لجأت عائلة " قره مصطفى" السورية إلى تركيا وطنها الأم، التي غادرها جدهم هربًا من مجازر العصابات الأرمنية، قبل 112 عامًا. ووصلت العائلة إلى تركيا قبل عامين، ونجحت في العثور على أقربائها بولاية قهرمان مرعش جنوبي تركيا، حيث قرروا المكوث في نفس المنطقة، بعد فرارهم من عنف نظام الأسد في سوريا، وتركهم منازلهم في مدينة الباب بريف حلب. وروى محمد قره مصطفى، للأناضول، قصة هروب جده "أحمد" وعدد من ذويه من مجازر العصابات الأرمنية، لافتًا أن جده كان يقيم في قرية سليمانلي، وكان بعمر 16 عامًا عندما أسعفه الحظ وتمكن من الفرار. ونقل قره مصطفى عن جده، أن العصابات الأرمنية اقتادت نحو 300 من ذويه من منازلهم، وأخذوهم إلى إحدى القلاع، بينما تمكن جده من الهرب من القلعة، وتوجه نحو مدينة حلب في رحلة استمرت أشهرًا سيرًا على الأقدام، حيث استقر فيها، وتزوج وأنجنب 10 أبناء بينهم ولدان. وذكر قره مصطفى أن جده كان يروي كيف أن العصابات الأرمنية قتلت ذويهم الذين لم يسعفهم الحظ في الفرار، مشيرًا أنهم اليوم يلاقون نفس المصير الذي لقيه جدهم، لكن هذه المرة بسبب ظلم الأسد (في إشارة إلى رئيس النظام السوري بشار الأسد). بدوره ذكر أحمد قره مصطفى الذي استقر مع زوجته وأبنائه في قهرمان مرعش، ويحمل اسم جده الأكبر، أنهم تعرضوا لظلم الأسد في سوريا، متسائلًا: "هل يدرك البابا فرانسيس الذي وصف أحداث 1915 ب"الإبادة العرقية"، ما عانيناه يا ترى؟ فالأرمن ظلموا جدي، والأسد ظلمنا". ما الذي حدث في 1915؟ تعاون القوميون الأرمن، مع القوات الروسية بغية إنشاء دولة أرمنية مستقلة في منطقة الأناضول، وحاربوا ضد الدولة العثمانية إبان الحرب العالمية الأولى التي انطلقت عام 1914. وعندما احتل الجيش الروسي، شرقي الأناضول، لقي دعمًا كبيرًا من المتطوعين الأرمن العثمانيين والروس، كما انشق بعض الأرمن الذين كانوا يخدمون في صفوف القوات العثمانية، وانضموا إلى الجيش الروسي. وبينما كانت الوحدات العسكرية الأرمنية، تعطل طرق امدادات الجيش العثماني اللوجستية، وتعيق تقدمه، عمدت العصابات الأرمنية إلى ارتكاب مجازر ضد المدنيين في المناطق التي احتلوها، ومارست شتى أنواع الظلم بحق الأهالي. وسعيًا منها لوضع حد لتلك التطورات، حاولت الحكومة العثمانية، إقناع ممثلي الأرمن وقادة الرأي لديهم، إلا أنها لم تنجح في ذلك، ومع استمرار هجمات المتطرفين الأرمن، قررت الحكومة في 24 نيسان/ أبريل من عام 1915، إغلاق ما يعرف باللجان الثورية الأرمنية، واعتقال ونفي بعض الشخصيات الأرمنية البارزة. واتخذ الأرمن من ذلك التاريخ ذكرى لإحياء "الإبادة العرقية" المزعومة، في كل عام. وفي ظل تواصل الاعتداءات الأرمنية رغم التدابير المتخذة، قررت السلطات العثمانية، في 27 مايو/ آيار، من عام 1915، تهجير الأرمن القاطنين في مناطق الحرب، والمتواطئين مع جيش الاحتلال الروسي، ونقلهم إلى مناطق أخرى داخل أراضي الدولة العثمانية. ومع أن الحكومة العثمانية، خططت لتوفير الاحتياجات الإنسانية للمهجّرين، إلا أن عددًا كبيرًا من الأرمن فقد حياته خلال رحلة التهجير بسبب ظروف الحرب، والقتال الداخلي، والمجموعات المحلية الساعية للانتقام، وقطاع الطرق، والجوع، والأوبئة.