أكد خبراء دستوريون وقانونيون ضرورة وضع دستور جديد لمصر يتلافى العوار الذى أصاب الدستور الحالى، الذى لم يعد مناسبا لما تشهده الحياة السياسية فى مصر من تغيرات، بعدما أنهكت الدستور الحالى التعديلات غير المدروسة بعناية، وحوصر بالقوانين التى تخالفه والتى تم الحكم بعدم دستورية كثير منها. على أن تتولى وضع الدستور الجديد جمعية وطنية تشريعية عامة تشارك فيها القوى والتيارات السياسية وممثلو الاحزاب ومنظمات المجتمع المدنى والشخصيات القانونية والعامة، ولا تكون حكراً على الحكومة وخبرائها. فى السياق نفسه، طالب نواب جماعة الاخوان المسلمين باجراء تعديلات لبعض النصوص الدستورية وفقا للمتغيرات الاقليمية والدولية الجديدة وبما يتفق مع متطلبات الإصلاح السياسى والاقتصادى والاجتماعى وهو مطلب – حسب عدد من نواب الإخوان بالبرلمان – فى حاجة الى إصرار من جانب القوى الوطنية من اجل تحقيقه. واتفق حضور ورشة عمل نظمها مؤخرا مركز حوار للتنمية والاعلام تحت عنوان "من أجل تعديلات دستورية تواكب الإصلاح السياسى" على ضرورة الإسراع فى هذا الامر نظرا لما تفرضه متطلبات الإصلاح السياسى. فقد طالب الرئيس السابق لكتلة الاخوان بالبرلمان الدكتور محمد مرسى بالضغط على الحكومة من خلال نواب الجماعة والمعارضة والمستقلين وكذلك النخب السياسية من اجل إخراج التعديلات المقترحة فى أحسن صورة وبما يحقق المطالب الإصلاحية فى ذات الوقت من خلال مشروع جديد تطرحه القوى الوطنية وتسعى لتنفيذه عن طريق آليات المجتمع المدنى. وأكد حسين ابراهيم نائب الاخوان ورئيس مجلس إدارة مركز "حوار" على ضرورة معالجة العوار الدستورى الحالى والذى تمثل – حسبما قال– فى انتهاك مبدأ الفصل بين السلطات الذى أدى إلى زيادة سطوة السلطة التنفيذية فى مواجهة السلطة القضائية والسلطة التشريعية، واشار فى ذلك الى اعتبار أحكام محكمة النقض فى مسألة صحة العضوية مجرد رأى استشارى وليس حكما قضائيا. وحذر ابراهيم من الطريقة التى يجرى بها استطلاع رأى النواب حول التعديلات الدستورية المطلوبة واعتبر ذلك نوعا من الافتئات على ارادة الشعب ممثلة فى نوابهم لتمرير تعديلات لاتعبر عن المطالب الشعبية. واشار النائب والقانونى الدكتور أحمد أبو بكر الى ان نصوص الدستور ليست كلها على شاكلة واحدة بل هناك أجواء كاملة لا خلاف عليها مثل باب المقومات الاجتماعية وباب الحقوق والحريات ولكنها تظل فى رأيه نصوصا يتم إجهادها في الواقع العملى بدعوى حالة الطوارئ تارة والقوانين المنظّمة للحقوق والحريات تارة أخرى. ولفت الى اهمية إدخال تعديلات على باب رئيس الجمهورية تتضمن تحديد مدة الولاية والصلاحيات والسلطات الممنوحة له وكذلك على باب المقومات الاقتصادية كشكل الملكية ومقومات الإنتاج أو علاقات الإنتاج وكذلك مسائل القضاء الدستورى وتعيين المحكمة الدستورية . اما رئيس محكمة استئناف القاهرة المستشار سعيد الجمل فأعلن تبنيه فكرة تعديل الدستور بشكل كلى واوضى بالرجوع الى مشروع دستور عام 1954 الذى اعتبره الجمل ادق وافضل فى نصوصه من الدستور الحالى لانه يأخذ بنظام الجمهورية البرلمانية وان رئيس الدولة يسود ولايحكم ويعطى مجلس الوزراء السلطة التنفيذية كاملة فضلا عن انحياز مشروعه الى استقلال القضاء. فيما ايد عصام الاسلامبولى المحامى فكره تغيير الدستور بشكل كامل محذرا من المتغيرات الدولية وهيمنة القطب الأوحد على شئون العالَم واعتبار الإسلام هو العدو الحقيقى للدول الكبرى. وطالب أن يتم وضع مشروع الدستور الجديد عن طريق جمعية تشريعية شعبية عامة دون ان تنحاز الى مشروع دون آخرمشيرا الى البدء الفعلى فى تشكيل تلك الجمعية التى دعت اليها قوى وطنية وحركات مطالبة بالتغيير فضلا عن منظمات المجتمع الاهلى. وبرر الإسلامبولى الحاجة إلى تعديل أو إبدال دستور 1971 بأن وضعه التاريخى والاجتماعى والاقتصادى قد تغير فى كثير من النواحى عن وقت إصداره الذى كان يسوده نظام الحزب الواحد وتعظيم فكرة الديمقراطية الاشتراكية وقد تغيرت هذه الظروف الاجتماعية والاقتصادية فى الوقت الحالى واصبحت عكس ماكانت عليه. أما الدكتور رفعت لقوشة فطرح فكرة أن تأخذ مصر بالنظام الرئاسى الديمقراطى الذى ينتخب رئيس الجمهورية ونائبه انتخابا حرا فى بطاقة واحدة ويشكل الرئيس الوزارة مع إلغاء منصب رئيس الوزراء ويتولى الرئيس مسئولية السلطة التنفيذية ويكون مراقبا فى ادائها أمام البرلمان . وطالب لقوشة بإلغاء نسبة ال 50% للعمال والفلاحين والتى انتفت الحاجة إليها فى ظل وجود نظام تعدد الأحزاب الذى يسمح لجميع الفئات بتشكيل أحزاب كى تعبر عن افكارها واتجاهاتها ورؤاها السياسة. جدير بالذكر أن الفقيه القانونى الراحل "د.حلمى مراد" مع عدد من الفقهاء الدستوريين ورموز العمل السياسى كانوا قد أعدوا مسودة لمؤشرات الدستور الجديد فى التسعينيات، وهى المسودة التى شاركت فيها مختلف القوى والتيارات واستغرق إعدادها أكثر من عامين من المناقشات والحوارات المتصلة، لكنها ظلت مجرد مشروع لم يكتب له أن يرى النور بسبب الحصار والتعتيم الذى فرضه النظام عليه من جهة، وعدم قدرة القوى الوطنية على فرضه من جهة أخرى.