في يوم من أحد شهور عام 1981 انطلقت بالسيارة من مدينة " نيوهافن " إلى " جيرسي ستي " بالولايات المتحدة . ومررنا بنيويورك من الخارج ، فرأيت تلالا عالية منتظمة من الأشجار الضخمة على يميني في شكل أمواج بحرية منتظمة ، وأخذني العجب حينما قال صاحبي : هذه التلال صنعها الأمريكان من القمامة ... يطحنونها ، ويجعلون منها تربة ويزرعونها فإذا بها غابات منتظمة بالشكل الذي يريدون . ********** وفي الدقي بالجيزة : أشهد أنني أذهب لصلاة الجمعة في المسجد المجاور لمنزلنا من منفذ واحد إذ تحيط به الزبالة من جميع الجهات إلا الجهة التي ننفذ منها إلى المسجد. (مع ملاحظة أن كلمة " زبالة " كلمة عربية مساوية في معناها لكلمة القمامة) . ومن العار أن تصبح الزبالة مَعْلما واضحا من معالم القاهرة ، وقد ضحكت ضخكا كالبكاء حينما سأل أحدهم واحدا من سكان المنطقة عن بيت "فلان" فقال له : تمشي إلى الأمام وتترك الشارع الأول والثاني فإذا وجدت كوما كبيرا من الزبالة فادخل ناحية اليمين وهو البيت الثالث من كوم الزبالة . وقد ساقني الحظ إلى مجرى العيون الذي يعتبر أثرا من آثار القاهرة ، فوجدت في داخله أكواما من الزبالة التي تزكم الأنوف ، وتدمع العيون ، وتمنحك ضيقا في التنفس بكرم زائد . وقد نسأل وأين جامعو الزبالة ؟ والجواب واضح : إن أغلبهم مشغولون بالتسول ، فهم ينتشرون وكذلك الكناسون أمام المطاعم المشهورة ومراكز بيع الحلوى وفي إشارات المرور ، ويحييك الواحد منهم بأدب :" كل سنة وانت طيب يا بيه " ، فإذا رددت عليه ردا كلاميا ظهر على وجهه الاشمئزاز ، وكرر التحية من جديد إلى أن يظفر بالمعلوم . قال صاحبي : إن بعض هؤلاء لا علاقة له بالمهنة ، بل يشتري زيا مماثلا ومكنسة طويلة ليزاول التسول بهذه الطريقة . وفي إيجاز شديد أقول : إنها مأساة تنحصر المسئولية عنها وعن تفاقمها في الثلاثي الآتي : - الجمهور اللاكتراثي الذي لا يراعي نظافة الحي ، فيتخلص من زبالة مسكنه في أي مكان يشاء . – الزبالون (جامعو الزبالة من المساكن)، وخصوصا الذين يأخذون أنفسهم بمبدأ الانتقاء ، فيتركون ما لا يعجبهم أو ما لا ينفعهم . – الكناسون ، فكثير منهم كما أشرت سابقا . ********** وعلينا أن نقف وقفة أمام القيم الدينية ونأخذ أنفسنا بها ، من ذلك قول صلى الله عليه وسلم : " .... وتميط الأذى عن الطريق صدقة . " وتحضيض الإسلام على النظافة ، والأمر بها ، بشكل عام ، فمن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم " إن الله طيب يحب الطيب ، نظيف يحب النظافة ، كريم يحب الكرم ، جواد يحب الجود فنظفوا أفنيتكم ولا تشبًّهوا باليهود " . ومما حذرت منه السنة أشد التحذير: التخلي في الطريق ( قضاء الحاجة ) ، ومواضع الظل ، وقد جعله مما يجلب اللعنة على صاحبه . ومثل ذلك البول في الماء الراكد أو الجاري، وفي الحديث: " لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل فيه " . ونذكر القارئ بأن الطهارة والنظافة فرض واجب على كل مسلم ومسلمة في كل صلاة ، وفي كل وقت ، وقد مدح الله سبحانه المتطهرين وأحبهم بقوله تعالى: " ... فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ " ( التوبة 108 ) . ********** [email protected]