أين الغرب ( أمريكا و أوربا ) من الربيع العربي ؟؟ هل يكتفون بمطالعة أخبار ثوراتنا عبر شاشات التليفزيون ؟! هل يكتفون بمتابعة تقارير المراسلين الصحفيين فحسب ؟! هل هم مجرد متابع للأحداث أم ضالع فيها بل و أحياناً صانع لها ؟! تساؤلات كثيرة قد تطرأ علي الأذهان حول موقف الغرب من الثورات العربية لا سيما إذا أقررنا أن الأنظمة العربية التي ثارت عليها الشعوب هي أكبر حليف و ضامن للمصالح الغربية في المنطقة ، بل إن الدعم الغربي لهذه الأنظمة هو أحد أهم عوامل بقاءها في السلطة ، ذلك الدعم الذي لم يقتصر علي الصورة المادية فقط بل شمل أيضاً الدعم المعنوي، الذي كان أحد صوره: غض الطرف عن الانتهاكات الصارخة لهذه الأنظمة لحقوق مواطنيها و استدعاء النقد لها عند الضرورة للتعجيل بتنفيذ مصلحة ملحة،كل هذا بالطبع إلي جانب الدعم اللوجستي الأمني المتبادل. باختصار العلاقة بين الغرب و هذه الأنظمة علاقة وطيدة تقوم علي مصلحة استراتيجية متبادلة و من ثم فسقوط هذه الأنظمة قد يشكل تهديد خطير لتلك المصالح خاصة مع عدم وضوح الرؤية حول الأنظمة التي قد تخلفها .فلو أخذنا في الاعتبار أن الثورات العربية هي ثورات شعبية حقيقية في المقام الأول ، و ليست انقلابات عسكرية كالتي شهدتها المنطقة في الخمسينات و الستينات من القرن الماضي ، تلك الانقلابات التي كانت معلومة الرأس و التوجه مما قد يجعل التأثير علي صانعي القرار فيها أيسر، لو أخذنا هذا في الاعتبار لأمكننا القول أن الغرب ربما وجد نفسه في مأزق خطير مع اندلاع الثورات العربية.فالأمر مدعاة للقلق فعلاً و لم يواجه مثله في هذه المنطقة الحساسة من العالم، و إن كان الغرب قد مر بمثل هذه التجربة ( تجربة الثورات الشعبية ) في ثورات أوربا الشرقية ، فالأمر لم يكن خارجاً عن السيطرة مثلما هو الحال في ثورات العرب كما أن الأنظمة التي كانت تهيمن علي أوربا الشرقية كانت ضد المصالح الغربية و من ثم فقد كان في سقوطها انتصار للمعسكر الغربي الرأسمالي و نهاية للحرب الباردة لينفرد الغرب بقيادة العالم. بدا الارتباك جلياً في تضارب موقف الغرب من الثورات العربية بدءاً من الثورة التونسية ثم المصرية و الليبية ، فهاهم يرون الجماهير تخرج غير عابئة بالأجهزة الأمنية الباطشة التي أطلقت الأنظمة المستبدة أيديها لتستبيح أجساد الناس و أعراضهم .خرج الناس و قد أدركوا أن تلك الحياة البائسة-التي يحيونها- و الموت سواء، فلماذا يهابون الموت إذن ؟! أما و قد زال الخوف و أنهار جداره و اعتلت الشعوب أسوار الذل، فلم يعد أمام هذه الأنظمة غير الدعم الغربي لها ، و لا يُتصور أن الغرب قد آثر الشعوب علي هذه الأنظمة لمٌا طالب رؤوس هذه الأنظمة بالتنحي!! بل إنه حين أدرك مثلاً أن الأمر قد يفلت من قبضته في بلد يسبح فوق البترول كليبيا ، و بعد أن أستنفذ القذافي كل الفرص التي أتاحوها له ليستعيد توازنه و يحكم سيطرته من جديد ، أضطر الناتو للتدخل عسكرياً لحسم الأمر بل إنهم ساعدوا الثوار في الوصول إلي القذافي و تمكينهم من رقبته بعد أن رصدوا بطائراتهم هروب موكبه خارج سرت ليغلقوا صفحته في التاريخ تماماً. و لا عجب من تشابه الثورات العربية في أحوالها إلي حد كبير يدعو للتأمل و كأن جهة ما تحرك الأمور في هذه البلاد، فالصف الثاني من الأنظمة التي تم الإطاحة برأسها ظل قابضاً علي مقاليد السلطة لأشهر بعد الثورة ( وزارة شفيق في مصر و وزارة محمد الغنوشي في تونس ) بل لا تزال بعض الوجوه التي قضت عمرها في كنف هذه الأنظمة ، لا تزال تلك الوجوه حاضرة المشهد بل و في مقاليد السلطة ( محمود جبريل و عبد الرحمن شلقم في ليبيا مثالاً ) ، و لم يتم تطهير أياً من الأجهزة الأمنية في البلدان التي زال رأس النظام عنها تطهيراً حقيقياً يضمن عدم عودتها لما دأبت علي ممارسته من تعذيب و قمع للمعارضين ، علي الرغم من أن تلك الأجهزة - و ما مارسته من قمع و ظلم - كانت أحد أهم العوامل التي اندلعت هذه الثورات من أجلها ( إن لم تكن أهمها ) .فإذا استحضرنا التعاون الأمني بين هذه الأجهزة و أجهزة الأمن الغربية فيما يسمي "مكافحة الإرهاب " فلن نستبعد ثمة دعم غربي لتلك الأجهزة حتي الآن . إلي جانب السجال الذي يصل لحد الحرب بين التيارات الإسلامية و التيارات العلمانية في تلك البلاد، بل حتي في بلد مثل ليبيا لم نسمع فيه عن أي تيارات فكرية أخري، نري من يدعو فيها لوضع دستور علماني !! و قد نضع إلي جوار هذا كله ما يطرأ علي الساحة من حين لأخر من حملات تخويف من التيارات الإسلامية في تلك البلدان بذات الأسلوب الذي كان يستخدمه رأس النظام في كل بلد لبسط نفوذه و سلب حق الشعب في الحرية و الكرامة. كل ما سبق يجعل إجابة الأسئلة الواردة في بداية المقال هي ( لا النافية )، و يجعل فكرة ضلوعهم بل و صنعهم للأحداث واردة و لا شك. فلن يجلس الغرب في مقاعد المتفرجين و هو يري الأنظمة الراعية لمصالحه تزول بالكامل ، و بالتأكيد سيسعي في كل اتجاه للتأثير علي فكرة التحول الديمقراطي الكامل في البلاد العربية ترهيباً و ترغيباً ، و ربما سعي في سبيل إيجاد أنظمة بديلة تتفق مع مصالحه و تضمنها له، لكنه بالتأكيد لن يتخلي عن تلك المصالح. أن الغرب لن يسمح بأن ينتزع العرب حريتهم التي سلبهم إياها منذ أن أحتل بلادهم و حتي اندلاع الثورات العربية، لا شك أنه لن يسمح باستقلال القرار العربي و أن يفرض أهل تلك البلاد سيادتهم علي بلادهم . لن يسمح الغرب بأن تختار الشعوب العربية حكاماً يقدمون مصالح شعوبهم علي مصالح الغرب و مصالحهم الشخصية. إن النفوذ الغربي و من يمثله و يرعي مصالحه في البلاد العربية هو التحدي الحقيقي أمام الثورات العربية ، و تحييد هذا النفوذ و ممثليه هو أهم خطوة لاستكمال هذه الثورات و الخروج بها لبر الأمان. و قد بات واجباً علي من يأتي في سدة الحكم في تلك البلاد أن يعي ذلك جيداً و يدركه ، و يعمل أن تكون العلاقة مع الغرب في صورة الندية و ليست التبعية ، فينزع ذلك النفوذ دون أن يهدم المعبد علي من فيه.