من حق أيمن نور ألاّ يُغادر المحاكم حتى آخر نبضة في قلبه بحثاً عن براءته في قضية تزوير توكيلات حزب الغد. نور مُدان في هذه القضية وقضى سنوات في السجن حتى خرج بعفو من الرئيس السابق. مشكلة نور أن تهمة التزوير مخلّة بالشرف، وتحرمه من المشاركة السياسية خصوصاً الترشّح للرئاسة أو للمجالس النيابية والمحلية. بالتالي فإن أحلام نور بعد الثورة في أن يصير رئيساً أو حتى نائباً في البرلمان تأكد أنها صارت شبه مستحيلة لمدّة خمس سنوات. استمعت إلى نور بعد الثورة عن الالتماس الذي تقدّم به للنائب العام بإعادة النظر في محاكمته فكان متفائلاً وبدا واثقاً من براءته وإزالة تلك النقطة السوداء من تاريخه السياسي، ولم يكن في حديثه يومها أي إساءة للقضاء أو تشكيك في استقلاليته، لكني استمعت إلى نور آخر بعد صدور قرار محكمة النقض برفض التماسه أي تأييد الحكم بإدانته ،حيث يشن هجوماً عنيفاً على القضاء وعلى الدائرة التي نظرت القضية وعلى المجلس العسكري، وخلاصة هجماته أن هناك تعمّداً في إدانته لإقصائه عن الحياة السياسية، لدرجة أنه ادعى أنه حصل على معلومات تفيد بأن أحد رموز النظام السياسي القائم كان يُتابع الموضوع من أجل إخراجه من الحياة السياسية امتثالاً لرغبة المجلس العسكري الذي استبعده من حضور جلسات مرشّحي الرئاسة التي عُقدت خلال الفترة الماضية حيث لم تُوجّه له أي دعوة للحضور. والسؤال: لماذا التواطؤ ضد أيمن نور تحديداً؟، وما هي مصلحة المجلس العسكري في إقصائه عن الحياة السياسية؟، وهل كانت ل "نور" خصومة خلال النظام السابق مع قادة المجلس العسكري حتى ينتهزوا الفرصة الآن ويقوموا بتصفية حساباتهم معه؟. الحقيقة أنا لا أفهم منطق نور المتهافت في الدفاع عن نفسه بعد تأكيد إدانته للمرّة الثالثة في قضية التزوير: اثنتان خلال النظام السابق، وكان مفهوماً آنذاك قبول التشكيك في الحكم بسبب الخصومة السياسية، والمرّة الثالثة بعد زوال النظام، والتشكيك ليس مفهوماً هذه المرّة لأن الخصومة سقطت. لا أتصوّر أن المجلس العسكري يضع نور هدفاً له ويصوّب عليه لإقصائه عن المشهد السياسي ومنعه من الترشّح للرئاسة لسبب بسيط أن الساحة امتلأت بالكثير من الشخصيّات التي كانت في خصومة شديدة مع مبارك أيضاً وبعضها أكثر ثقلاً من نور وفرصها في سباق الرئاسة أكبر منه، فلماذا ينتقي المجلس نور خصيصاً ويُحاول عزله أو تحطيمه بينما يترك الآخرين؟. وإذا كان الإخوان يتمتعون الآن بحرية الحركة جماعة وحزباً، وكذلك قادة وعناصر الجماعات الإسلامية الذين كانوا في السجون بتهم مختلفة فهل يُعقل أن يتم استهداف نور وعزله وهو بلا خطورة على أحد؟. انتقادات نور للحكم غير مقنعة فهي تعكس صدمته النفسية لأنه جاء في غير صالحه، ولا أعتقد أن لرئيس الدائرة التي نظرت التماسه مشكلة شخصية أو عامة معه - كما يُحاول أن يُصوّر- حتى يتعمّد إدانته بينما هو بريء، فالدائرة لا تضم قاضياً واحداً إنما سبعة قضاة على الأقل وقرارهم يجب أن يكون جماعياً. ولو كان الحكم صدر لصالحه، هل كان سيتهم القضاء بأنه ما زال غير مستقل، أم كنّا سنظل نستمع منه إلى قصائد شعر عن قضاء مصر الثورة؟. أخشى أن يكون نور بات يستعذب الشعور بالاضطهاد حتى لو كان شعوراً وهمياً، وأخشى أنه لم يعد يستطيع أن يعمل إلا لو كانت هناك سلطة تُعاديه وتقف ضدّه حتى في ظل مصر الثورة فهو كما لو كان يسعى لاختلاق تلك السلطة حتى لو لم تكن موجودة لأنه لم يتعوّد على العمل في فضاء حر بلا قيود حيث يظهر تأثيره الحقيقي ولا يعتدّ كثيراً بأنه حلّ ثانياً بعد مبارك في انتخابات الرئاسة في 2005 لأن الأصوات التي حصل عليها هي أصوات عقابية لمبارك وللحزب الوطني المنحل. محكمة النقض هي المحكمة الأعلى في مصر، وإذا كانت هناك أحاديث عن فساد طال مؤسسة القضاء، خصوصاً في المحاكم الأدنى، فإنني أتصوّر أن هذا الفساد ما زال محدوداً، وهو فساد فردي وليس عاماً، كما أتصوّر أن محكمة النقض خصوصاً يصعب الإشارة إليها بإصبع الفساد، أو الخضوع للتدخّلات والضغوط وتسييس الأحكام. حصن القضاء يجب حمايته من معاول الهدم التي تهيل التراب عليه وتُمارس التشنيع ضدّه لأن إفقاد الثقة في القضاء عواقبه وخيمة على مصر وعلى المصريين جميعاً. نعم قد تكون هناك سلبيات وقد يكون هناك قضاة فاسدون وتابعون للسلطة في عهد مبارك لكن يصعب التشكيك في منظومة القضاء بالكلية، فكم من الأحكام التي صدرت ضد رغبات النظام السابق، وكنّا جميعاً نتغنى بهذا القضاء، فماذا تغيّر حتى تكون هناك حملة تحت مسمى تطهير القضاء؟، مثل هذا الوصف يُسيء للقضاء ولرجاله ولمصر ويفقد العالم الثقة فينا. **** لم يُعجبني كلام المرشّح الرئاسي المحتمل حمدين صباحي عن الحكم حيث قال إنه ليس منطقياً أن يُعزل أيمن نور ويُمنع من ممارسة حقه في الترشّح بينما يترشّح الفلول والمفسدون. هذا كلام لم يكن متوقعاً صدوره عمّن يُريد أن يكون رئيساً لأن فيه خلطاً واضحاً للأمور، ذلك أن غير المتابع سيفهم أن أحداً ما عزل نور ومنعه من ممارسة حقه السياسي بينما يحصل على هذا الحق الفلول والمفسدون، إلا إذا كان حمدين يتهم بشكل غير مباشر محكمة النقض بأنها هي التي مارست المنع برفض الطعن استجابة للضغوط مثلاً، وليس من خلال تطبيق صحيح القانون. كان يمكن ل "صباحي" أن يُجامل نور ويتضامن معه بكلام سياسي دون نقد الحكم أو ممارسة هذا الخلط ما بين حالة نور وحالة الفلول والمفسدين الذين يستحقون العزل أو المحاكمة إذا كانوا من المفسدين. **** وأنا أكتب هذا المقال مبدياً فيه عدم قناعتي بشكوك نور وانتقاداته للحكم كشف مرتضى منصور في حواره مع معتز الدمرداش في برنامج " مصر الجديدة " على شاشة "الحياة" معلومة مهمّة جدًّا وهي أن اثنين من الذين اشتركوا مع نور في تزوير التوكيلات شهدا بذلك لرئيس المحكمة وقدّما بلاغاً للنائب العام ضدّه. ولا تعليق إضافياً، ومع ذلك غاية المنى أن يكون نور بريئاً وأن يُزيل هذه النقطة السوداء من صفحته. [email protected]