إن تاريخ أربع عقود مضت يضع المواطن العربي عامة والسوري خاصة أمام خيار شق طريق ثالث بعيداً عن العنف الداخلي والاحتلال الخارجي يقوم على أساس أن نبادر بقلع شوكنا بأيدينا كما يقول المثل السوري المعروف. ولكن هل يا ترى خيار الطريق الثالث المتمثل بالعمل والمبادرات الشعبية والعصيان المدني خيارأ واقعيا، خاصة مع الأنظمة الأمنية العربية التي تأسست على منع تداول السلطة؟ ومن سيضمن عدم تجيير تلك المبادرات الشعبية لصالح استبداد متجدد بلباس خادع؟ وهل المجتمع السوري جاهز لمثل هذا الخيار؟ لابد من الاعتراف بأن حالة الاستبداد التي عاشها المجتمع السوري في عقوده الأربعة الماضية أنتجت نوعاً من الاستسلام الروحي للحاكم وانعدام الثقة بين المحكومين وتبلد العقل لدى الطرفين إلى درجة اللامبالاة وعدم إدراك حجم الاستبداد مما أنتج رغبة بعدم الانعتاق من تلك السلسلة التي تربط الجميع، وأصبحت بالتالي مهمة الحاكم مقتصرة على منع الآخرين من الوصول إلى السلطة؛ هنا يتجمد الحراك السياسي والاجتماعي بانتظار الانهيار. وتخشى قطاعات كبيرة من المجتمع السوري من حالة الفوضى المحتملة وما يمكن أن تؤدي إليه في ظل الاحتقان الاجتماعي المتزايد الذي يأخذ أشكالاً متعددة ومختلفة ولعل أخطرها: الاحتقان الطائفي نتيجة الممارسات الاستبدادية واللامسؤولة للنظام السوري. ورغم محاولات النخبة المثقفة داخل وخارج سورية التقليل من خطر الصدام الداخلي في حالة الفوضى التي يمكن أن تعقب انهياراً متوقعاً للنظام إلا أن الإشارات الملتقطة من داخل الشارع السوري تزيد من مسؤولية قادة المجتمع المدني في لعب دور أكثر فعالية في تحصين الشعب السوري من الوقوع في مصيدة الاقتتال الداخلي. قد يبدو خيار الطريق الثالث صعباً وإلى حد ما مثاليا بالنظر إلى الواقع السوري المعاصر، ولكنه الطريق الوحيد الذي سيضمن لجميع مكونات الشعب السوري الخروج من المأزق الحالي المتفاقم بأقل الخسائر الممكنة. كما أنه يتطلب درجة عالية من التضحية والوعي والإحساس بالمسؤولية. إنّ شق هذا الطريق يبدأ بالتحريض على الانعتاق من حالة الاستبداد القائمة وبناء جسور الأمل والثقة لدى المواطنين والتأكيد على أنّ مبدأي الحرية والعدالة هما ركنان أساسيان لأي تقدم وتنمية حقيقية. لقد أثبت التاريخ الانساني أن الشعوب قادرة على إفراز قيادات تثق وتؤمن بها رغم سلطان الاستبداد لتسعى بها إلى الخلاص، ولعل النتائج التي توصل إليها معدو التقرير الوطني للتنمية البشرية في سورية للعام الفائت تؤكد على هذا. إنّ بناء معارضة شعبية ذات برنامج واضح ومواقف سياسية وطنية مبدئية سيكون لها أثر كبير في تكريس إيمان المواطن بضرورة سلوك هذا الطريق الذي سيحمي سورية وأهلها من خطورة المرحلة الراهنة. ولذا لا بد من رفع سوية الوعي السياسي لدى المواطن السوري من خلال التواصل الإعلامي والشعبي لتأكيد مبدأ التعددية والانفتاح السياسي ومقاطعة طبقات السياسيين والمثقفين التي تروج للاستبداد الداخلي أو لمشروع الاحتلال الخارجي. إن الحرب على جبهتين في آن معا تبدوا مهمة أشبه بالمستحيلة إذا ابتعد عنها العنصر الشعبي. وإذا كنّا على قناعة كاملة بأنّ الأنظمة طارئة والشعوب دائمة، فمن يا تُرى يشك في هذا الرهان؟