كانت خطوات الإصلاح الاقتصادى التى اتخذتها مصر موضع تركيز صحيفة إيكونوميست الاقتصادية ذائعة الصيت؛ إذ ضربت الصيحفة المثل بما شهدته مصر من اضطرابات مجتمعية زمن الرئيس المخلوع حسنى مبارك فى ضوء سيطرة رجال الأعمال على اقتصاد البلاد وانتفاعهم وحدهم دون غيرهم بالنصيب الأكبر من النمو الاقتصادى. وأوردت الصحيفة عن ريكاردو هوسمان، مدير مركز التنمية الدولية بجامعة، هارفارد تأكيده أن الخطوات التى اتخذتها مصر نحو تحرير الاقتصاد عززت الشهية من أجل تحقيق مغنم أكبر بما كان له الأثر فى تأجيج السخط تجاه النظام الحاكم. وواصلت الصحيفة بيان تأثير العوامل الاقتصادية فى حدوث الاضطرابات والاحتجاجات بأنحاء العالم حاليًا، لاسيما فى أوروبا والولايات المتحدة، فقالت إنه بعد عقدين من النمو المستقر والهدوء شبه التام فى الشوارع، أصبح العالم الغنى مكانا عاصفا، فهناك المئات يخيمون فى المنطقة المالية بنيويورك منذ سبتمبر، ملهمين حركات مماثلة فى مدن كبيرة بأنحاء العالم. وفى روما تحولت الاحتجاجات إلى أعمال عنف حيث أحرق المتظاهرون السيارات ورشقوا الشرطة بالحجارة. وعاد اليونانيون إلى التظاهر ضد مجموعة أخرى من إجراءات التقشف. وذهبت الصحيفة إلى أن الغضب الجماهيرى فى كل هذه الحالات ناتج عن الصعوبات الاقتصادية، لكنها اعتبرت أن الصلة بين الأوضاع الاقتصادية والاضطرابات تعد من النوع المعقد. فالاضطرابات يلقى فيها باللوم دائما على إجراءات التقشف الصارمة، هكذا قالت الصحيفة، منوهة أنه عقب أعمال الشغب فى لندن فى أغسطس، أعلن كين ليفينغستون، العمدة السابق، أن "الركود الاقتصادى وإجراءات التقشف التى فرضتها حكومة المحافظين تخلق حتما حالة من الانقسام المجتمعي". وتابعت الصحيفة أن ورقة حديثة أعدها جاكوبو بونتيسيلى وهانس، يواكطيم فوت من جامعة بومبيو فابرا فى برشلونة أيدت رأى ليفينغستون. وجمع الباحثان فى هذه الدراسة بيانات لحلقات الاضطراب فى أوروبا بين 1919 و2009، حيث شملت مزيجا من الاحتجاجات والإضرابات والاغتيالات والثورات الفاشلة، ووجدا علاقة قوية بين التقشف المالى وهذه الأنواع من القلاقل. ومثل هذه الأخطار، كما تقول الصحيفة، أمر جلى فى دول العالم الناشئ، التى لها تجارب أكبر مع التقشف. فإجراءات التقشف دائما ما ربطت بالعنف الأهلى. ففى دراسة منفصلة عن التقشف المالى فى أمريكا اللاتينية بين عامى 1937 و1995، يؤكد فوت وجود رابطة قوية بين التقشف المالى وعدم الاستقرار فى الدول المستبدة والديمقراطية على السواء. وتجذب الاحتجاجات المدفوعة بالتقشف أيضا أعدادا من المشاركين أكبر من التظاهرات التى ترتبط بأسباب أخرى. ففى عينة من الاحتجاجات الأوروبية من 1980 وحتى 1995، جذبت الاحتجاجات المرتبطة بالتقشف ما يزيد على 700 ألف شخص فى المتوسط، بحسب الدراسة. بينما بلغ متوسط الاحتجاجات المعارضة للحروب أقل من 15 ألف مشارك. وليس لزيادات الضرائب تأثير كبير فى احتمالية الاضطرابات، مع ذلك، بما يشير إلى أن مسائل توزيع الدخل أو الثروات هى التى تلعب دورا فى تأجيج الغضب الجماهيرى، فزيادة الضرائب لها تأثير أعظم على الطبقة العليا أصحاب الدخل المرتفع، بينما يشعر بتراجع الخدمات بشكل أكبر أصحاب الدخل المنخفض وهم الذين ربما يشعرون أصلا بالحرمان. والغضب بسبب التقشف، كما تقول الصحيفة، ربما يكون مكونا واحدا للسخط الجماهيرى. فوجدت الدراسة التى أعدها بونيسيلى وفوت، على سبيل المثال، أن ثمة دورا كبيرا للتغيرات فى الناتج المحلى الإجمالى، إذ تخفض زيادة بنسبة 1 فى المائة فى الناتج المحلى الإجمالى العدد المتوقع للتظاهرات سنويا بنحو 0.4 حالة احتجاج. وهناك أيضا معدلات النمو الضعيف والبطالة المرتفعة، التى تمثل سببا واضحا للاستياء. ففى 2010، حذرت منظمة العمل الدولية من أن مستويات البطالة العالية لاسيما بين الشباب من المرجح أن تطلق مستويات فوق العادية من الاضطرابات المجتمعية. وشددت الصحيفة على أن عدم المساواة يمثل أيضا محركا للاحتجاجات. وأوردت الصحيفة عن دراسة تعود لعام 1994 أعدها ألبرتو أليسينا من جامعة هارفارد وروبرتو بيروتى من جامعة بوكونى شملت 71 دولة بين عامى 1960 و1985، ووجدت أن المستويات المرتفعة من التفاوت فى الدخل تزيد احتمالات الاضطرابات الاجتماعية. وذهبت الدراسة إلى أن الاضطرابات تندلع غالبا عندما يتم إضعاف الطبقة المتوسطة. وتجد هذه الفكرة صدى واسعا الآن، بحسب الصحيفة. فوفقا للتقديرات، استأثر 1% فقط من الأمريكيين بنحو 58 بالمائة من النمو الاقتصادى الحقيق على مدى الثلاثين عاما الماضية، وعلى هذا يرفع متظاهرو "احتلوا وول ستريت" شعار " نحن من ال99 بالمائة". وقد جسدت الزيادة فى تفاوت الدخول حالة من "الاستقطاب" للقوة العاملة بين قطاعين متدنى المهارة وعالى المهارة على حساب متوسطى المهارة أو متوسطى الدخل، بحسب بحث أجراه ديفيد أوتور من معهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا. وبنفس القدر كما غطت بيئة الاقتصاد الكلى الحميدة فى ظاهرها على مدى العقدين الماضيين على تراكم الاضطرابات المالية، فلربما عززت عوامل الاستياء الجماهيرى المجتمعى المزمن. ويعود القدر الكبير من تفريغ القوة العاملة الأمريكية إلى التكنولوجيا، لكن بعضه يعود إلى العولمة. فالتغيرات الهيكلية فى الاقتصاد العالمى يمكن أن تسبب اضطرابات فى البلدان التى تشهد نموا اقتصاديا وكذلك تلك التى تشهد ركودا. ويضع النمو المتسارع فى الأسواق الناشئة ضغوطا على أسواق الغذاء المعروف أنها غير كفء، على سبيل المثال. ووجدت دراسة نشرها صندوق النقد الدولى فى 2011 شملت 120 دولة بين عامى 1970 و2007 أن الزيادة بنسبة 10 بالمائة فى أسعار الغذاء تسببت فى تضاعف عدد الاحتجاجات المعارضة للحكومة، وإن كان فى الدول متدنية الدخل فقط. وأشارت الصحيفة إلى دراسة بحثية أعدها دارون أسيموغلو من معهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا وجيمسروبنسون من جامعة هارفارد توصلت إلى أن الحكومات غير الديمقراطية نسبيا قامت تاريخيا بتوسيع حقوق الانتخابات كى تقنع الجماهير الغاضبة بوعود إعادة توزيع الثورات مستقبلا، أما فى الغرب، فذلك ليس خيارًا متاحًا. واعتبرت الصحيفة أن مستوى أكبر قليلا من النمو ومستوى أقل قليلا من التقشف ربما يبددان حالة الغضب الجماهيرى. لكن فى حال كان للاضطرابات جذور تمتد إلى التغييرات الاقتصادية الهيكلية، فربما تكون هناك حاجة للمزيد من الدعم المجتمعى الأساسى. فتناولت دراسة لباتريشيا جاستينو من جامعة سوسيكس العلاقة بين التفاوت فى الدخل والاضطرابات، فى الهند وجدت أن إعادة التوزيع ربما تبدد حالة السخط. وتوقعت الصحيفة فى الختام عملية إعادة التوزيع نتيجة للاضطرابات الراهنة فى الغرب أيضا.