رحلة شاقة يتعيّن على جزء كبير من اللاجئين النيجيريين البالغ عددهم 37 ألفا، في مخيم "ميناوا" في أقصى الشمال الكاميروني، تكبّدها يوميا بحثا عن نقاط التزود بمياه الشرب، لتنضاف إلى لائحة المشاق التي يلاقيها سكان يعيشون، منذ فترة، على وقع انتهاكات ومجازر"بوكو حرام" النيجيرية، والتي استهدفت المناطق الكاميرونية المحاذية لمعقلها الأصلي. تبرح هاوا إحدى اللاجئات النيجيريات الخيمة التي تأويها وتمضي في رحلتها اليومية بحثا عن الماء بسطل محمول فوق الرأس و آخر أحكمت عليه قبضة يدها لتنضم إلى عشرات النساء اللاتي تخضن نفس المعركة بشكل يومي. يمضين في صفوف طويل متتابعة على مسافة عدة كيلومترات للوصول إلى نقطة ماء لا تعدو في الحقيقة أن تكون سوى حفرة تغوص عميقا في الأرض يتزود منه أهالي قرية مينواو حيث يقع مخيم تابع للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين. وتنشب من حين لآخر مشاكل بين السكان المحليين و اللاجئين الهاربين من انتهاكات بوكو حرام، تصل إلى حد التدافع الجسدي والاشتباك بالأيدي بسبب حاجات الجميع المتزايدة إلى غسل الأواني والأدباش. ولا تعرف هاوا تحديدا المساحة التي عليها قطعها يوميا للوصول إلى أقرب نقطة ماء من المخيم، ولكنها تقول للأناضول التي التقت بها عند مخيم مينواو، إنها تستغرق نحو 30 دقيقة ذهابا وأكثر من ذلك بقليل على طريق العودة. هاوا تتابع بصوت نال منه الإرهاق: "أحيانا، نجد عددا كبيرا جدا من الأشخاص مجتمعين حول نقطة التزود بالمياه، فنضطر إلى البحث عن غيرها والمشي لمسافة أطول"، شأنها في ذلك شأن الآلاف من لاجئي ميناواو. ويضم مخيم اللاجئين النيجيريين الواقع في بلدة ميناواو أقصى الشمال الكاميروني، 34 نقطة مياه، وفقا لأرقام المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، رقم قد يبدو كافيا كي ينال الجميع نصيبه من الماء، غير أنه مع تدفق 37 ألف و 171 لاجئ مع نهاية شهر مايو/أيار الماضي، أصبحت نقاط الماء هذه تجمع ما بين 400 و 500 شخص يوميا بحسب المصدر ذاته، ما يتسبب في حالات اكتظاظ لا تطاق، ولم تعد كمية المياه تكفي الجميع حتى صار استيفاء حاجات اللاجئين من الماء أمرا يدار بحساب الحصة، يحصل بمقتضى ذلك كل شخص على 10 لترات من الماء يوميا. بيد أن تقييد حصص المياه المتحصل عليها، لم يؤدي إلى توفير المياه للجميع في كل الأوقات، فالحنفيات تفتح بحساب مرتين في اليوم، فترة صباحية واخرى مسائية، تجمع يوميا طوابير من البراميل الصفراء المتراصة بانتظام بانتظار دورها، وفي الأثناء، تذهب النسوة والأطفال للبحث عن كميات مياه إضافية. "الجو حار جدا هنا، إن شرب كل شخص لترين من الماء يوميا فلن يتبقى لجميع الشؤون الأخرى كغسل الأواني والملابس والطبخ سوى 8 لترات"، تقول ديجاتو، لاجئة نيجيرية للأناضول بفرنسية ركيكة. ويؤكد بعض اللاجئين الذين التقت بهم الأناضول على عين المكان إنهم يمضون أسبوعا أحيانا دون أن يستحموا، بغية توفير المياه. وتعقب هاوا على الجزئية الأخيرة بالقول: "استعمال المياه لغرض الاستحمام يعطي انطباعا بأننا نبذره، كل ما نقوم به هو الوضوء قبل أداء الصلاة، نغسل وجوهنا و اطرافنا في الصباح و عند المساء". وتقر المفوضية العليا لشؤون اللاجئين من جانبها بوجود نقص في التزود بالمياه في مخيم ميناواو الواقع على بعد 75 كيلومتر من الحدود النيجيرية. وبحسب تقرير للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين يعود إلى شهر مايو/أيار الماضي تحصلت الأناضول على نسخة منه، فإن حصة ال 10 لترات التي يتحصل عليها كل شخص يوميا، تعد أقل من معايير المنظمة التي حددت الحصة اليومية من المياه ب 15 لترا لكل شخص على الأقل. ويشير التقرير إلى أن هذه الندرة تعود إلى عدة عوامل من بينها :"نقص إنتاج المياه وجفاف نهير مايو لوتي الذي منه تنبع المياه، ذلك فضلا عن "العدد المتنامي من التدفقات غير المتوقعة" للاجئين. وورد في التقرير ذاته أن "العجز يبلغ حاليا 386 مترا مكعبا من المياه" وأن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين تسهر حاليا على تشييد 10 آبار إضافية حول مخيم ميناواو. بانتظار تجسيد ذلك على أرض الواقع، تستمر طوابير الأطفال والنساء في التشكل أمام مصادر المياه علها تظفر بما يروي الحناجر.