قد نشفق على البخيل.. ربما ننصحه.. لكن لا نستطيع ان نكتم ضحكاتنا ونحن نشهد موقف لبخيل.. المشكلة ان البخيل ليس هو الوحيد الذي يعاني من بخلعه ويدفع ثمنه عاجلاً وآجلاً ولكن المشكلة في المكتوين بنار بخله والدافعين لثمن حماقته.. هذا هو الجاحظ شيخ المعبرين خصص للبخلاء كتاباً سرد فيه حكاياتهم الطريفة فكان الكتاب ذاته اطرف واخف ما قدم الجاحظ، ادرك الجاحظ ارتفاع الطلب على حكايات البخلاء وان تلك الحكايات هي مادة مشتركة في جلسات اللهو والضحك فجمع حكايات كثيرة ونضمها في كتاب يضحكنا حتى البكاء ويعلمنا حتى جني الحكمة.. هذا رجل بخيل اعتاد أن يمر بقوم في طريقه للتجارة فيكرمونه فيشكر رئيسهم ويعبر عن أمله في ان تتاح له الفرصة ليرد له الجميل.. تمر الأيام وتستدعي حاجة الكريم الذهاب لموطن اقامة البخيل.. يذهب اليه فينكره البخيل ويدعي عدم معرفته به.. يقترب منه أكثر فينكره أيضاً..يزيل الرجل لثاماً يغطي جانباً من وجه عسى ان يعرفه المضيف فلا يعرفه.. يزيل عمامته فيصر انه لا يعرفه.. يبدأ في خلع عباءته..هنا يضربه البخيل بالقاضية " لا تتعب نفسك.. حتى ولو خرجت من جلدك فلن أعرفك ".. البخيل في اغلب الأحوال هو صناعة أهله وذويه.. شب على بخلهم فجرى دماً بخيلاً في عروقه. حتى النساء فان البخل هو أشد ما يكرهن في ازواجهن والكرم هو طريق ازواجهن لقلوبهن. البخيل لا يبخل بماله بل يبخل بعواطفه فهو يدرك ان تفريطه في عواطفه يعني تفريطه في ماله ولذا فهو دوماً يحاصر عواطفه ويفرض عليها سياجاً من حديد.. يتجمد كل شئ في البخيل... اصعب موقف يواجهه البخيل عند الموت.. يموت من الحسرة قبل ان تصل اليه يد عزرائيل.. فما جمعه سيذهب لورثته لا محال.. لم يستمتع بماله.. استمتع فقط بجمعه وتخزينه.. ربما يؤلمه أيضاً في هذه اللحظات الصعبة انه قادم على موقف مشهود سيسأل فيه عن ماله فيما اكتسبه وفيما انفقه.. سيجيب على النصف الأول من السؤال بسهولة وربما يستطرد فيه ظناً منه أن هذا قد يعفيه من الاجابة على النصف الثاني من السؤال..فيما أنفقته؟..الحقيقة انه لم ينفق ماله لا على قريب او بعيد بينما كان ماله هذا هو طريقه للسعادة في الدارين ووسيلته لارضاء ربه قبل ارضاء عباده.. لم يكن تفكيره كريماً معه فقد كان بخيلاً مثله لم يسعفه لادراك الحقيقة قبل فوات الأوان.. وبالفعل يكون الأوان قد فات.