؛ ويقطع البث التلفزيوني والإذاعي لإذاعة نبأ وفاته ، وتقام له المناحات على الشاشات وموجات الأثير ، وتستمر بعد موته إلى ما شاء الله .! إن مالك العبارة الذي أثار أبوه لغطا كبيرا ذات يوم حين أسس في الإسكندرية شركة تسمى أليكس شوبننج ، وبعدها شركة الملاحة الدولية ، ثم اختفى ؛ يأتي ابنه لينجح فيما أخفق فيه وليكون من أذكي القتلة الذين يخرجون من الجريمة مثلما تخرج الشعرة من العجين. ألا يستحق الرجل الإعجاب يا سادة ؟ ثم الهتاف له :يعيش مالك العبارة! [email protected]