مبدئيًّا أبارك لمصر والأمة والصحافة والحرية افتتاح المصريون، أدامها الله منارة لكلمة الحق، ومعرضًا للفكرة الحرة، ومرآة حقيقية لنبض المصريين، ولن نرضى منها بأقل من هذا، ولن نقبل بأن تكون رقم اثنين أو ثلاثة.. بل الأمنية أن تكون دائمًا القاطرة التي تقود مسيرة الصحافة الوطنية الحرة النظيفة. وبعد قارءي الحبيب: كوتشين اول: برنارد شو ونظرته المتسامحة للدين رغم إلحاده كوتيشن تاني: السير جيمس واكتشافات لها مدلول فهذه تداعيات نوفمبرية، وأخلاط تاريخية أتمنى أن تجتذب اهتمامك قارئي الكريم، وتجد فيها شيئًا من القيمة والجدة والإضافة. حرف الثاء حرف (وبائي) واسع الانتشار في اللغة الإسبانية، فترى المتحدث بالإسبانية (يفثفث) طول الوقت، فلا تخلو كلمة ينطقها من ثاء أو أكثر، فما سبب هذه الظاهرة العجيبة: *** يقول الجبرتي: يزعم بعض المغرضين أن تشارلز الثاني ملك إسبانيا كان يرزح تحت وطأة تخلف عقلي، وشلل بدني، وصعوبة في النطق، تجعله ينطق حروف الصفير كلها ثاء، بسبب حالته (اللي تصعب على الحجر) فأراد الذين حوله من الحاشية أن يجاملوه، ولا يحرجوا جلالته، بالنطق السليم للكلمات، فأخذوا مثله ينطقون الصاد والسين والزاي كلها ثاءً، وتحولت العاهة الملكية إلى لغة للبلاط الإسباني، ثم قلدهم الشعب كله، لتصير (الفثفثة) منهجًا لغويًّا حتى يومنا هذا! الغريب أن هذا الملك المعتوه حكم التاج الإسباني تسعة وثلاثين سنة! تخيل أن عاهة ملك تصير منهجًا لأمة، ولغة رسمية، لأن كلام الملوك إبداع، حتى لو كان بلهاء! تشارلز الثاني مات سنة 1700، وجاء بعده حكام أقوياء عقلاء مؤثرون، غيروا الدنيا، ووحدوا أوربا، وحكمنا نحن عشرات من المعوقين المعاتيه عشرين وثلاثين وأربعين سنة.. فرقوا الأمة، وأضعفوها، وأهانوها، وركّعوها، وزادوها رهقًا! وحسبُنا بالعقير قذاف الدم أنموذجًا للبلاهة العربية الحاكمة! وهو بالمناسبة من مواليد قرية جهنم، في وادي جارف، بسرت! في أحد أيام نوفمبر سنة اثنتين وأربعين وقعت معركة العلمين التي زرع في أرضها الألمان والطليان والإنجليز والفرنسيسكان قريبًا من 23 مليون لغم تشل الحياة والاقتصاد والسياحة في المنطقة، ويقتل بسببها عشرات كل عام، وقد حصلت حادثة طريفة في العلمين تكشف عن الحيوانية الحضارية للإنجليز عنوانها الفيلق الهندي.. فهل سمعت به قارئي العزيز؟ *** يقول الجبرتي حرسه الله: في الحرب العالمية الثانية، اعتاد الإنجليز أن يفتحوا الطريق أمام جنودهم – قبل اختراع كاسحات الألغام - بقطعان من الكلاب والحمير والدواب، فإذا كان بالطريق ألغام مزروعة انفجرت في هذه الدواب، ونجا البشر من الموت والتشويه.. لكن سادتنا المتحضرين لما لم يجدوا حميرًا كافية وكلابًا، وهم يقطعون صحراء العلمين التي لا تزال مليئة حتى يومنا هذا بالألغام، اضطروا لإيجاد حل.. وبسهولة وجدوه! فقد استحمروا الهنود، وأرسلوا الفيلق الهندي المعاون لهم، يفتح لجنودهم ذوي الدم الأزرق الطريق.. بأجساد وأرواح الحمير الهنود! وبعد الوصول كتب قائدهم لرئيسه: وصلنا/ لم نفقد أحدًا من جنودنا/ وهلك الفيلق الهندي عن آخره! تخيل! وبلغ من استحمارهم هذا الهندي– وهم في بلاده – أن الضابط الإنجليزي كان إذا أراد أن يركب حصانه، جاءه الهندي (ابن البلد) فانحنى ليضع الخواجة رجله على ظهره، ويركب الفرس.. ولا يزال استحمار أهل العالم جاريًا! أكاد أجزم أن حضرتك قارئي الكريم تعرف الساخر الكبير ذا العشرة ألسنة، والمُلح اللاذعة جورج بن برنارد شو، المسرحي الأيرلندي المدهش..كاتب مسرحيات سيدتي الجميلة وكانديدا وبيوت الأرامل وحواري الشيطان وغيرها، والرافض لجائزة نوبل في الآداب، لأنها (طوق نجاة، يلقى به إلى رجل وصل فعلاً إلى بر الأمان، ولا يواجه أي خطر) والرافض كذلك لزيارة أميركا (حتى لا يرى سخرية القدر، بوجود تمثال للحرية في بلدٍ يمتهن الإنسان أينما كان! ذلك البلد الذي انتقل من البدائية إلى الانحلال؛ دون أن يعرف الحضارة)! *** يقول الجبرتي حفظه الله: رغم إلحاد شو فقد كانت نظرته للدين متسامحة – ليس كبعض العضاضين العرب – بل إن له رأيًا مدهشًا في سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو الذي قال: (رجال الدين في القرون الوسطى - ونتيجةً للجهل أو التعصّب - قد رسموا لدين محمدٍ صورةً قاتمةً، لقد كانوا يعتبرونه عدوًّا للمسيحية، لكنّني اطّلعت على أمر هذا الرجل، فوجدته أعجوبةً خارقةً، وتوصلت إلى أنّه لم يكن عدوًّا للمسيحية، بل يجب أنْ يسمّى منقذ البشرية، وفي رأيي أنّه لو تولّى أمر العالم اليوم، لوفّق في حلّ مشكلاتنا بما يؤمن السلام والسعادة التي يرنو البشر إليها)! (لو تولى العالم الأوربي رجل مثل محمد لشفاه من علله كافة، بل يجب أن يدعى منقذ الإنسانية، إني أعتقد أن الديانة المحمدية هي الديانة الوحيدة التي تجمع كل الشرائط اللازمة، وتكون موافقة لكل مرافق الحياة، أعتقد بأن دين محمد سيكون مقبولاً لدى أوربا غدًا وقد بدا يكون مقبولاً لديها اليوم، ما أحوج العالم اليوم إلى رجل كمحمد يحل مشاكل العالم)! 'The Genuine Islam,' Vol. 1, No. 8, 1936 مشكلة شو أنه قرأ وعرف، ومشكلة كثير من مثقفينا أنهم يسبون الإسلام وهم لم يفكروا في فتح المصحف، ولا يحسنون قراءة المعوزات.. آسف: المعوذات! أتذكر حضرتك الشاب الصهيوني المتطرف (وكل صهيوني متطرف) إيجال عامير الذي قتل صديق العرب الحنون، حامل جائزة نوبل في السلام، الإرهابي الدموي إسحاق رابين رئيس الوزراء الصهيوني!؟ والذي حضر جنازته حسني مبارك، ومعه عمرو موسى، والملك حسين، وبطرس غالي، ودبلوماسيون خليجيون! والذي قال مبارك في تأبينه: (كان رجلاً شجاعًا، وقائد دولة معترف بها) إنه من أبطال إسرائيل عند اليمين الصهيوني المتطرف الذي لا يجيز مجرد التفاوض للفلسطينيين حول أرضهم المغتصبة، ويستبيح قتل ذراريهم، واستئصال جذورهم.. لقد قتله عامير في نوفمبر، فسجنوه، وظهر في الصحف والإعلام أكثر من مرة وهو يضحك، لم يعذبوه، ولم يفرضوا الطوارئ، ويسجنوا البلد كلها بسببه، ولم يعتقلوا أمه وأخته وأصدقاءه وجيرانه، ولم يلفقوا له ألف تهمة، بل حاول الزواج أكثر من مرة لولا أن وقف في وجه ذلك علمانيو الدولة الصهيونية المتطرفة! *** يقول الجبرتي غفر الله له: لقد قتله حقيقة، وأمسكوا به فعلاً، واعترف وافتخر بأنه قتله، فلم يخنقوه بحبل في كوع حوض الزنزانة! أما في بلاد العرب السعيدة، فالتهمة تلفق، والسيناريو العبيط لها يجهز، ويجهز المتهمون، الذين يسحلون ويعذبون، وتدمر بيوتهم، ويشرد أبناؤهم، وتثكل أمهاتهم، ويجرسهم الإعلام، ويجرس جدودهم وما يمثلون، ويكون الفاعل في النهاية: العادلي! هل تعرف رجلاً اسمه سير جيمس ينج سمسن؟ صعب أن يتذكره الناس، بينما يتذكرون هتلر، وستالين، ورابين، وبوش، وميلوسوفيتش، وكثير من الشواذ نفسيًّا وتاريخيًّا وجسديًّا! الناس يذكرون هؤلاء لشراستهم، ولا يذكرون أسماء من نصبوا، وعانوا لتخفيف الوجع، أو نشر النور، أو أسسوا للإبداع والجمال! أخونا سمسن (شمشون كما يعربونها) هذا وقف في حفل تكريم له، بعد أن استخدم الكلوروفورم مادة للتخدير أثناء إجراء العمليات الجراحية، لأول مرة في تاريخ البشرية – وهو طبيب عالم جراح من إسكتلندا – ولما أخذ الخطباء يثنون على اكتشافه، ويتحدثون عن عبقريته انفجر باكيًا، فقاموا (يطبطبون) عليه، ويقولون إنه يستحق الجائزة، ظانين أنه يبكي فرحًا بها، فإذا به يهتف فيهم: أتظنون أنني أبكي فرحًا بجائزتكم؟ كلا.. بل أبكي على شيء مختلف تمامًا.. كم تمنيت أن تكون بيننا الآن، وأنني اكتشفت هذا العقار أثناء العملية! أية عملية يا سير جيمس!؟ قال: تمنيت لو كانت أمي بيننا الآن، لتعرف أنني بسببها وصلت الليل بالنهار، لأصل إلى هذا الكشف الذي يرفع عن البشر الألم والمعاناة.. لقد رأيتها تحت مبضع الجراح الذي كان يقطع لحمها الحي، وصرخاتها تبلغ السماء من الألم، ولا أستطيع لها تخفيفًا، أو راحة.. لقد أغمي عليها من الألم بينما هي مقيدة اليدين، مشدودة الرجلين؛ لئلا تتحرك، والمشرط الجهنمي يمزق لحمها بقساوة شيطانية، وبقيت في إغمائها حتى اليوم التالي، لذا آليت على نفسي أن أجد حلاًّ يصرف هذا الألم الشيطاني عن بني الإنسان... ولعل أقل شيء أقدمه لأمي الحبيبة هو هذا العقار.. وخُلعت القبعات عن الرؤوس، دوت القاعة بالتصفيق.. وسلامتكم. [email protected]