رن جرس الباب، فتحت السيدة العجوز، إذا بولد في العاشرة من عمره، حاملاً صندوقًا صغيرًا مليئًا بالنقود الورقية والمعدنية، يقول: «كل سنة وحضرتك طيبة إحنا بنلم فلوس عشان نعلق زينة رمضان»، ويستكمل مسيرته على كل البيوت، وفي آخر أسبوع من شهر شعبان، يبدأ الأطفال في تعليق الزينة، ويتوسطها «فانوس»، وليلة رمضان تضيء تلك الفوانيس وتبدأ رحلة ليالي رمضان بتقوسها، وعادات المصريين وتقاليدهم، التي تكسبه مذاقه الخاص، وشّب عليها المصريين منذ مئات السنين. ورصدت «المصريون» أبرز طقوس الشعب المصري في الشهر الكريم. «اصحى يا نايم» وعلى صوت الطبلة الصغيرة بطرقات متقاربة، ينادي «المسحراتي» من أكثر ما يميز به رمضان، قائلاً: «اصحَى يا نايم، وحد الدايم، رمضان كريم» فيستيقظ النيام، وينزل الأطفال بفرحةٍ يحملون فوانيسهم التي يشعلوها ويطوفون الشوارع القريبة وراءه، ومنهم من يطلب أن ينادي المسحراتي باسمه، ويشق طريقه، ويقول: «اصحي يا ندى، اصحى يا إسماعيل». ورغم أن المسحراتي لم يعد يوقظ الكثيرين بصوته، إلا أنه مازال في بعض المناطق في مصر.
«المدفع» صُدفة الإفطار وعندما يحن وقت صلاة المغرب، ساعة الإفطار، ينتظر الكثير من المصريين بجانب الراديو، ليستمعون للكلمة الشهيرة «مدفع الإفطار... اضرب»، والذي يعد من أبرز مظاهر والعادات في رمضان، فتعود هذه العادة، عندما حدثت وتواترت بدون قصد أو ترتيب ففي سنة 859ه أُهدى إلى الوالي «خوشقدم» مدفع فأمر بتجريبه للوقوف على سلامته. وصادفت التجربة موعد غروب الشمس في أول يوم من أيام رمضان، فظن الناس أن هذا إيذان لهم بالإفطار، وفي اليوم التالي توجه مشايخ الحارات إلى الوالي بهذا وأمر بإطلاق المدفع عند غروب الشمس كل يوم من أيام رمضان.
«اللمة» عندما تدق ساعة الإفطار تجتمع العائلات وقت أذان المغرب منتظرين الأذان، فتتلاحم الناس وكأنهم أسرة واحدة كبيرة، لتكسب رمضان أجواء حميمية، فبمجرد أن يظهر الهلال في قلب سماء مصر، تتحول الشوارع إلى احتفالية كبيرة، ومائدة متسعة من الحب والتآخي والتراحم.
فانوس وزينة ففي كل ربوع مصر إذا نظرت إلى أعلى تجد تشابُك زينة رمضان، التي يعد لها الشباب الصغير قبل قدوم شهر رمضان بأسابيع، فتجدهم يطرقون كل الأبواب؛ لتسمح لهم الأُسر بتعليق زينتهم، فتمتد بطول الشوارع، يتوسَّط الزينات «فانوس» كبير إما يصنع من القماش أو الورق أو يشترون الفانوس المصري النحاسي القديم، وتنتشر هذه الظاهرة خاصة في الأماكن الشعبية؛ لتزرع الفرحة في القلوب، والطابع الخاص بشهر ينتظره الجميع.
روحانيات المساجد في رمضان خصيصًا، تمتلئ المساجد بالمصلين، وصوت التراويح، والقرآن، والعبادات، ويتسابق الكثيرون في ختم القرآن والتقرب إلى الله، وتجد المساجد في الخمس صلوات مليئة بالمصريين، يهرولون لرضاء الله. وتجد ساعة الإفطار العائلات تقف في الشوارع كي يوزعون الطعام والشراب على المشردين وغيرهم من السائلين والمسافرين وغيرهم. «النقشبندي» صوت رمضان ومن أبرز ما ارتبط عند المصريين بشهر رمضان، ومازال الكثيرين يفضلونه، هو قرأن المغرب بصوت الشيخ محمد رفعت، ومن بعده حديث الشعراوي، ثم ابتهالات وأذان المغرب بصوت النقشبندي. لُقب بأستاذ المداحين، وهو سيد النقشبندي، الذي يمتزج صوته لدى الجميع بالروحانية عند سماع صوته وكأنه صوت يدعي روحك للتطهر والذوبان في حب الله في رقصة صوفية، قشعريرة الإيمان، وكالعادة قبل الإفطار يستمع الكثيرون إلى صوته.