لا أعرف لماذا أعتقد أن نبيل شرف الدين ينفجر ضحكا الآن علي ما وصل إليه حال التيار الإسلامي في مصر , ولا أعرف لماذا تراودني أفكار أن ساويرس ينام في مخبأه راضيا مطمئنا بعدما رأي التناحر والتطاحن بين الإسلاميين وبعضهم .. دعك من الكثير ممن يحملون عداءا للحضارة الإسلامية , أري كروشهم المملوءة بالكراهية تهتز من فرط الضحك علي الإسلاميين في مصر الذين تركوا معركتهم الأساسية بعد الثورة – ألا وهي الانتخابات – وانشغلوا بأمور ربما تكون مهمة ولكن ليس هذا وقتها بتاتا ... أكاد أري الإسلاميين – منذ فترة – يضيعون وقتهم وجهدهم وأعصابهم في معارك لا طائل منها , بل أزعم أن بعض هذه المعارك قد تكون مفتعلة لجر الإسلاميين إليها , لشغلهم عن الانتخابات البرلمانية من جهة , ومن جهة أخري لاستغلال غضبتهم إعلاميا لصرف الناس عن انتخابهم .. منذ ما يقرب من أسبوع , شن عدد كبير من كتاب التيار الإسلامي هجوما ضاريا علي الكاتب بلال فضل , والسبب أن بلال تحدث عن إمكانية دخول الكفار والمشركين إلي الجنة لأن أعمالهم الدنيوية كانت جيدة ! .. أؤمن من كل قلبي أن هذا الكلام يندرج تحت بند الترهات و الغثاء الفكري ولكن رد الإسلاميين القوي علي هذه الترهات أعطاها شهرة لم تكن لتحظي بربعها لو تجاهلوها .. بالضبط مثلما حدث مع كتب أدعياء الفكر مثل سيد القمني ونصر حامد أبو زيد , هذه كتب لم تكن لتبيع 1000 نسخة في الحالة العادية ولكن هجوم الإسلاميين عليها جعل لها سوق و " زباين " .. لقد قام بلال فضل بالتشكيك في ثوابت الدين واستخدم قياسا فاسدا وكتب كلاما فارغا .. وعامة الناس ممن قرأوا مقاله رفضوه ولفظوه لأنه ضد ثوابت الدين .. وكون بلال فضل استخدم آيات قرآنية في غير سياقها للتدليل علي كلامه , لا يعني أنه علي حق ولا يبرر الرد عليه أصلا .. فطريقة " ولا تقربوا الصلاة " أصبحت مثيرة للسخرية أكثر من كونها قابلة للتصديق وبالتالي كان الرد علي بلال – بهذه الغزارة – مضيعة للوقت والجهد , وكان أي بيان من أي منظمة إسلامية كافيا للرد عليه ولدحض هذه الترهات الفكرية من أساسها .. وبعدما انتهت هذه الأحداث تقريبا دخلنا في دوامة الدعوي المرفوعة من فضيلة الدكتور علي جمعة ضد فضيلة الشيخ أبو إسحاق الحويني , وأعتقد أن هذا الموضوع قتل بحثا من كل الجوانب , كما أن كتاب المصريون الكرام قالوا كل ما يمكن أن يقال في هذا الموضوع .. ولكني أري أن مشهد عشرات الآلاف من السلفيين أمام محكمة كفر الشيخ كان سلبيا للغاية , حيث قال السلفيون إنهم ذهبوا إلي هناك لمناصرة الشيخ الحويني وليس للتأثير علي أحكام القضاء , وأنا أصدقهم في هذا , ولكني أقول لهم بالله عليكم : هل فقه الخلاف في المنهج السلفي يتيح لعالم جليل مثل الشيخ أبو إسحاق أن يصف فضيلة المفتي بأنه " ولد ميتا " ؟ .. وما هي المشكلة في كون المفتي سلك الطريق القانوني للرد علي الشيخ أبو إسحاق ؟ لنترك الحكم للقضاء .. علي العموم أكرر إن هذا الأمر قتل بحثا ولكني أزعم أن أعداد غفيرة من عوام الناس كانوا يشعرون بالحيرة تجاه مواقف التيار السلفي .. هل يتعاطفون معه أم لا ؟ هل يصوتون للأحزاب السلفية في الانتخابات ؟ .. وهذا أعطي عوام الناس - الذين يشعرون بمشاعر مختلطة تجاه السلفيين – فكرة سلبية عن التيار السلفي , و تحولت مشاعرهم القريبة من التعاطف مع هذا التيار إلي مشاعر سلبية , ولو كان أتباع التيار السلفي فعلوا هذا بحسن نية , فيجب عليهم أن يعلموا أن الناس لا تفكر هكذا , بل إن كل شخص سيقوم بتأويل هذا التصرف حسب هواه .. وسيتم استغلال هذا الحدث إعلاميا علي المستوي القريب والبعيد , دعك من استغلاله حزبيا وسياسيا ضد الأحزاب السلفية .. و إذا كان التيار السلفي يثق في قدرة الملايين من أتباعه علي مساندته في الانتخابات , فإنني أقول وبمنتهي الصراحة إن الإعلام الموجه نجح في تشويه صورة التيار الإسلامي كله أمام عوام الناس و عددهم ليس بالقليل وسنناقش هذا الموضوع مستقبلا بإذن الله .. لذلك فإن الاستغناء عن هؤلاء وتركهم للأحزاب العلمانية واليسارية من الأخطاء الكبري , ولكي تضم شخصا مسلما عاديا لا ينتمي لأي تيار إلي حزب علماني فهناك خطوتان : الأولي : أن تشوه التيار الإسلامي أمامه والثانية: أن تقنعه بأن انتخابه لك هو طوق النجاة له والمشكلة أن ما حدث أمام محكمة كفر الشيخ ساهم في تدعيم النقطة الأولي لدي العوام .. وهذا في منتهي الخطورة .. ومن الأشياء التي تدق ناقوس أن الأحزاب الإسلامية لم تتحد مع بعضها البعض , فمثلا حزب الوسط انسحب من التحالف الديمقراطي شأنه شأن حزب الجماعة الإسلامية وحزب النور , والسبب الذي قيل أن حزب الحرية والعدالة يريد أن يستأثر بأغلب المقاعد في المجلس , وهذا الأمر ليس لي تعقيب عليه ولكن ما يعنيني أن الأصوات الإسلامية تفتت , ومن المؤسف أن نجد أنفسنا مجبرين علي الاختيار بين قائمة حزب الوسط وبين قائمة الحرية والعدالة وبين القائمة التي تضم أحزاب النور والأصالة والبناء والتنمية .. كنا نتمني ان تظل هذه الاحزاب في رباط .. ولكن هذا لم يحدث لاعتبارات كثيرة .. والنتيجة أن تفتت الأصوات سيضر بالتيار الإسلامي , بل إن هذا قد يعطي فرصة الفوز للأحزاب العلمانية واليسارية في بعض الدوائر , دعك من فرصة الفلول التي باتت أقوي الآن .. في الوقت الذي نري فيه أحد العلمانيين في تونس يسد أذنيه لكي لا يسمع خبر اكتساح التيار الإسلامي التونسي للانتخابات .. نري الإسلاميين في مصر يسدون آذانهم كي لا يستمعوا لبعضهم البعض ؟ لماذا فعلتهم هذا أيها الإسلاميون ؟ لماذا جعلتم نبيل شرف الدين وساويرس وفؤاد نجم ومني الشاذلي يقهقهون الآن علي ما وصل إليه حالكم ؟ ولكن الفرصة مازالت قائمة .. أدعوكم للتنسيق في كل الدوائر الانتخابية قبل فوات الأوان وأذكركم بقوله تعالي : (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }آل عمران103 صدق الله العظيم ... [email protected]