من نعم الله على المصريين أن وفقهم للثورة على استبداد الفرعون مبارك وظلمه ، وهي نعمة تستحق الشكر والرعاية حتى لا تضيع منا فنتحسر عليها ، قال سبحانه { لئن شكرتم لأزيدنكم } . ورحم الله القائل : إذا كنت في نعمة فارعها * * * فإن المعاصي تزيل النعم . وللأسف الشديد ينساق بعض حسني النية وبسذاجة من المصريين ليعزي ما وصلنا إليه اليوم من سوء الحال لهذه الثورة المباركة ، وحتى وصل الأمر لبعضهم إلى لعن الثورة وذمها . وهذا بعينه هو ما يريد الطاغية المخلوع وأعوانه .ممن خسرت تجارتهم وأفل نجمهم مع بزوغ فجر الثورة . * * * المصريون اليوم أيها السادة ! يعاقبون على هذه الثورة المباركة من جهات عدة : خارجية لها حساباتها ، فأمريكا وربيبتها إسرائيل وكثير من بلاد الغرب الاستعماري لا تريد لمصر أن تنهض أبدا . وبعض العرب يفرحون بضعف مصر ويظنون أن في ضعف مصر حصول الريادة والتقدم لبلادهم مع أن الحقيقة أن في ضعف مصر هلاك البلاد العربية كلها . وتأتي الجهات الداخلية في مقدمة المشهد لتساهم بنصيب الأسد في إفشال الثورة وتنغيص حياة المصريين : فمن بعض رجال الأمن الذين كانوا عونا للطاغية ويده التي تبطش سواء من الكبار الذين يأكلون أموال الناس بالباطل ومن الصغار الذين كان نظام الطاغية يقنن لهم الفساد مستغلين سطوتهم في ظلم الناس وآكل أموالهم . أما رجال الأعمال آكلي الحرام بلا مبالاة فقد فتح لهم الطاغية وعائلته الباب ليبيعوا مصر وينهبوا خيراتها واليوم أصبحوا من أكبر الخاسرين فالثورة قوضت أركان الفساد الذي ساهموا في بنائه فأصبحوا اليوم كالمسعورين من خلال تأجيج الفتن والمشاركة في الهدم . ويأتي دور المتطرفين من أقباط المهجر وأعوانهم في الداخل ليشعلوا نار الطائفية وفي طليعة الثورة المضادة مستفيدين من حماقة بعض المنتسبين للتيارات الإسلامية من خلال تصريح متخلف أو كلام مرسل غير مسئول . أما فلول الحزب الوطني فهم البلطجة بعينها ودورهم لا ينكره أحد في التخطيط لتقويض الثورة . وغيرهم .. وغيرهم .. ممن ترعرع في أكناف النظام البائد واستفاد من فساده .. كل هؤلاء يعاقبوننا على الثورة . * ** الثورة أيها المصري نعمة كبرى جاءت لتحررك من الذل والاستعباد وقد بدأت بإذن الله بركاتها تلوح في الأفق ، فهذا نسيم الحرية يعود للمصريين وهذه الثقافة الجادة تلوح في الأفق بعد أن حرم منها المجتمع المصري الذي تغلغلت فيه ثقافة التفاهة طيلة الستين سنة الماضية متمثلة في نكتة مضحكة ، أو صور تدغدغ الجسد بالشهوة .. إلخ ! إن أحد أسباب إطالة عمر الاستبداد هو قلة الوعي وانتشار الثقافة الرديئة التي تزرع في النفوس الجبن والهزيمة النفسية .فمن يراجع حال الثقافة في مصر عقب انقلاب سنة 1952 يرى العجب العجاب ، حيث أغلقت معظم المجلات الثقافية الهادفة وحل محلها مجلا التفاهة والانحطاط الثقافي وخسر المصريون أنفسهم بحق ، خذ مثلا على سبيل المثال لا الحصر ما رأيناه من إغلاق لمجلة الرسالة بتاريخ 23 فبراير سنة 1953م من خلا التضييق عليها بالضرائب الباهظة ( أي بعد 23 يوليه 1952م بخمسة أشهر ) وقبلها بشهر نُعيت أيضا (( مجلة الثقافة )) وتلاهما معظم المجلات الأدبية والثقافية والعلمية التي ملأت حياة الأمة بالثقافة الأصيلة الجادة . ويومها كتب أحمد حسن الزيات - صاحب الرسالة - مقالا مؤثرا لينعي فيه الرسالة قال فيه (( تموت الرسالة اليوم في ضجة من أناشيد النصر في مصر ، وأهازيج الحرية في السودان ، فلا يفطن إلى نزعها هاتف ، ولا يصغى إلى أبينها منشد ! ومن قبل ذلك بشهر ماتت أختها ( الثقافة ) وكان الناس يومئذ في لهو قاصف من مهرجان التحرير ، فلم تبكها عين قارئ ، ولم يرثها قلم كاتب ! كأن عشرين سنة للرسالة ، وست عشرة سنة للثقافة قضتاها في خدمة الأدب والعلم والفن والإسلام والعروبة لم تهيئ لهما مكانا في الوجود ، ولم تنشئ لهما أثرا في الخواطر ! وكأن هاتين المجلتين اللتين أنشأتا في أدب العصر مدرستين نشَّئ فيهما جيل ، وابتدأت بهما نهضة ، واجتمعت عليهما وحدة ، لم تكونا إلا ورقا مما ينشر في الطريق للإعلان ، يجيء به الموزع وتذهب به الريح )) . * * * إن من بركات ثورة 25 يناير بحمد الله وتوفيقه نعمة صدور المجلات والصحف التي حرم من إصدارها الكثير من أبناء مصر بعد أن كانت دكاكين تخدم فقط النظام وأعوانه والمستفيدين من ورائه . إننا نستبشر خيرا أن تعود الجرائد المحترمة والمجلات الهادفة لتنهض بالثقافة في مصر فالمجلة الأدبية الجدية كما يقول الزيات : (( مدرسة متنقلة ، تدخل كل مكان في أي بيئة ، وتعلم كل إنسان في أي سن ، وتفعل ما لا تستطيع أن تفعله الوزارة نفسها من إحياء اللغة ، وإنهاض الأدب ، وتبسيط العلم ، وتعميم الثقافة ، وتوجيه الرأي ، وتأليف القلوب ، وتوحيد العرب . والسفارة بين مصر وأقطار العروبة ، والتمكين لزعامتها الفكرية في بلاد الشرق )) . وفي طليعة هذه الصحف نريد لجريدتنا جريدة المصريون اليومية أن تكون بحق جريدة لكل المصريين وأن تهتم بالذود عن حياض الأمة ، وأن تكون صرحا عاليا ينطق بكلمة الحق في شؤون المسلمين كلها منافحة عن الإسلام ما استطاعت ، بالقول الفصل ، والكلمة الصريحة ، لا تخشى فيما تقول أحدًا إلاَّ الله . نريد لجريدتنا (( المصريون )) أن يكون شعارها قول الله تعالى : { الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ } [ الأحزاب : 39 ] . وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( ألا يمنعن أحدكم رهبة الناس أن يقول بحق إذا رآه أو شهده ، فإنه لا يقرب من أجل ولا يباعد من رزق أن يقول بحق ، أو يذكر بعظيم )) . نريد لها أن أن نحارب الوثنية الحديثة والشرك الحديث ، اللذين شاعا في بلادنا وفي أكثر بلاد الإسلام ، تقليدًا للملحدين . نريد لها أن تنافح عن القرآن والسنة وأن ترد على كل جاهل لا يفقه في الإسلام شيئًا ، ثم لا يستحي أن يتلاعب بالدين وبالشريعة . نريد لها أن تتحدث في السياسة بعقلانية وانفتاح يضبطه الشرع دون تهور وأن تعمل على تحرير عقول المسلمين وقلوبهم من روح التهتك والإباحية ، ومن روح التمرد والإلحاد . نريدها أن تحارب النفاق والمجاملات الكاذبة ، التي اصطنعها كتاب هذا العصر أو أكثرهم فيما يكتبون وينصحون ! وما نريد لها أن تكون كصحف السفهاء والشتامين والمنفرين . إننا ندعو الله أن أن تكون جريدة (( المصريون )) صوتًا للمظلومين وأن تنبؤا مكانا عاليا في الصحافة المجاهدة المخلصة للأمة . والله المستعان . [email protected]