لقد أفتى قادة الجماعات الإسلامية على تنوعاتهم الفكرية وعبر مسيرة تاريخية ممتدة في تاريخنا المعاصر بفتاوى مبيحة للدماء والأعراض لكوادرهم التنيظيمة والفكرية والعسكرية ترتبت عليها آثار عظمى كإراقة الدماء، وهدر الأموال،في كلا المعسكرين، معسكر الجيش والشرطة والدولة ومعسكر الشباب الذي دان لهم لهم بالسمع والطاعة وجاءت هذه الفتاوي لتكلف الأجنحة العسكرية بقتل رجال جيش وشرطة كما في أحداث 1981 ثم في فترة التسعينات حتى أيامنا هذه بذريعة قتال الطائفة وشرعية الاغتيالات ورجوع الشرعية ...ومع خطأ هذه الفتاوي ابتداء لأنها تعارض صريح الكتاب وصحيح السنة إلا أنها مثلت لدى أفراد هذه الجماعات مصدرا لشرعية أفعالهم وصحة تصرفاتهم حتى أجرى هؤلاء القادة مراجعاتهم الشهيرة والتي اعترفوا فيها صراحة بخطأ هذه الفتاوى التي راح ضحيتها أنفس معصومة وأموال مصانة ومقدرات محترمة ، وهنا يبرز في هذا السياق تساؤل فحواه: هل يكفي أن يقبل من هذه القيادات الاعتذار مع إصدار مجموعة كتب وعدة احاديث صحفية ليتحدثوا فيها عن فضل الرجوع الى الحق مع تكرار نفس الأخطاء والرجوع إلى ذات الطريق وإن كان بطرق ملتوية وتصريحات غامضة ؟ أم أن الشريعة رتبت على هذه المراجعات استحقاقات أخرى توجب عليهم أداءها حتى تبرأ ذمتهم يوم لا ينفع مال ولا بنون؟ قبل الإجابة على هذه التساؤلات أريد أن أوضح أنني ما كنت اود مطارحة مثل تلك القضايا الدقيقة لولا أني وجدت أن بعض قادة بعض هذه الجماعات استهانوا بما عظمه الله من دماء وانفس وأموال وما زالوا يلقون بشبابهم إلى المحارق باسم النضال والجهاد وأنه بدل أن ينزوي كثير منهم ليكفر عما جرته فتاوه على الناس البسطاء، والشباب المتحمس من خراب ودمار ويبكي على خطيئه، ويسعه بيته لعل الله تعالى يغفر له ما تعلق بذمته من دماء باشرها او تسبب فيها وجرأته على دينه واستباحته لدماء معصومة واموال محترمة إذا به يتصدر المشهد من جديد ليورط شبابه في محارق جديدة لكن بخطاب ملتو وأسلوب ملتف.فإذا كان الفقهاء قد أوجبوا على المفتي الذي أفتى بنجاسة السمن الجامد فتسببت فتواه في إتلافه لأنها تعارض حديثا صحيحا قطعيا فكيف بمن تسببت فتواه ليس في إتلاف سمن جامد ولكن في دم مهراق بغير حق، ومن يعيض الشباب الذي أفنى أعماره الذاخرة بالحيوية والقوة، ومن يعوض الأسر التي فقدت عائلها فتشردت أو تعرضت للفحشاء حتى أكل بعض النساء بثديهن!! والغريب في الأمر أن الدول التي نصفها بالظلم والاستبداد عوضت من تسببت في سجنه او إيذائه بينما القادة الذي يريدون تطبيق الشريعة لا يعترفون بهذا المبدأ!! تحرير المسألة: أنه قد صدرت فتاوي من قادة بعض الجماعات الإسلامية تجيز بل توجب احيانا قتل رجال الجيش والشرطة (الاغتيالات- قتال الطائفة- دفع الصائل) تسببت هذه الفتاوى في إتلاف أنفس معصومة وأموال محترمة بطريق المباشرة او التسبب من طرف رجال الجيش والشرطة ومن طرف الشباب المباشر للقتل. أن هذه الفتاوي تصادم القطعي من دين الله مما قررته نصوص الوحي كتابا وسنة كضرورة حفظ الانفس المعصومة والأموال المحترمة. اعترف قادة هذه الجماعات بخطأ هذه الفتاوى وقد ثبت ذلك من خلال كتبهم واحاديثهم الصحفية. أن هذه الفتاوي كانت ملزمة للكوادر العسكرية التي مارست تكليفات القتل والاغتيال باعتبار الالتزام التنظيمي القائم على مبدا السمع والطاعة أن هؤلاء القادة نصبوا أنفسهم مفتيين فكانوا بمثابة المفتي الرسمي لأفراد الجماعات التي تولوا قيادتها الشرعية والفكرية. أن ما وقع نتيجة خطأ هذه القيادات في فتاواهم التي اعترفوا بعدم صحتها فيما بعد ظلم حقيقي وضرر حقيقي لا ترضاه الشريعة ويجب دفعه أو براءة الذمة منه بدفع ضمانه. فنقول وبالله التوفيق إن من الواجب شرعا مطالبة قيادات هذه الجماعات – ممن ثبت فعلا الإفتاء بهذه الفتاوى – والأفراد ممن تلبس بهذه التصرفات التي أتلفت الأنفس والأموال بالتعويض المادي من ديات وأموال وتعويضات على النحو الآتي: أن قادة هذه الجماعات إذا اعتبروا انفسهم أهلا للاجتهاد الذي يخول لهم إصدار فتاوى قتل واغتيال ترتب عليها إتلاف في الدماء فيلزمهم التعويض والضمان لأن هذه الفتاوى لم يكن محلها مسائل اجتهادية يصح فيها الخلاف وتتفاوت فيها الآراء إنما كانت في مسائل قطعية ثابتة كحفظ الدماء والأموال ومراعاة مصالح الناس، صحيح أنها غابت عنهم لكنها قضايا مستقرة وهم قد اعترفوا بذلك فهل يستطيع أحد مثلا أن دماء المسلمين من رجال الشرطة والجيش من موارد الاختلاف التي يصح فيها الاجتهاد؟ يقول النووي ( وإذا عمل بفتواه في إتلاف فبان خطؤه وأنه خالف القاطع فعن الاستاذ أبي إسحاق أنه يضمن إن كان أهلا) كما أنهم يضمنون التعويض لأنهم متسببون في هذا الاتلاف والتسبب بالإتلاف سبب من أسباب الضمان وتلكم مسألة محسومة عند الإصوليين بالإضافة إلى أن الخطأ في مخالفة النص القاطع لا يعذر فيه المفتي فيضمن بخلاف ما لو خالف الاجتهاد فإنه يضمن كما ذلك ذكر النووي. نعم قد يقول قائل إن المالكية و السيوطي وابن النجار ونقله عن الإمام البرماوي أن المفتي المجتهد لا يلزمه الضمان فأقول إن هذا القول لا ينهض دليلا في حالة الجماعات الإسلامية على عدم الضمان لإن معتمد قول المالكية ومن وافقهم متعلق بمدى الزامية فتوى المفتي للمستفتي فقالوا لا يلزم المفتي الضمان لأنه لم يلزم المستفتي بفتواه وكان بإمكان المستفتي ان يخالفه أما في حالة فتاوى الجماعات الإسلامية التنظيمية فقد كان ثمة الزام معنوي ربما أكثر أثرا من الإلزام القضائي وهو مبدأ السمع والطاعة للجماعة والمجموعات القتالية التي كلفت بهذه الأعمال فقد كانت ملزمة بهذه الفتاوى باعتبار الرابط التنظيمي والبناء الهيكلي له. أما إذا قال البعض أن من أصدر هذه الفتاوى لم يكن من المجتهدين حينما أفتوا بهذه الفتاوى بل من نقلة المتون والنصوص وحفاظ الأبحاث - لأن الأصوليين يفرقون بين من حفظ أقوالا أو نصوصا أو حتى أبحاثا فلا يعتبرون ذلك مفتيا وبين المجتهد- يقول الكمال ابن الهمام في فتح القدير ( استقر رأي الأصوليين على أن المفتي هو المجتهد وأما غير المجتهد ممن يحفظ أقوال المجتهد فليس بمفت والواجب عليه إذا سئل أن يذكر قول المجتهد -كأبي حنيفة- على جهة الحكاية فعرف أن ما يكون في زماننا من فتوى الموجودين ليس بفتوى!!! ) أقول وفي حالة القول بأنهم ليسوا من أهل الاجتهاد فإما أن يلزمهم التعويض كقادة لأنهم تصدوا لما ليس له بأهل وغرروا بمن استفتاهم بتصديهم لذلك فهم بذلك كأنما تعمد ايذاءه بل يعتبر ضمانه أولى من ضمان المؤهل لأن تصديه لما لا يصلح له تعد وغرور كما جاء في حاشية الدسوقي ولأنهم كانوا بمثابة المفتي الرسمي في جماعتهم فإذا أخطأ في فتواه لا يعذر بخطئه وذلك أنها وظيفة عمل قصر فيها فيضمن بتقصيره ولا يجوز ان ينصب لمنصب الفتوى إلا من هو اهل لها. وإما أن يلزم التعويض والضمان من باشر القتل والاغتيال من أفراد هذه الجماعات لأنهم قصروا في الاستفتاء والبحث عمن يأخذوا منه دينهم وكان يجب عليهم أن لا يقعوا فريسة لكل من أفتى بغير علم ولا هدي ولا كتاب منير. يقول الخطيب البغدادي ملخصا المسألة:(لقد نص المنظرون لنظام الإفتاء من قديم أن المستفتي (وهو العامي) إذا عمل بفتيا المفتي فحصل منه تلف أو ضرر، فإن المفتي يتحمل مسؤولية التعويض عن الضرر، إذا ظهر أن خطأه كان من قبيل المخالفة للأدلة والأحكام القطعية، هذا إذا كان المفتي أهلا للفتوى أما إذا لم يكن أهلا لها فإن البعض يحمل المسؤولية للمستفتي لتقصيره في تقليد من لم يكن أهلا للإفتاء، والبعض الآخر يحمل المسؤولية للمفتي ويكلف ضمان ما أتلف بفتواه «لأنه تصدى لما ليس له بأهل، وغر من استفتاه بتصديه لذلك) كلمة أخيرة: هل تكون تلك الكلمات دافعا لهذه القيادات ان تراجع نفسها وأن تدرك دقة الفتاوى وخطورتها ودقة شأنها؟ وان تقوم بتحمل بتعويض وضمان من تسببت في اتلاف نفسه او اهدار عمره وماله؟ لعل ذمتهم أن تبرأ مما تلبسوا به وإلا فإني أخاف عليهم دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم على من تسبب في قتل الرجل الذي أفتى له الصحابة – ولم يكونوا على علم بالمسألة_ بالوضوء فقتلوه فدعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال (قتلوه قتلهم الله) قد يقول قائل وماذا عن الدولة؟ إنك دائما تتحدث عن انتقاد الجماعات ..أقول لأني حريص على تنقية إخواني من الهوى والسير على غير هدى الشرع ...انتقد لأني أحبهم ...انتقد إخواني لأنهم يتحدثون باسم الدين ويقدمون انفسهم للناس على ذلك... والعمل للإسلام ليس مقتصرا على المعارضة ...وهو أوسع وأرحب من اختزاله في معارضة او سب او انتقاد ...أما الدولة فهي أجهزة.... تنتقد في ضوء القانون برد المظالم ورفع الظلم وتعويض من تسببت في ايذائه وفي قتله وما زلت أقول ان حوادث رابعة والنهضة وغيرها بحاجة الى تحقيق محايد ومستقل ونزيه حتى نعرف من المتسبب ومن المباشر فيه من كل الأطراف ويحل بالشريعة والقانون ما بين عقوبات وديات ومصالحات ومصارحات.