من يرى صور ومشاهد مصرع الزعيم الليبي السابق معمر القذافي يشعر بأن هذه الدنيا بحلوها ومرها لا تساوي شيئاً، فذلك الرجل الذي كان يلقب بألقاب كثيرة مثل ملك ملوك أفريقيا "والملك لله وحده" وعميد الحكام العرب، وأمين القومية العربية...الخ لم تنفعه كل هذه المناصب والألقاب في شئ ومات شر ميتة وأصبح عبرة لمن لا يعتبر. الأمر هنا ليس محل تشفي أو شماتة، إنما هو بالدرجة الأولي لاستخلاص الدروس والعبر لعل ما تبقى من الحكام يعي الدرس وينقذ نفسه من هذه النهايات غير السعيدة ويقي شعبه وبلده مخاطر الدمار والخراب وكفي مافعلوه فيما مضى. أنا لا أتصور أن من رأى ويرى هذه النهايات المخزية وغير المتوقعة لحكام العرب يمكن أن يفكر في ترشيح نفسه لأي منصب رئاسي أو حتى محاولة التفكير في هذا المنصب الزائل من قبيل الحلم لأنه ببساطة سوف يتذكر هذه الكوابيس المتمثلة في مشاهد خواتيم حياة الزعماء العرب الذين جاء غالبيتهم إلى الحكم بطرق غير مشروعة ولم يحفظوا الأمانة التي تولوها ظلما وتزويرا فكانت إرادة الله في التغيير. من يتدبر مصرع القذافي تسرح به خواطره إلى الكثير من التأملات التي اذا كتبت بإستفاضة سوف يؤلف منها العديد من الكتب والمطبوعات. ولكننا أذكر هنا بعضا مما جال بخاطري حول هذا الموضوع. التأمل الأول: إرادة الله الغالبة، فليس ماحدث للقذافي أو غيره من الحكام السابقين كما يتصور البعض نابع من قوة الثوار وكثرة عتادهم، ليس ذلك على الإطلاق، إنما الأمر برمته هو إرادة الله في هلاك الظالمين أمثال النمرود وفرعون وصناديد قريش وملوك الروم والفرس وغيرهم، يجب فعلا أن نتذكر جميعا قول رسول الله صلى الله عليه و سلم (إن الله ليملى للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته) - لايمكن لأي انسان سواء كان حاكما أو محكوما أن يفلت من عقاب الله وهو يعيش على أرض الله، والثوار والخطط وغيرها من هذه العتاد والمعدات انما هي أسباب اتخذها الله لتحقيق مراده في تغيير الظالمين. التأمل الثاني: الإيمان الكامل بسنة الاستبدال ليس في نظام الحكم فقط ولكن في أي مجال يقصر صاحبه فيه أو يحيد عن التطبيق الصحيح فيستحق أن يستبدل بمن هو أكفأ وأجدر منه، فلقد رأينا أنه لم يلتزم أحدا من هؤلاء الحكام السابقين (بن على ومبارك والقذافي) بتطبيق القوانين السماوية ولا حتى الوضعية المستوردة فانتشرت على أيديهم كافة أنواع الظلم والفساد وسببوا بذلك تربع بلدانهم على قمة تصنيف دول العالم النامي فاستحقوا تطبيق سنة الله الماضية عليهم باستبدالهم جميعا "وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم". التأمل الثالث: حلم الرئاسة والزعامة، نعم بعض الناس يحلم بأن يكون رئيسا لأي دولة حتى ولو كانت في بلاد الواق واق ليتمتع بنعيم السلطان والمال ويأمر وينهي كيفما يشاء. لقد تأملت مشهد مصرع القذافي وتذكرت هؤلاء الحالمين بنعيم السلطان ثم أفقت على قصة قارون المذكورة في القرآن الكريم - هناك بعض التشابه في موقف الحالمين في الرئاسة أو في العز والجاه، ففي الماضي تمنى الذين يريدون الحياة الدنيا ممن رأوا قارون وكنوزه وما كان يعيش فيه من نعيم أن يكونوا مثله فقالوا في سورة القصص "يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم" ولكن الأماني والأحلام انتهت بمجرد أن شاهدوا بأعينهم سوء مصرعه وخسف الله به وبداره الأرض فانتبهوا وغيروا أقوالهم وندموا على ما تمنوا وقالوا "لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون". ومرت السنون واتعظ من اتعظ ولم يتعظ من لم يتعظ وتكرر المشهد ولكن بشكل مختلف فقد تمنى البعض أن يكون له مثل ماكان عند هؤلاء الرؤساء والزعماء ليفعل ما يشاء - أيا كان ماعندهم جاء بالحق أو بالباطل لا فرق عنده - المهم هو التنعم بالدنيا الحلوة الخضرة والتي يعلم ويتناسى أنها حتما زائلة. ولكن بعد رؤية مصرع القذافي والمصائر الأخرى المخزية لمن سبقوه، أعتقد أن الكثيرين الآن يراجعوا أنفسهم قبل المضي قدما في أحلام وأوهام الرئاسة أو غيرها من أحلام الزعامة. ومصر مثل تونس مثل ليبيا مثل غيرها من البلدان في نهايات الحكام الظالمين، فهل من متعظ. التأمل الرابع: سوء المصرع، فلو أن الشعب الليبي كان يحب زعيمه حبا صادقا نابعا من كونه زعيما حريصا على إعطاء الحقوق لمواطنيه ووقف ظلم معارضيه وفساد مستشاريه والإنتهاء عن وصف أبناء شعبه بالجرذان وغيرها من أوصاف الاستخفاف والتحقير من شأن المخالفين لما كانت نهايته بهذه الكيفية التي شاهدنها من إلقاء القبض عليه مختبئاً في أنبوب تصريف المجاري (المكان الذي يصلح لمعيشة الجرذان) ثم قتله بعد ذلك، ولعلي أتذكر هنا قول النبي صلى الله عليه وسلم "صنائع المعروف تقي مصارع السوء" فليجتهد الجميع حاكم أو محكوم على صنع المعروف دائما حتى يقيه الله مصرع السوء. التأمل الخامس: لقد كانت فعلا مقولة مصر غير تونس غير ليبيا غير...الخ مقولة صحيحة. نعم قيلت هذه المقولة أولاً في مصر بعد الثورة ثم ترددت بعد ذلك مقولات مشابهة في الدول التي قامت فيها ثوارت مثل ليبيا واليمن وسوريا - لقد كان حكام هذه البلاد مغترين بقوتهم وعتادهم الأمني ولم يتصور أحدا منهم هذه النهايات المفزعة. نعم لقد كانت نهاية حكام هذه البلاد مختلفة بما يثبت صحة هذه المقولة ولكن ليس كما كان الحكام يتخيلون بل كانت صحيحة وفق ما أراد الله وتوفيقه للشعوب في استعادة حقوقها بتوحدها والتفافها حول هدف احد ألا وهو "إسقاط النظام" من طغيان حكامه، لقد هرب الرئيس التونسي ووضع الرئيس المصري رهن الإعتقال وقتل الزعيم الليبي والبقية تأتي - نعم مصائرهم كانت مختلفة في شكل الهلاك ومصائر شعوبهم كانت واحدة ألا وهي نيل "التحرر من قيد الظلم والطغيان". التأمل السادس: طلب الإمارة (رئاسة أو زعامة)، لقد كانت من أهم وصايا النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه أن يبتعدوا عن طلب الإمارة (رئاسة أو زعامة) والزهد فيها وعدم السعي للتنافس عليها وقد كانت نصيحته صلى الله عليه وسلم لأبي ذر الغفاري عندما طلب الإمارة واضحة وجلية لكل صاحب عقل - فقال له "يا أبا ذر، إني أراك ضعيفًا، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزيٌ وندامة ، إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها" - صحيح مسلم. وهنا كلي أمل في أن ينوي "بجدية" كل مرشحي الرئاسة في مصر أو في غيرها من البلدان العربية المحررة أن يأخذوا هذه المسئوولية (الرئاسة) بحقها بتأدية متطلباتها وواجباتها تجاه أوطانهم وشعوبهم، وإلا فليبتعدوا ويستريحوا ويريحوا. في نهاية مقالي أرجو ألا يفهم أحد أنني أدعو للابتعاد عن هذا المنصب خوفا من سوء الخاتمة، فمن لديه الكفاءة والقدرة على تولي هذا المنصب بكافة استحقاقاته فليتقدم وإلا فلا. لقد أردت فقط تذكير كل من يريد هذا المنصب أن يأخذه بحقه أو يتركه لمن يستطيع ذلك، كما أردت أيضا لفت نظر القراء ألا ينساقوا، والباب مفتوح الآن للترشيح وهو حق لكل مواطن، إلى فخ طلب الرئاسة فقط للتمتع بمميزتها دون القيام بحقها، وخير لكل منهم أن يحمد الله على نعمة أنه مواطن عادي وليس رئيسا فالرئيس إن كان ظالما فمصيره الهلاك في الدنيا والآخرة، وإن كان صالحا فسوف يسأل أيضا عما فعله فيمن كان هو مسئوولا عنهم، فالأمر في كلا الحالتين أصعب من أن يسأل الإنسان بمفرده عما ارتكبه في حياته وعمن كان يعول من أولاد وزوجه، ولكن أن يسأل عن حقوق ومظالم ملايين البشر الذين كان يحكمهم فهذا أمر لا يحتمل ويستحق أن يحمد كل منا الله على نعمة أنه لم يكن ولن يكون رئيسا. أستاذ أكاديمي وكاتب مستقل