شكلت الثورة السورية التي انطلقت شرارتها قبل أكثر من 4 أعوام منعطفا حاسما في مسيرة الصحافة والعمل الإعلامي الكردي في سوريا، فمن العمل السري والصحافة المرتبطة بالأحزاب السياسية، انتقلت هذه الصحافة نحو حريةالنشر والعمل الإعلامي، لكن رغم ذلك بقيت محصورة بالانتماء السياسي وفي المناطق الكردية. وقال عبد المجيد شيخو الباحث المتخصص في شؤون الصحافة الكردية للأناضول، "هناك ارتباط وثيق بين الصحافة الكردية والحركة السياسية الكردية، وحالة الصحافة الكردية كانت من حال الحركة السياسية الكردية، فقبل الثورة السورية كانت الصحافة السورية عموما والكردية على وجه الخصوص مقموعة تتعرض للمنع من قبل النظام الديكتاتوري شأنها شأن أي حراك سياسي كردي، ولكن بعد الثورة دخلت الصحافة مرحلة جديدة من حرية الحركة والتعبير." وأضاف "رغم التطور الكمي في الصحافة الكردية بعد الثورة السورية لكنها لم تتطور من الجانب النوعي، فهناك العديد من الصحف التي تصدر في المناطق الكردية إلا أن غالبيتها ما زالت مرتبطة بالأحزاب والأقلام الصحفية والمثقفين واقعون تحت وطأة الأحزاب، وهذا يحد من سرعة تطور الصحافة". وتابع شيخو، "الصحافة الكردية لم تصل بعد إلى مستوى صحافة المحيط الإقليمي وهذا مرده أننا لا زلنا نعاني من ضعف الكوادر الصحفية المختصة وقلة الإمكانات الاقتصادية اللازمة للتمويل وبالتالي قدرتها على التأثير محدودة بهذا العوامل". أما جميل رشيد رئيس تحرير صحيفة (روناهي) التي تصدر في المناطق الكردية السورية فقال للأناضول، "الصحافة الكردية قبل الثورة السورية، كانت واهنة وضعيفة التأثير في الساحة الكردية وهنا نخص روج آفا (المناطق الكردية شمال وشمال شرق سوريا)، والسبب يعود إلى غلبة الطابع الحزبي السياسي عليها". وتابع "فكما نعلم أن القمع المستشري في البلاد نال منه الشعب الكردي الجزء الأكبر والصحافة هي أكثر من تضررت منه، حيث أن الكتابة ولو بجملة عن الكرد وحقوقهم أو أيّ شيء يتعلق بالكرد؛ كان يعرّض صاحبها للملاحقة والاعتقال. لهذا اقتصر العمل الصحفي على الصحافة الحزبية السرّية والمحدودة الانتشار والتوزيع، ولم تتمكن من تطوير نفسها لتصل إلى مستويات راقية". ومضى رشيد قائلا "بعد الثورة فتحت الآفاق أمام العمل الصحفي والإعلامي، ليشهد هو بالذات ثورة في عدة اتجاهات، فانتشرت الصحف والمجلات ووكالات الأنباء وحتى الأقنية التلفزيونية الفضائية الكردية من داخل وخارج الوطن، واستطاعت هذه الصحافة أن تثبت وجودها لجهة متابعتها المستمرة للحدث الكردي وتغطيتها لتفاصيله الدقيقة إلى جانب الحدث السوري العام الذي هزّ العالم أجمع". وبين رشيد، "الصحافة الكردية تشهد تطوراً مضطرداً، ولكنها تعاني من بعض الصعوبات (لم يحددها) التي تعرقل وتحدّ من التأسيس لصحافة مهنية ووطنية بالمعنى العام." وعن واقع الصحفي في المناطق الكردية، أشار جميل رشيد، إلى أنه "بعد إعلان الإدارة الذاتية الديمقراطية في روج آفا، انطلقت عشرات الوسائل الإعلامية نحوها، لأنها وجدت المناخ الأكثر ملاءمة لممارسة عملها، ولم تضع قيوداً عليها وهذا توثق بشهادة وسائل إعلامية عالمية مرموقة، بل العكس ذُلِلت الكثير من المصاعب أمام الصحفيين الوافدين وكذلك العاملين في الداخل." وأضاف "لم تسجل حالة ولو واحدة تم فيها التضييق على عمل الصحفيين، مقارنة بما يحصل في مناطق سورية أخرى، حيث تعرض عدة صحفيين للخطف والاعتقال وحتى الاغتيال". واستشهد رشيد بتجربة الصحافة الكردية خلال هجوم تنظيم (داعش) على إقليم كوباني (عين العرب) وقال، "استطاعت الصحافة الكردية أن تكون مصدر العديد من الأخبار والتقارير الموثقة والمهنية التي تستقي منها معظم الوسائل الإعلامية العالمية مادتها الصحفية، فقد تمكنت أثناء اشتداد المعارك في كوباني أن تنقل الصورة الحية والمباشرة لما يجري هناك، وكانت المصدر الوحيد للمعلومات الصحفية في كوباني رغم الإمكانات التقنية الضعيفة والخبرات المتواضعة لصحافييها." من جانبه، قال الصحفي الكردي نضال حنان مدير التحرير في إذاعة "صوت راية" السورية المعارضة للأناضول، "الصحافة الكردية كانت ولاتزال تحمل قضية شعبها في نيل حقوقه القومية باختلاف مساراته وتعريفاته، وهي الأساس في ظهور مؤسسات إعلامية كثيرة مختلفة المستويات." وأضاف "شهدت الصحافة والإعلام الكردي نقلة قوية في مسيرتها بعد ما يسمى بربيع الشعوب تضاهي تراكم كل تجربتها خلال العقود الماضية، بسبب انهيار المنظومة السياسية والإعلامية لنظام احتكر الساحة الإعلامية لنفسه باستثناء بعض المبادرات السرية ومبادرات أخرى كانت تعمل من الخارج والتي شكلت النافذة للإعلام الكردي، لكنها كانت أقرب إلى منابر للتعبير على الآراء والمواقف أكثر من أن تكون مؤسسات إعلامية تؤدي مهامها في مواكبة الأحداث ونقل هموم الناس عن قرب." واستطرد حنان، أن "الصحافة الكردية استطاعت خلال المدة الأخيرة، مواكبة التغييرات التي شهدتها الساحة الإعلامية السورية وفي الشرق الأوسط، من خلال بزوغ مؤسسات إعلامية تتبنى المهنية في التعامل مع الأحداث، بدءا من المواقع ووصولا إلى قنوات تلفزيونية، وبتنا نشهد كوادر محترفة تدرك مفردات العمل الصحفي وفق المنظومات الإعلامية الدولية." وعن العوائق التي تواجه العمل الصحفي، استدرك حنان "رغم أن الإعلام الكردي استطاع توسيع مساحة العمل من منبر رأي إلى مرآة إعلامية تعكس الواقع في الجغرافية التي تستهدفها، لكنه يواجه في ذات الوقت تحد رئيسي متمثل بالضغوط السياسية والاقتصادية سواء من جانب الأحزاب أو الشخصيات المحسوبة على أطراف سياسية محلية أو إقليمية أو دولية." وتابع، "تواجه الصحافة الكردية تحد آخر متمثل بالكوادر الإعلامية فرغم تطور مهاراتهم وخبراتهم إلا أنهم لم يستطيعوا التخلص من العوامل الملازمة للصحفي المواطن والصحفي السياسي أو الناشط، والمتمثل بتبني قضية أو نهج فكري أو سياسي وهو ما يكون واضحا في الكثير من تفاصيل الصورة الإعلامية المقدمة عبر وسائل الاتصال الجماهيرية". وأردف نضال حنان، "نتيجة التأثر بالواقع الجيوسياسي في المنطقة انحصرت عدسة الإعلام الكردي باتجاه المنطقة الكردية، الأمر الذي ترك هامشا كبيرا يطل من خلاله الجمهور الكردي إلى وسائل الإعلام غير الكردية، وخاصة في المسألة السورية، وفشل في استحواذ جمهوره المستهدف إلى جانب فشله حتى الآن في الاقتراب من الجمهور غير الكردي، الأهم هو أننا لم نشهد حتى الآن ولادة مؤسسات إعلامية مستقلة صرفة، وما نعايشه هو إعلام مسيس يحاول الإبداع في وسائل الاستقلالية." ويعتبر يوم 22 إبريل من كل عام عيدا للصحافة الكردية، ويصادف ذكرى إصدار أول جريدة كردية باسم (جريدة كوردستان) في العاصمة المصرية القاهرة عام 1898 من قبل مقداد مدحت بدرخان، وتتالى بعدها إصدار العديد من الصحف والمجلات الكرية في المدن الكردية وفي كل من القاهرة وإسطنبول وبيروت ودمشق التي صدرت فيها أول مطبوعة كردية عام 1932 باسم (مجلة هاوار) التي تعتبر باكورة الصحافة الكردية في سوريا. وطوال سنوات حكم حزب البعث في سوريا، كان العمل الإعلامي مقيدا بالكثير من العقبات والموانع التي كانت تضعها السلطة، ومنذ 15 آذار 2011 تطالب المعارضة السورية بإنهاء أكثر من (44) عاما من حكم عائلة الأسد، وإقامة دولة ديمقراطية يتم فيها تداول السلطة، غير أن النظام اعتمد الخيار العسكري لوقف ما يسميها ب"الأزمة"، ما دفع سوريا إلى دوامة من العنف، ومعارك دموية بين قوات النظام والمعارضة، لا تزال مستمرة حتى اليوم، وخلفت أكثر من 220 ألف قتيل و10 ملايين نازح ولاجئ داخل البلاد وخارجها.