بعد سنوات من حفل الزفاف الذي جمع بينهما برابطه مقدسه وميثاق غليظ أصبحوا عائلة كاملة تمارس فيها أدوارا متعددة الأب و الأم و الأبناء معا داخل الأسرة ثم كل منهم على حدة حين يمارس دوره الخاص في المجتمع . لا يوجد كيان تتصارع فيه الإرادات وتأتلف القلوب ويترك بصمته الغائرة في نفوس أعضاؤه ويمتد أثره بامتداد رحلة الحياة نفسها مثل العائلة. ولأن العلاقة بين أفراد العائلة حميمة ولصيقة ومستمرة فإنه تحت سطح الحب والألفة تنمو مشاعر الضجر والإحساس بعبء الارتباط ففى رحلة الحياة تتناغم خطوات أفراد الأسرة الواحدة ليمكنهم أن يعبروا معا كل ما يصادفهم من عقبات ومصاعب ليصلوا سوية إلى بر الأمان. وككل مجموعة لن تتطابق الخطوات فقد يتعثر أحدهم أو يبطئ مما يعطل المسيره فيتوهم البعض أن انفصاله عن المجموع وفراره بنفسه سيحقق له السعادة والنجاح كما أن التعايش المستمر يؤدى إلى احتكاكات وتعارض في الطباع والأمزجة بشكل متصاعد خاصة عندما يصل الأبناء إلى مرحلة المراهقة ويصل الأبوين إلى منتصف العمر مما يزيد من الإحساس بسلبيات الارتباط العائلى . في نفس الوقت عندما يخرج الفرد إلى المجتمع ويحتك به ويمارس دوره فيه وينتابه التعب والألم أو يحس بعدم تعاطف الآخرين معه فإنه يشعر بقوة الرابطة التى تربطه بأسرته والتى لا يتبادر في ذهنه في أوقات ضعفه إلا الالتجاء إليهم والارتماء في أحضانهم والأسرة بدورها تسارع إلى التخفيف عنه وأحاطته برعايتها وتظهر في تلك اللحظات عمق المشاعر و أصالتها و فطريتها التى تربط بينهم . يكمن سر قوة الرابطة العائلية في إحساس المرء أنه داخل أسرته على سجيته بلا قيود أو تحفظات مما يضطر إليه في أى مكان آخر كذلك إحساسه برابطة الدم والانتماء وبأن من حقه الحصول على الحب غير المشروط والتعاطف اللازم عندما يحتاجهم والحب العائلى يختلف عن أى مشاعر أخرى قد يصادفها المرء في حياته فهو شعور فطرى منزه عن الغرض ومجرد من السبب والغاية وفى داخل هذا الكيان ولدت وتلمست خطواتك الأولى في الحياة . يتحمل الوالدين العبء الأكبر في الاستقرار العائلى ولا يتم ذلك بكثرة النصائح والتوجيهات فغالبا يصر كل إنسان أن يخوض تجربته الخاصة بنفسه والنصائح كلمات عظيمة تخرج حارة وتصل باردة الأهم من النصائح هو القدوة الحسنة ثم المعاملة بخليط معتدل من الحزم و الحنان وإرساء قواعد للنظام و الانضباط داخل الأسرة والحرص دائما على حميمية العلاقة وحيويتها ومن المهم جدا الحرص على تجديد هواء البيت بالسماح للتيارات المعاصرة الجديدة بالدخول ويتم تصفيتها وتنقيتها وأخذ ما يصلح منها لتطوير الشخصية والأداء العائلى . العائلة الناجحة هى التى يخرج أفرادها لممارسة أدوارهم في الحياة الطالب والطبيب والجندى والمعلم ثم يعود الجميع ليلتئم شملهم سوية حول مائدة العشاء فيحسون أنفسهم أحرارا وينطلقون على سجيتهم وليجد كل منهم نفسه وإحساسه الحقيقى بكيانه في عيون الآخرين وتصبح العائلة في وجدانه مرادفا للسعادة الهادئة والاستقرار الآمن.