{ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }. "وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ"، والتجربة شقيقةُ المثل، فلماذا لا أحاول تجسيد ما جاءت به الاية الكريمة، التى هى فى الأصل مثلاً وخطاباً ساقه تعالى ليتفكر فيه البشر .. وأنا منهم ؟ ، أليس سبحانه القائل { وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } ؟ أليست التجربة دربٌ يقود فى نهايته الى التفكر والتدبر ؟ اذاً فلا ضير إن شاء الله، ونيتى يعلمها سبحانه "وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ"، رغم يقينى أنه، تقدست ذاته وصفاته، تعالى علواً كبيراً مطلقاً عن التشبيه والتوصيف، وأن الأمر لا يعدو عن كونه مثلاً ضربه سبحانه لتقريب المعنى لا لتجسيد الصورة فى الواقع، فهو تعالى اللطيفُ الخبيرُ الذى لا تدركه الأبصارُ وهو يدرك الأبصارَ، لذلك فالتجربة، ان قُدِّر لها النجاح، ستمكننى نتيجتها فقط من إستيعاب نطاق تأثير الضوء الذى سيبعثه نور المصباح ذى المواصفات الخاصة فى حيزه المحدود، بمعنى أننى لن أرى النور .. ولا يمكننى ! ولكننى سأرى بالنور ما سيضيئه فى مجال تأثيره .. وكذلك نوره، تقدس وتعالى عن التشبيه، أرى به مكنون نفسى وما سمح لى سبحانه أن أراه من ملكوته الرحب الواسع .. رؤية العين أو رؤية القلب والوجدان .. أو هكذا أتمنى وأدعوه، جل فى علاه، أن يجعلنى، وإياكم، وأن أكون ! هكذا حدثتنى نفسى بعد قراءتى للآية الكريمة فى لحظة روحانية هادئة صافية، إنفصلت فيها إلا عن معيته سبحانه، آوَىَ الناسُ فيها الى مضاجعهم أو كانوا يستعدون ، شأنها أن تأتى بمشيئته وتوقيته تبارك وتعالى دون ترتيب منى أو تهيئة، إستشعرت خلالها الكلمات المباركة وكأنها فيضٌ طاهرٌ باردٌ توضأ به قلبى وعقلى ووجدانى، رغم أننى قرأتها من قبل مئات المرات !، الا أن "مذاقها"، تلك اللحظة مصحوباً بدموع السياحة فى ملكوته تقدس وتسبح وتعالى، كان له "طَعمٌ" آخر كما شاء سبحانه أن يكون، وأستغفره غفوراً رحيماً إن شطحت بى نفسى أو تجاوزت كلماتى عن كنه التعبير ! عقدت العزم على تطبيق المثل القرآنى بصورة عملية، فقمت بترتيب وإعداد عناصر التجربة وأدواتها ، تخيرت غرفةً ذات طابع نفسى مريح، وصنعت "مشكاة" أو فجوة مناسبة فى جدارها، وأعددت مصباحاً زيتياً من النوع الممتاز، ثم إستطعت تدبير زجاجة للمصباح من أرقى وأنقى وأغلى أنواع الزجاج البللورى الفاخر، التى ربما يمكنها وحدها أن تكون شبيها لذلك الكوكب الدُرِّيٌّ المتلألىء، أو الدِرِّيٌّ الدارىء الدافع للظلام، بضم الدال أو كسرها حسب إختلاف القراءات وتوحد المعنى والمقصود . وبقى العنصر الأساسى .. الوقود .. أو زيت الشجرة المباركة المضىء المشرق "وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ"، وظننت، بطبيعتى البشرية الساذجة، أنه سيكون أبسط عناصر التجربة، إذ مع قدرٍ لا بأس به من خبرة، أنعم بها علىَّ سبحانه، فى مجال إستخلاص الزيوت الطبية، سيمكننى بسهولة إستخراج زيت زيتون نقى الى أقصى درجة ممكنة، فقط لو تمكنت من إنتقاء شجرةٍ ذات ثمارٍ جيدة نضجت بدون أسمدة كيماوية وروتها مياه صالحة، الى آخر العوامل التى تضمن سلامة مراحل نمو الثمرة وجودة الزيت المستخرج منها، وبالتأكيد ليس أفضل من أشجار الزيتون التى تَنبُت فى البقعة المباركة من طور سيناء، تلك التى قال تعالى فيها { وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ }، فما علىَّ اذاً الا شد الرحال فى رحلة سريعة الى هناك لإختيار إحدى الأشجار الجيدة ذات الثمار المناسبة التى ينطبق عليها شرط الآية الكريمة بحيث تكون شجرةً "لا شرقية ولا غربية" وفجأة ... انتبهت عند هذا الحد ... لتنتهى التجربة المثيرة الواعدة قبل أن تبدأ ! إذ بقليل من مراجعة المعلومات وطبيعة الأشياء ومواقعها المحصورة بين خطوط الطول والعرض ومجالات التصور المعرفى العقلى المحدود، تنبهت ... يا الله ! ... أنه ليس فى الإمكان مطلقاً تحديد شجرةٍ واحدةٍ، بل حتى ولا مجرد نقطةٍ واحدةٍ، على ظهر الكوكب كله يمكننى، أو يمكن لغيرى من خلق الله أياً كان ما بلغه من علم ! الجزم بدقة تتناسب مع توصيفه تعالى، أنها بكلِّها "لا شرقية ولا غربية" !!! فطأطأت رأسى حسيراً, وقوفاً على حد الأدب . اذاً فالمثل الربانى الكريم منح عقلى البشرى الضعيف القاصر، إلا فى حدود ما أنعم عليه سبحانه، القدرة على التخيل والتفكر والتدبر دون تجسيدٍ لا يمكنه إستيعابه أو إحتواء مضمونه، بينما النسق القرآنى المعجز أدار المثلَ بطريقته الالهية، ليصل فى النهاية الى أنه سبحانه "نُّورٌ عَلَى نُورٍ"، وأن بعضٌ من قَبسِ نُورِه ، سبحانه، هو نفحتَه التى يُضىء بها قلبَ المؤمن ف "يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ". اللهم إجعلنا من الذين إهتدوا فزدتهم هدى، " واكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ". و .. رمضان كريم ، أفطركم الله تعالى على حُسن طاعته، وأسحركم على فضل رضاه، وأذاقكم حلاوة كلماته، وأشرق بنوره المبارك جنبات قلوبكم وأضاء به مكنون أنفسكم، وكل عام وحضراتكم بخير . من أوراقى القديمة المصريون أغسطس 2008 عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.