في الرابع من مايو المقبل يعقد في بيروت منتدى حول موضوع "تجفيف منابع تمويل الإرهاب"، وذلك بتنظيم من اتحاد المصارف العربية وبالتعاون مع الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب، ويهدف إلى تسليط الأضواء على مكافحة تمويل الإرهاب والمجموعات الإرهابية، ومناقشة مبادئ طرحتها وزارة الخزانة الأمريكية وتتعلق ب " أعرف عميلك، وعميل عميلك" وفقاً لدرجة المخاطر، وكيفية معرفة العمليات المصرفية التي يمكن استغلالها وطريقة رصد العمليات المشبوهة أو غير الاعتيادية. وينعقد هذا المنتدى الذي يشترك فيه حشد كبير من ممثلي المصارف اللبنانية والعربية، في ظل ارتفاع وتيرة الاضطرابات الأمنية في كل من سورياوالعراق وانعكاس تداعياتها السلبية على لبنان، خصوصاً مع تطور تمويل العمليات الإرهابية والتي تشمل نشاط عدة منظمات أهمها داعش والنصرة وأخواتهما، إضافة إلى تركيز الإدارة الأمريكية مجدداً على تشديد العقوبات ضد "حزب الله" واستبعاده من النظام المالي الدولي ومحاصرة سبل تمويله، حتى أصبح ينظر إلى لبنان في معظم التقارير الدولية بأنه بلد يقع في وسط منطقة عالية المخاطر، لا سيما الأمنية منها والسياسية. وتبرز في هذا المجال أهمية القطاع المصرفي اللبناني الذي يشمل المصارف والمؤسسات المالية وشركات التأمين والصيرفة، وكلها تعمل في مناخ أعمال كذلك عالي المخاطر المالية والاقتصادية، فضلاً عن انتشار فروعه المصرفية في البلدان المجاورة مثل سوريا والأردن والعراق وتركيا، وقيامها بتحويلات مصرفية ونقل أموال، الأمر الذي أخضع كل هذه العمليات إلى شكوك تهددها ب "مخاطر السمعة" التي تتمثل أولا: بالأموال غير الشرعية الناتجة عن الجريمة المنظمة أو المرتبطة بها، وثانياً : تمويل الإرهاب داخل وخارج نطاق الدولة وسلطتها بغض النظر عن الأشكال التنظيمي للمجموعات المقصودة، مع العلم أن لبنان قد تجاوب مع المستجدات الدولية، وامتثل للإجراءات والمعايير التي فرضت عليه، وتأقلم معها مركزه المالي، وذلك كما فعلت مراكز ماليه عريقة مثل سويسرا ولوكسمبورغ والنمسا، لجهة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. تطبيق العقوبات أعطى القانون الصادر عن مجلس النواب الأمريكي وزارة الخزانة سلطة أكبر لملاحقة جميع المصارف في العالم ومنها المصارف المركزية، لجهة تطبيق العقوبات على حزب الله اللبناني والمؤسسات المالية التي تموله، وإذا كان هذا القانون قد خفض الضغط على القطاع المصرفي اللبناني، لكنه لم يبعد المخاطر عنه، وعلى الرغم من الارتياح الذي أعربت عنه الإدارة الأمريكية حول مدى التزام المصارف اللبنانية بالقوانين والتشريعات التي تمنع تبييض الاموال وتمويل الارهاب، فقد طلبت وزارة الخزانة من مصرف لبنان وجمعية المصارف اتخاذ المزيد من الحذر لتلافي أي مخاطر مستقبلية وتحسباً لأي عقوبات أو تضييق من أي نوع كان على القطاع المصرفي اللبناني. وفي إطار جولة على دول المنطقة قام بها مؤخراً وفد من وزارة الخزانة الأمريكية برئاسة نائب الوزير دانيال غلاينرز، زار لبنان وأجرى مع المسئولين في البنك المركزي وجمعية المصارف مباحثات حول مكافحة الجرائم المالية لجهة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وبرز خلالها رسالة تحذيريه للمصارف من العمليات المالية في العراق حيث تعمل هناك فروع لهذه المصارف، وأشارت صراحة إلى خطورة إيداع الأموال من قبل المنظمات المصنفة إرهابيه، لا سيما انتقال الأموال إلى داعش وغيرها، أما بالنسبة إلى موضوع العقوبات المفروضة على "حزب الله" فقد أكد غلاينرز أن هذه العقوبات مفروضة بقوانين، مشدداً على تطبيقها، وموضحاً بأنه لا يمكن ازالتها أو التخفيف منها إلا بموجب قوانين تصدر عن السلطات الامريكية والمؤسسات الدولية المعنية بهذه التشريعات الدولية. وجاء الرد على التحذير الأمريكي من مصدرين، الأول من جمعية مصارف لبنان وعلى لسان رئيسها الدكتور فرنسوا باسيل الذي أكد سلامة أداء القطاع المصرفي اللبناني، وحرص المصارف على التنبه إلى حركة الأموال سواء من العراق أو أي دولة في العالم، وأن لبنان "ملتزم المعايير الدولية وخطوات توخي الحذر" أما المصدر الثاني فكان البنك المركزي وعلى لسان حاكمه رياض سلامه الذي نفى وجود أي أموال لتنظيم "داعش" في القطاع المصرفي اللبناني، وموضحاً بأن مهمة مصرف لبنان إصدار التعاميم التي تؤمن منع دخول أموال غير شرعيه، ومن يخالف سيعاقب، مع تشديده على أن أي مصرف غير مستعد للتضحية بسمعته، مشيراً إلى "أن واشنطن تدرك أن دورة الأموال التي تمول داعش لا تمر بلبنان". عرقلة القوانين يعترف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بأن ثقة العالم باقتصاد لبنان وقطاعه المصرفي، وفرت له العوامل الايجابية التي ساعدته على تجنب الأزمات الإقليمية والدولية، ومواجهة تحدياتها وتداعيتها التي لا تزال مستمرة، خصوصاً وأن هذه "الثقة العالمية" جاءت في وقت يعاني فيه لبنان سلسلة من مخاطر أمنية وسياسية، لا سيما ما يتعلق منها بتطبيق عقوبات دولية على سوريا وايران، ومكافحة تمويل الارهاب، وحرصاً من الحكومة اللبنانية على هذه الثقة، أكدت الالتزام بها، وأقرت ثلاثة مشاريع قوانين أحالتها إلى مجلس النواب في العام 2012 للتصديق عليها تمهيداً لتنفيذها، وهي: تعديل القانون رقم 318 المتعلق بمكافحة تبييض الأموال، لجهة توسيع نطاقه كي يشمل معظم الجرائم المالية، بما فيه حماية الملكية الفكرية، وأن يشمل موجب التصريح فئات وقطاعات جديدة، وكذلك لجهة القضايا الاجرائية التي تجعل ممارسة هيئة التحقيق الخاصة لعملها أكثر فعالية، وتندرج معظم التعديلات في سياق الالتزام بمعايير مجموعة العمل المالي (غافي). تعديل مشروع قانون نقل الأموال عبر الحدود، بإضافة تعريف يشمل إلى الأموال النقدية، وسائل الدفع الأخرى القابلة للتداول كالإسناد التجارية والأوراق المالية ، (تفوق ال 15 الف دولار) ، والإفصاح عن ناقل الأموال وصاحبها ومستلمها وكذلك عن مصدرها ووسيلة النقل. وأكدت الحكومة في الأسباب الموجبة لهذا القانون الجديد ضرورة الانخراط الفعال في جهود المجتمع الدولي لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الارهاب ، وجعلته تلبية للتوصية التاسعة من توصيات "غافي" لجهة الاجراءات التي تتيح تعقب نقل الأموال النقدية عبر الحدود دخولا" وخروجا" .
مشروع قانون يتعلق بتبادل المعلومات الضريبية العائدة للتهرب الضريبي، ما يتيح انخراط وامتثال لبنان قانونا "لمعايير منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية والتي اعتمدتها"Tax Fraud "تفاديا" لأن تتخذ هذه المنظمة اجراءات عقابية ضد الدول التي تفتقر للشفافية الضريبية التي تمتنع عن تبادل مجموعة العشرين المعلومات عنها . وعندما طرحت مشاريع القوانين في لجنة الإدارة والعدل البرلمانية، تم تهريب النصاب مرات عدة في محاولة لتجميد البحث فيها، ولكن بعد ضغوط دولية وخصوصا" أمريكية وفرنسية ، تحركت اللجان المشتركة بناء لطلب رئيس مجلس النواب نبيه بري، وبعد مراجعات عدة من قبل جمعية مصارف لبنان التي طالبت بأن يتم إقرار تلك القوانين بأسرع وقت، تنفيذاً لالتزامات لبنان بتعهداته الدولية، خصوصا، وأنه لا يزال يتمتع بمزايا "السرية المصرفية" التي لم تعد متوفرة في أي بلد في العالم ، وحتى لا يضطر مكرها إلى التخلي عن هذا الامتياز تحت الضغوط الدولية. ولكن فريقاً من النواب دعم موقف حزب الله الذي اعتبر أن من درجات قانون نقل الأموال يشكل خطراً على سرية امتلاك الأموال ونقلها إلى الداخل والخارج ، كما أنها تتيح قاعدة معلومات عن من يتداول بالأموال النقدية، وتسريبها إلى جهات خارجية قد تستخدمها لأغراض لا علاقة لها بمكافحة تبييض الأموال . وتبرز أهمية موقف حزب الله، أنه يعتمد في كل معاملاته المالية على النقد ، ولا يستخدم اية وسائل مالية اخرى ، مثل الحوالات المصرفية ، او الشيكات ، او اية اداة مالية من الاليات المعتمدة في الاسواق، وبالتالي ، فأنه (اي الحزب) وإن كان قادرا" بنفوذه على إدخال أو إخراج الأموال النقدية حاليا" إلى البلد من دون رقابة ، إلا أنه لا يريد وجود قانون جاهز يمكن استخدامه في المستقبل لإعاقة حركة أمواله أو مراقبتها. إضافة إلى ذلك لفت بعض النواب أن "التحفظ" الذي كان لدى حزب الله حيال هذا القانون قد خف كثيراً، لأن الأموال لم تعد وقفاً عليه وأنصاره، وإنما بات الخوف يأتي من داعش والنصرة على السواء. وهكذا تعاني مشاريع القوانين الثلاثة من المماطلة في المناقشة وعرقلة اقرارها، بانتظار ردود فعل دولية قد يضطر لبنان بنتيجتها إلى الاعلان عن عجزه عن إقرار قانون نقل الأموال عبر الحدود، وهو قانون دولي يعمل به في معظم دول العالم.