التوقف المفاجئ لحملة "عاصفة الحزم" التي أطلقتها المملكة العربية السعودية وحلفائها في الخليج العربي ضد التمرد الحوثي في اليمن المدعوم بقوات عسكرية موالية للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح أثار علامات استفهام عديدة ، كما انقسم العرب تجاهه ، كما هي العادة ، بين مؤيد لتوقيف الحملة ومعتبرا أنها حققت أهدافها ، وبين من يرى أنها فشلت وانكسرت ، وهذا الفريق الثاني اختلفت التفسيرات عنده لأسباب الفشل المتصور للحملة ، ما بين الضغط الأمريكي ، أو التهديدات الإيرانية بحرب إقليمية ، وبين تخلي مصر والباكستان عن فكرة إرسال قوات برية ، فإلى أي مدى يمكن تحديد نتائج هذه الحملة ؟ بطبيعة الحال ، مثل هذه الحملات الجوية ليس متصورا أنها تستمر في العمل بلا نهاية ، أو إلى أمد بعيد ، لأن طبيعة العمليات الجوية أنها تمهد لعمل أرضي أو تعطل إمكانيات الحركة للخصم أو تدمر قدراته العسكرية ، وهذا تقريبا ما نجحت فيه بوضوح كامل عاصفة الحزم ، لأن الكاميرات كانت تنقل يوميا الانفجارات المروعة في مخازن الذخيرة والصواريخ الاستراتيجية في معسكرات قوات صالح والمخازن التي استولى عليها الحوثي من سلاح الجيش ، وبعض هذه الانفجارات كان يستمر لمدة تصل إلى عشر ساعات متواصلة ، كما تم تدمير معسكرات حوثية بكاملها ، كما أن الضربات الجوية ساعدت المقاومة الشعبية اليمنية على وقف تمدد الحوثيين وصالح إلى عدن ومنعت سقوط "العاصمة الثانية" والتي كان شبه مسلم سقوطها ، حيث حشدوا لها إمكانيات ضخمة من السلاح والعتاد والقوات ، كما أن القبائل حققت تقدما كبيرا على الحوثيين في مأرب ومناطق أخرى ، وبدأ الحوثيون يشعرون بالخطر حتى في صعدة ، معقلهم الاجتماعي والعسكري والديني ، وسحبوا أسلحة وعتادا من مناطق أخرى إليها مؤخرا ، وبشكل عام توقف تمدد الحوثي في عموم اليمن بعد أن كان يقضم المدن والمحافظات بسهولة غريبة وكأنما يلتهم قطعة حلوى رخوة . أيضا عاصفة الحزم نجحت بذراعها الديبلوماسي في انتزاع قرار نادر من مجلس الأمن أدان الحوثي وصالح وابنه بصورة حاسمة وواضحة ووضع الجميع تحت البند السابع ، الذي يسمح للمجتمع الدولي بالتدخل عسكريا ضد هذا الطرف ، كما فرض عقوبات مباشرة على الحوثي وصالح ، ومنح السعودية وحلفاءها الحق في فرض الحصار البحري والجوي على جميع المنافذ اليمنية لتفتيش أي سفينة أو طائرة يشتبه في حملها سلاحا أو عتادا إلى الحوثيين أو صالح ، وكان هذا القرار هزيمة ساحقة للنفوذ الإيراني ، وشل يد طهران عن إنقاذ حليفها القوي في اليمن والذي كانت تعول عليه كثيرا لصناعة بؤرة شيعية عسكرية موالية لها تكون لها الكلمة العليا والهيمنة على القرار السياسي والعسكري للدولة ،على نمط حزب الله في لبنان ، هذا المشروع انتهى عمليا الآن ، وأصبح أفقه مسدودا ، وأتت الفرحة الطاغية في طهران بوقف عمليات عاصفة الحزم لتكشف حجم الضغط النفسي والعسكري والاستراتيجي التي كانت تمثله عليها ، وأيضا أنها جاءت لإنقاذ ما يمكن إنقاذه . في الأيام الأخيرة كان واضحا أن مفاوضات مكثفة على قدر عال من السرية والحساسية تجري بين عواصم عربية وغربية وطهران أيضا ، وقد انتهت حسب ما تسرب إلى ما يعرف بالمبادرة العمانية ، وكان أول إشارة لتسوية تنهي عمليات عاصفة الحزم قد أعلنتها طهران والقاهرة ، ومن المفترض أن تعلن بشكل رسمي خلال ساعات أو أيام قليلة ، وتلزم الحوثيين بالانسحاب من العاصمة والمدن التي احتلوها ، وتسليم السلاح المسروق إلى مستودعات الجيش ، واحترام الشرعية والامتناع عن أي ممارسات عدوانية مسلحة ، والانخراط في مشروع سياسي ينتهي بانتخابات برلمانية ورئاسية عاجلة . ولوحظ أنه رغم إعلان انتهاء عمليات عاصفة الحزم ، إلا أن طيران التحالف قام صباح اليوم بقصف قوات الحوثي وصالح وتدمير المعسكر الذي استولت عليه بالكامل في تعز ، بعد أن تحركت فجرا للاستيلاء عليه مستغلة إعلان وقف الحملة ، فجاءت الضربة لتؤكد على أن الحملة في بعض جوانبها ستستمر إذا نقض الحوثي الاتفاق وحاول التحرك عسكريا على الأرض بصورة تهدد المسار الجديد في اليمن . التركيبة السكانية والقبلية والمذهبية في اليمن معقدة ، وهو مجتمع مسلح بطبيعته ، ليس بالسلاح الخفيف وحده ، بل بالثقيل أيضا ، فهي أقرب لإمارات لها شبه استقلال عسكري واجتماعي ، والحرب الأهلية يصعب حسمها لطرف أو جهة إلا باستنزاف قد يستمر لعدة سنوات ، وسيدفع ثمنه عبثا الشعب اليمني ، ولذلك كان المأمول أن تنجح الحملة السعودية في إعادة التوازن ووقف التغول الحوثي ومنع سيطرته على البلاد غصبا وإعادة الجميع إلى مسار التسوية السياسية وإيجاد برلمان حقيقي وانتخابات رئاسية وقطع اليد الإيرانية عن العبث بمصير اليمن ، حتى الآن كل ذلك تحقق أو في طريقه لذلك ، وهذا هو المهم .