رغم انتهاء ديكتاتورية القذافي بمقتله ، إلا أن هروب نجله سيف الإسلام كان يهدد بشكل أو بآخر نجاح الثورة الليبية ، ولذا جاء نبأ إلقاء القبض عليه في 19 نوفمبر ليطوي تلك الصفحة تماما ، إيذانا بانطلاق بلد عمر المختار نحو الديمقراطية والتنمية . وكان وزير العدل وحقوق الإنسان الليبي محمد العلاقي أكد في 19 نوفمبر اعتقال سيف الإسلام القذافي نجل العقيد الراحل معمر القذافي في جنوبي ليبيا. وأضاف العلاقي في مؤتمر صحفي أن سيف الإسلام "39 عاما" اعتقل قرب مدينة أوباري "170 كلم تقريبا جنوب غرب مدينة سبها" مع عدد من مرافقيه وهم في طريقهم للفرار إلى النيجر. وتابع " سيف الإسلام الذي تبحث عنه المحكمة الجنائية الدولية اعتقل قرب أوباري بجنوب ليبيا وهو بصحة جيدة" ، وفيما تعهد العلاقي بمحاكمة عادلة لسيف الإسلام داخل ليبيا, لم يستبعد أن يصدر عليه حكم بالإعدام بسبب الجرائم المنسوبة إليه من تحريض على القتل وجلب للمرتزقة ونهب للمال للعام. ورغم أن سيف الإسلام لم يكن له أي منصب سياسي إبان حكم والده ، إلا أن خطورته تنبع من الأدوار التي لعبها في السنوات الأخيرة والتي ساهمت في إنهاء العزلة الدولية على نظام القذافي . فمعروف أنه تخصص في الهندسة المعمارية وتخرج سنة 1994 في كلية الهندسة بطرابلس, ثم التحق بكلية الاقتصاد بجامعة "إمادك" بالنمسا سنة 1998 وتخرج فيها سنة 2000 ، كما التحق بمعهد للاقتصاد في بريطانيا لنيل شهادة الدكتوراه ، وبعد تخرجه التحق بمركز البحوث الصناعية في طرابلس , وفي سنة 1996 عمل في مكتب استشاري ، ثم أصبح رئيس مؤسسة القذافي الخيرية للتنمية التي أنشئت سنة 1998. وبالنظر إلى أنه كان يتقن اللغة الإنجليزية فقد استطاع تسوية العديد من القضايا الشائكة ، حيث ساهم في تسوية "ملف لوكربي"، الذي اتهِمت فيه ليبيا بإسقاط طائرة "بان أمريكان" المتجهة إلى نيويورك فوق بلدة لوكيربي باسكتلندا في 21 ديسمبر/كانون الأول 1988 ، عبر دفع تعويضات تقدر ب 2.7 مليار دولار لأسر ضحايا الحادث ، كما كان له دور في حل ملف البرنامج النووي الليبي الذي تم القضاء عليه ليفك الحصار عن ليبيا ولتستأنف العلاقات الأميركية الليبية بعد ذلك في 28 يونيو/حزيران 2004. ولعب أيضا دورا محوريا في تسوية ملف الممرضات البلغاريات اللائي أفرج عنهن في يوليو/تموز 2007 بعدما أمضين برفقة طبيب فلسطيني 8 سنوات في السجن لإدانتهم بنقل فيروس الإيدز إلى 438 طفلا ليبيا في مستشفى بنغازي ، بل وذكرت قناة "الجزيرة" أنه شارك أيضا باسم مؤسسة القذافي الخيرية في صيف العام 2000 في التفاوض مع مجموعة أبو سياف الفلبينية التي تحتجز رهائن ألمانا, واستطاع تخليصهم مقابل مبلغ مالي يقدر ب25 مليون دولار. وبالنظر إلى أن سيف الإسلام كان تحدث في وسائل الإعلام أكثر من مرة عن الإصلاح السياسي والاقتصادي في ليبيا ، فقد رأى فيه الغرب خليفة والده المحتمل ، خاصة وأنه بدا أكثر تطورا منه ، بالإضافة إلى أناقته ، حيث كان يرتدي دوما بذلاتٌ إيطالية أنيقة . ولكن النظرة له تغيرت تماما بعد تفجر الثورة الليبية ، حيث ظهر على شاشات التليفزيون الليبي أكثر من مرة، ليدافع عن والده وينتقد الثوار الذين وصفهم ب"العملاء" و"الخونة" ، بل وأطلق العبارات والشتائم ذاتها التي رددها القذافي بحق الثوار ، قائلا :" سنقاتل حتى آخر رجل وآخر امرأة وآخر طلقة ، طز في العرب والخليج.. طز في العرب باستثناء بعض إخوتنا.. طز في إذاعاتهم وفي الجامعة العربية ، "طز في المحكمة الجنائية ، نؤكد للناس أنه خلال تحركي في ليبيا حتى الجرذان هاربة.. ليس هناك أي مظاهر للجرذان ، "طز فيكم وطز في الناتو اللي وراكم ، حلف الناتو : أنتم أغبى حلف بالعالم وأنتم ناس مغفلون". وبالإضافة إلى ما سبق ، فقد جاء قرار المحكمة الجنائية الدولية في يونيو الماضي باعتقاله ليؤكد أيضا أنه لايختلف في شيء عن الوجه الدموي لنظام القذافي ، وأن مزاعمه حول الإصلاح ما كانت سوى خدعة في إطار تبادل الأدوار داخل هذا النظام ، ولذا خشي الجميع أن يؤدي استمرار هروبه إلى تهديد الثورة الليبية ، خاصة وأنه تعهد بالثأرلمقتل والده . ويبدو أن ما ذكرته "قناة الزنتان" يؤكد أيضا مدى الخطورة التي كان يشكلها سيف الإسلام أثناء هروبه ، حيث أوضحت أنه عرض رشوة بمبلغ خيالي على قائد الكتيبة التي تمكنت من اعتقاله في 19 نوفمبر مقابل إطلاق سراحه كي يتمكن من الفرار خارج البلاد. وأضافت القناة الليبية نقلا عن مصادر موثوقة أن سيف الإسلام عرض مبلغ ملياري دولار على قائد تلك الكتيبة الحاج العجمي العتيري ، مشيرة إلى أنه سار على درب والده عندما عرض على جميع سكان الزنتان في بداية الثورة مبلغ ربع مليون دولار لكل شخص مقابل تخليهم عنها وتسليم أسلحتهم وعدم مقاومة نظامه. واختتمت قائلة :" هذا العرض يعنى أن سيف الإسلام لا يزال يمتلك من أموال الليبيين المسروقة والمنهوبة هو وعائلة القذافي ما لا يعد ولا يحصى". وبصفة عامة ، فإن إلقاء القبض على سيف الإسلام والذي جاء متزامنا مع مشاورات تشكيل الحكومة الليبية جاء لينهي خطرا كان يهدد ثورة 17 نوفمبر ، بل إن الصور التي نشرت له بعد اعتقاله والتي ظهرت فيها إصابات في ثلاث من أصابع يده اليمنى أكدت أن غروره دفع به للمصير المحتوم ولم تنفعه "طز" في شيء .