مصر وجنوب السودان.. خطوات هامة نحو تعاون مثمر في مجال المياه    مش الأفضل في مصر.. إبراهيم سعيد يهاجم لاعب الزمالك زيزو    عاجل.. 16 شهيدا من عائلتين في غارات إسرائيلية على رفح    150 جنيهًا متوسط أسعار بيض شم النسيم اليوم الاثنين.. وهذه قيمة الدواجن    محمد عبده يعلن إصابته بمرض السرطان    البابا تواضروس : التحدي الكبير لكل الأسر المصرية هو كيفية مواجهة الشر والانتصار عليه    أقباط الأقصر يحتفلون بعيد القيامة المجيد على كورنيش النيل (فيديو)    الجرام يتجاوز ال3500 جنيه.. سعر الذهب والسبائك بالمصنعية اليوم في الصاغة بعد الارتفاع    بعد ارتفاعها.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الإثنين 6 مايو 2024 في المصانع والأسواق    تزامنا مع شم النسيم.. افتتاح ميدان "سينما ريكس" بالمنشية عقب تطويره    تخفيضات على التذاكر وشهادات المعاش بالدولار.. "الهجرة" تعلن مفاجأة سارة للمصريين بالخارج    شهداء بينهم أطفال في قصف للاحتلال على رفح    قادة الدول الإسلامية يدعون العالم لوقف الإبادة ضد الفلسطينيين    مئات ملايين الدولارات.. واشنطن تزيد ميزانية حماية المعابد اليهودية    ما المحذوفات التي أقرتها التعليم لطلاب الثانوية في مادتي التاريخ والجغرافيا؟    رضا عبد العال ينتقد جوزيه جوميز بعد خسارة الزمالك أمام سموحة    خالد مرتجي: مريم متولي لن تعود للأهلي نهائياً    مدحت شلبي يكشف تطورات جديدة في أزمة افشة مع كولر في الأهلي    ضبط طن دقيق وتحرير 61 محضرًا تموينيا لمحال ومخابز مخالفة بالإسماعيلية    من بلد واحدة.. أسماء مصابي حادث سيارة عمال اليومية بالصف    "كانت محملة عمال يومية".. انقلاب سيارة ربع نقل بالصف والحصيلة 13 مصاباً    برنامج مكثف لقوافل الدعوة المشتركة بين الأزهر والأوقاف والإفتاء في محافظات الجمهورية    فتحي عبدالوهاب يكشف عن إصابته في مسلسل «المداح»    الجمهور يغني أغنية "عمري معاك" مع أنغام خلال حفلها بدبي (صور)    وسيم السيسي: الأدلة العلمية لا تدعم رواية انشقاق البحر الأحمر للنبي موسى    هل يجوز تعدد النية فى الصلاة؟.. أمين الفتوى يُجيب -(فيديو)    أمير عزمي: خسارة الزمالك أمام سموحة تصيب اللاعبين بالإحباط.. وجوميز السبب    عاجل - انفجار ضخم يهز مخيم نور شمس شمال الضفة الغربية.. ماذا يحدث في فلسطين الآن؟    بعد عملية نوعية للقسام .. نزيف نتنياهو في "نستاريم" هل يعيد حساباته باجتياح رفح؟    يمن الحماقي ل قصواء الخلالي: مشروع رأس الحكمة قبلة حياة للاقتصاد المصري    كشف ملابسات العثور على جثة مجهولة الهوية بمصرف فى القناطر الخيرية    نقابة أطباء القاهرة: تسجيل 1582 مستشفى خاص ومركز طبي وعيادة بالقاهرة خلال عام    تصل ل9 أيام متواصلة.. عدد أيام إجازة عيد الأضحى 2024 في مصر للقطاعين العام والخاص    أستاذ اقتصاد ل قصواء الخلالي: تصنيف «فيتش» بشأن مصر له دور في تدفق الاستثمار    الأوقاف: تعليمات بعدم وضع اي صندوق تبرع بالمساجد دون علم الوزارة    أشرف أبو الهول ل«الشاهد»: مصر تكلفت 500 مليون دولار في إعمار غزة عام 2021    طاقم حكام مباراة بيراميدز وفيوتشر في الدوري    مصطفى عمار: «السرب» عمل فني ضخم يتناول عملية للقوات الجوية    بيج ياسمين: عندى ارتخاء فى صمامات القلب ونفسي أموت وأنا بتمرن    حظك اليوم برج الحوت الاثنين 6-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    رئيس البنك الأهلي: متمسكون باستمرار طارق مصطفى.. وإيقاف المستحقات لنهاية الموسم    الإفتاء: احترام خصوصيات الناس واجب شرعي وأخلاقي    تؤدي إلى الفشل الكلوي وارتفاع ضغط الدم.. الصحة تحذر من تناول الأسماك المملحة    عضو «المصرية للحساسية»: «الملانة» ترفع المناعة وتقلل من السرطانات    تعزيز صحة الأطفال من خلال تناول الفواكه.. فوائد غذائية لنموهم وتطورهم    إنفوجراف.. نصائح مهمة من نقابة الأطباء البيطريين عند شراء وتناول الفسيخ والرنجة    أسباب تسوس الأسنان وكيفية الوقاية منها    لفتة طيبة.. طلاب هندسة أسوان يطورون مسجد الكلية بدلا من حفل التخرج    المدينة الشبابية ببورسعيد تستضيف معسكر منتخب مصر الشابات لكرة اليد مواليد 2004    سعرها صادم.. ريا أبي راشد بإطلالة جريئة في أحدث ظهور    بإمكانيات خارقة حتدهشك تسريبات حول هاتف OnePlus Nord CE 4 Lite    إصابة 10 أشخاص في غارة جوية روسية على خاركيف شرق أوكرانيا    وزيرة الهجرة: 1.9 مليار دولار عوائد مبادرة سيارات المصريين بالخارج    إغلاق مناجم ذهب في النيجر بعد نفوق عشرات الحيوانات جراء مخلفات آبار تعدين    أمطار خفيفة على المدن الساحلية بالبحيرة    أمينة الفتوى: لا مانع شرعيا فى الاعتراف بالحب بين الولد والبنت    "العطاء بلا مقابل".. أمينة الفتوى تحدد صفات الحب الصادق بين الزوجين    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بالعقل يا أستاذ بلال..
نشر في المصريون يوم 19 - 10 - 2011

بعد مقالين مُثيرين له؛ كتب الأستاذ بلال فضل مقالًا ثالثًا بعنوان : ((طيب عاملوني كالكفار!!)) يُطالب فيه مخالفيه فيما ذهب إليه؛ بمعاملته بالأدب الذي أوصى الله به حتى في التعامل مع المخالف؛ وقد أصاب الأستاذ بلال طَرقِ هذا المبدأ لأنَّنا بالفعل في أشدِّ الحاجة إليه في هذه الأيام ؛ وقد كثر المجادلون وتعاظم المخالفون؛ لا أقول طبعًا بكُفر الأستاذ بلال حتى لا يُفهم من كلامي غير ذلك...
يقول الأستاذ بلال: [[وكتابنا الكريم يحفل بعشرات الآيات التى تقرر للمسلمين أن حقَّ الحكم على الإيمان وحق إدخال الجنة أو النار يملكه الله وحده الذى اختص نفسه بحق الفصل بين جميع الأديان والطوائف يوم القيامة، وهو ما بنى عليه العلماء الذين نقلتُ عنهم فهمهم لتعامل الله مع أهل الأديان الأخرى الذى يرتكز أساسا على هذه الآيات الثلاث «إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم» (البقرة-62). «إن الذين آمنوا، والذين هادوا، والصابئون، والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هو يحزنون» (المائدة-69). «إن الذين آمنوا والذين هادوا، والصابئين والنصارى والمجوس، والذين أشركوا، إن الله يفصل بينهم يوم القيامة» (الحج-17)]]
ويقول: [[قرأتُ أيضًا كلامًا منشورًا فى أحد المواقع الإلكترونية لم ينشر من نقلوه اسم قائله الذى يتهمنى بتحريف كتب العلماء، وأنا أنصح كاتبه بأن يعود إلى كتاب «القرآن والسلطان» للأستاذ فهمى هويدى ليعرف أن ما نشرته عن المرحوم محمد عبد الله دراز كان مأخوذًا بالنص مما نقله الأستاذ فهمى الذى استشهد ببضع فقرات مما قاله الدكتور دراز، ولا يعنى أنه لم يثبت كل كلامه أنه حرّفه، وإنما أخذ منه بمقدار حاجته إليه مثبتًا اسم المرجع لكى يعود إليه من يريد]].
وفي ضوء هذين النقلين دعني أُوضِّح لك هذا الأصل:
إنَّ أولى بديهيات الموضوعية حين نريد الوصول إلى حكم ما في مسألةٍ كبيرة أو صغيرة أن نَجمع النصوص الواردة فيها ؛ فإن كان بينها تعارُضٌ ظاهريٌّ اجتهدنا أن نوفِّق بين تلك النصوص على قدر استطاعتنا.. أما إن عمدنا في الحكم على مسألة إلى نصٍّ واحد أو جزءٍ من النصوص فأصدرنا الحكم من خلالها متجاهلين أو متناسين باقيها؛ فلابد من الوقوع في الخلل والاضطراب...وكم من فِرقةٍ ضلَّت وأضلَّت بسبب عدم انتباهها إلى هذا الأصل؛ فعلى سبيل المثال تجد الخوارج قد وصلوا إلى ما وصلوا إليه من تضليل المسلمين وتكفيرهم بسبب أنهم أخذوا الآيات والأحاديث التي تشهد في ظاهرها لحكمهم هذا؛ وتركوا سواها فأخذوا مثلًا قوله تعالى (( بلى من كسب سيئةً وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون )) وقوله تعالى : (( ومَن يعصِ الله ورسوله ويتعدَّ حدوده يدخله نارًا خالدًا فيها وله عذاب مهين )) واحتجوا كذلك بمثل قول النبي صلى الله عليه وسلَّم: (( لا يدخل الجنة قتَّات))؛ وقوله (( لا يدخل الجنة قاطع)) ونحوها ..فأدَّاهم هذا إلى تكفير مُرتكب المعصية المُصرّ عليها؛ وكفَّروا النمَّام وقاطع الرحم، وكفَّروا من لم يأمن جاره بوائقه..إلخ...
ولو أنَّهم نظروا بتمهُّلٍ وتدبُّر إلى قوله تعالى (( إنَّ الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لم يشاء)) ؛ لأدركوا أن الأمر على غير ما ذهبوا إليه...
أما المُرجئة فعمدوا إلى نصوصٍ أخرى نحو قول النبي صلى الله عليه وسلَّم (( من شهد أن لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله حرمه الله على النار))..؛ وقوله (( من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة)). ونحو ذلك؛ فحكموا لمن اقتصر على قول لا إله إلا الله بالإيمان والنجاة من النيران وإن لم يعمل خيرًا قطُّ!!!
والإسلام لم يجعل بين المُسلم وبين كتاب الله حاجزًا -كما يقول الأستاذ بلال- غير أنَّه من غير المعقولِ أن يُتركَ كتابُ الله – عزَّ وجلَّ – لِمَن لم يُحصِّل الحدَّ الأدنى من شروط الاجتهاد والتفسير؛ وإلا فما معنى أن يُخصِّص الله – عزَّ وجلَّ - الراسخين في العلم بقوله (( ..فأما الذين في قلوبهم زيغٌ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون ءامنا به كلٌّ من عند ربنَّا))..
ودعني كذلكَ أستاذي أستوضحكَ: أَمقالُك كلُّه مبنيٌّ على ما في كتاب الأستاذ فهمي هويدي؟ أم أنَّك راجعتَ كُتب العلماء الذين نقل عنهم الأستاذ فهمي لتتأكد هل هذا ما فهموه؛ وهل يقولون بمثل ما تقول؟ إن كنتَ قد اعتمدت فقط على ما يريد أن يقوله الأستاذ فهمي فقد أخطأت مرتين؛ أخطأتَ عندما لم تُمحِّص الأمر وتستوعب الأقوال كلها في المسألة وتعرف مُستند كل قول ومأخذه؛ وأخطأت مرَّة ثانية لأنَّك قلدتَ في دينكَ قول رجُلٍ وأزريتَ على ملايين حين ظننتَ أنهم لا يتعبدون إلا بما وجدوا عليه آباءهم!!! إن كنت لم ترجع إلى كُتب الإمام محمد عبده ؛ وكُتب فضيلة الشيخ محمد عبد الله دراز؛ فقد كفاكَ ذلك الأستاذ خالد المرسي – جزاه الله خيرًا – وأوضح لكَ ما يدينون الله به في هذه المسألة من خلال استقراء كلامهم؛ أما الموجود في النقول فهو انتقاءٌ ؛ وسواءٌ أكنتَ أنت من انتقيتَ أم كان الأستاذ فهمي فهو انتقاءٌ على طريقة ( لا تقربوا الصلاة)... فماذا يعني قولكَ أخذ منه بمقدار حاجته إليه؟!!
وفي ضوء هذا الأصل يمكننا أن نفهم المقصود بالآيات التي أوردتَها واسشهدتَ بها على ما تقول؛ وسأورد تعليقي في خمس نقاط:
أولًا: لابد من التفريق بين ما قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلَّم وما بعد بعثته؛ فقبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلَّم كفر مَن كفر من اليهود بسبب كُفرهم بعيسى عليه السلام؛ وبعد بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلَّم كفر من كفر من اليهود والنصارى وغيرهم بكُفرهم برسالة محمد صلى الله عليه وسلَّم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم : "والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمة؛ لا يهوديٌّ؛ ولا نصرانيٌّ؛ ثمَّ يموت ولم يؤمن بالذي أرسلتُ به إلا كان من أصحاب النار."...[ رواه أحمد ومسلم عن أبي هريرة؛ وبنحوه عند غيرهما عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما]...
فالذي سمع بالنبي صلى الله عليه وسلَّم ولم يؤمن به فالنبيُّ قال عنه كافرٌ كما في الحديث؛ والله – عز وجلَّ – قال عنه كافرٌ في القرآن بنص هذه الآية:
(( إن الذين يكفرون بالله ورسله ويُريدون أن يفرِّقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعضٍ ونكفرُ ببعض ويُريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلًا أولئك هم الكافرون حقًّا وأعتدنا للكافرين عذابًا أليمًا)).
وانظر معي يا من تريد حُكم الله ماذا سمَّاهم الله : أولئك هم الكافرون حقًّا.... يعني لم يُسمهم كافرين فحسب؛ وإنَّما استخدم أسلوبي القصر والتوكيد لتبيين مدى كفرهم...وانتبه كذلك إلى أنَّ الذي سمَّاهم (كافرين) هو الله وليس الشيخ (فلان) أو المُفسِّر (عِلان)...
وربَّما يقول قائل: نحنُ نتكلم عن أولئكَ الأعلام من عقلاء البشرية الذين خدموا الإنسانية ولم يسمعوا بالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم؛ أو سمعوا به على وجهٍ غير صحيح نتيجة للتشويه الإعلامي الذي يتعرض له الإسلام... والإجابة أنَّ هؤلاء يدخل حكمهم والكلام عنهم تحتَ مبحث (أهل الفترة) وهو مبحثٌ مشهور في كتب العقيدة عن أولئك الذين لم تَصلهم الرسالة ولم يسمعوا بالرسل؛ فلو تحدَّث عنهم الأستاذ بلال بوصفهم كذلكَ لوجدَ عشرات الآلاف من المتعاطفين معه المدافعين عن رأيه....
أمَّا من سَمِعَ بالرسول على وجهٍ صحيح، ولم يؤمن به؛ فلم يقل أحدٌ من العلماء ولا من المفسِّرين بإيمانه ؛ يقول الأستاذ بلال: [[شاء الله أن أجد عاقلا كالدكتور محمد على يوسف الذى كتب مقالا ضافيا يناقشنى فيه بكل أدب وعقل، وقد شكرته عليه وقلت له إننى انطلقت فى ما كتبته من آيات فى القرآن الكريم وتفسير بعض المفسرين لها وإننى أنتمى إلى مدرسة أخرى فى فهم عدل الله ورحمته، وأؤمن بأن رحمة الله بها متسع لجميع الاجتهادات]]
ونحن لا نريد منكَ إلا أن تذكر لنا أسماءَ هؤلاء ( البعض) من المفسرين الذين قالوا بأنَّ مَن سَمِع بالنبي على وجه صحيح ولم يؤمن به فقد يكون من المؤمنين.....
ثانيًا: في قصة عيسى عليه السلام مع قومه بسورة المائدة وردت هذه الآية: وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربَّكم إنه من يُشرك بالله فقد حرَّم الله عليه الجنة ومأواه النار؛ وما للظالمين من أنصار....))
فانظر هداني الله وإياك إلى قوله تعالى : ((إنه من يشرك بالله فقد حرَّم الله عليه الجنة ومأواه النار))؛ ومن أسباب الشرك بالله تأليه المسيح؛ وهو الوارد في سياق الآية.. وأعظم من هؤلاء جُرمًا الملاحدة الذين لا يؤمنون بالله أصلًا؛ وإنَّما يدَّعون – غباءً وجهلًا – أنَّ الحياة تطوَّرت من بعض المواد العضوية البسيطة يعني أول خلية حية خلقت نفسها باجتماع بعض المواد العضوية مصادفة!!!!!! ثمَّ تطوَّرت هذه الخلية الأم إلى كل صور الحياة التي نراها اليوم والتي تخبرنا بها الحفريات!!!!!!!!!!! تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا.... واتفقَّ قول هؤلاء الملاحدة على إنكار الغيبيات بما فيها اليوم الآخر ؛ ومعلومٌ أنَّ الإيمان باليوم الآخر أصل من أصول الإيمان لا تتم إلا به.
ثالثًا: في الصحيحين في الحديث المشهور عن عمر : "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينحكها فهجرته إلى ما هاجر إليه"..
وأخرج الإمام مسلم في صحيحه بسنده عن سليمان بن يسار قال: تفرق الناس عن أبي هريرة فقال له ناتل أهل الشام: أيها الشيخ حدثنا حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: نعم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتى به فعرفه نعمه فعرفها, قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت, قال: كذبت, ولكنك قاتلت لأن يقال جريء, فقد قيل, ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار, ورجل تعلم العلم, وعلمه, وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمه فعرفها, قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته, وقرأت فيك القرآن, قال: كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم, وقرأت القرآن ليقال هو قارئ, فقد قيل, ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار, ورجل وسع الله عليه, وأعطاه من أصناف المال كله فأتى به فعرفه نعمه فعرفها, قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك, قال: كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار).
والشاهد من الحديثين الأخيرين أنَّه لا يكفي إسلام المسلم وفعله الخيرات الظاهرة حتى نحكم عليه بأنه من أهل الجنة ؛ فرُبَّ عملٍ ظاهره عظيم؛ وباطنه رياءٌ...نسأل الله السلامة.. هذا مع المُسلم فكيفَ مع غير المسلم إن تنزلنا جدلًا أنَّ الحكم واحد؛ من أين لكَ أنَّ نيته في هذا العمل ابتغاء وجه الله الذي يعبده على طريقته؟!!!!
رابعًا: قال الله تعالى: ((ما كان للنبي والذين ءامنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبيَّن لهم أنهم أصحاب الجحيم؛ وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدةٍ وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه...)) وفي هذا المعنى آيات كثيرة وأحاديث؛ ومعلوم أنَّ سبب نزول هذه الآية هو قول النبي صلى الله عليه وسلَّم لعمه أبي طالب الذي مات كافرًا (( لأستغفرنَّ لك ما لم أُنهَ عنك)) يعني ما ينزل نهيٌ عن الاستغفار لك ؛ فنزلنت الآية الكريمة تنهاه عن الاستغفار لعمه الذي مات كافرًا ؛ مع العلم أنَّ عمه أبا طالب كان من أشدِّ المدافعين عن الدين وأكثر المدافعين والمنافحين عن النبي صلى الله عليه وسلَّم حتى أنَّ النبي صلى الله عليه وسلَّم سمَّى العام الذي مات فيه عمُّه هذا بعام الحزن.... ولو أردنا أن نذكر من كان لهم فضلٌ على النبي والمسلمين والإسلام كله فمؤكدٌ أنَّ أبا طالبٍ سيكون واحدًا منهم....
خامسًا: أمَّا عن الشبهة العقلية التي أوردها الأستاذ بلال عن عدل الله ورحمته؛ وكيف تُصدِّق أنَّ الله عادل وأنت تؤمن أن الله سيُدخل إلى النار شخصًا آمن به على طريقته..؛ فالردُّ العقلي عليها بأن أَضربَ لكَ هذا المثل؛ ولله المثل الأعلى: لو أنَّ مؤسسة إعلامية نزيهة عقدت مسابقة صحفية عن أفضل تحقيق صحفيٍّ في موضوع مُعيَّن ومُحدَّد؛ فاجتهدتَ أنت في عمل تحقيق صحفيٍّ على طريقتكَ في موضوعٍ آخر غير الموضوع المُحدَّد؛ غير مُلتزمٍ بالمعايير المهنية للتحقيقات الصحفية؛ فهل تطمعُ أن تكون من الفائزين بهذه الجائزة؟!! إن قلتَ نعم قلنا نعم!!!
أمَّا الردُّ الشرعيُّ على هذه الشبهة أنَّ الله – عزَّ وجلَّ – أخبرنا في كتابه بضوابط الإيمان والكُفر؛ وجعل للإيمان أركانًا؛ وسمَّى المُخلَّ بركنٍ من هذه الأركان (كافرًا) وتوعَّده بالوعيد المذكور في القرآن في عشرات الآيات؛ ومنه قوله تعالى (( إنَّ الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تُفتَّح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سمِّ الخياط )) وقوله (( ومن يكفر بالله ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيرًا))؛ فهل تظنُّ أنتَ بعد كلِّ هذا أنَّه من الإيمان اعتقاد غير ذلك؟!!!!
يقول الأستاذ بلال: [[وللأسف فقد تعرضت رغم ذلك لتكفير البعض الذين نسوا قول الله عز وجل «الله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض»، ونسوا أنه حتى عندما تأتى فى القرآن سيرة الذين يتربصون بالمؤمنين من المنافقين نجد الله يقول لنبيه «فالله يحكم بينكم يوم القيامة»، بل إنه قرر أنه الذى سيحكم بين النصارى واليهود فى ما كانوا فيه يختلفون من أمور العقيدة، انظر سورة آل عمران الآية 55 وسورة النحل الآية 124، فكيف سيكون الحال إذن مع ما يختلف فيه المسلمون من أمور العقيدة؟ هل يُعقل أن يجعلها الله ملكًا للمكفّرين والشتّامين الذين ينسون أن الله يذكّر نبيه بأن التوبة حق لله وحده «ليس لك من الأمر شىء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون. ولله ما فى السماوات وما فى الأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله غفور رحيم».]].ا.ه.
وهو كلام لا غبار عليه؛ فالله هو المطَّلع على النوايا ؛ وهو العليم بالسرائر والخبايا ؛ ولم يُوكل البواطن إلى الخلق؛ ولكنَّ هذا لا يعني أن أرى عملًا من أعمال الكفر أو أسمع قولًا من أقوال الكفر فلا أصفُه بالكفر... وقد فرَّق العلماء بين التكفير المُطلق وتكفير المُعيَّن؛ فمن الممكن أن أقول إن هذا القول كفرٌ ولا يعني بالضرورة أنَّ قائله كافر.. قال شيخ الإسلام –رحمه الله - في مجموع الفتاوى (3/230):"... وكنتُ أُبين لهم أنما نُقل لهم عن السلف والأئمة من إطلاق القول بتكفير من يقول كذا وكذا فهو أيضًا حقٌ, لكن يجب التفريق بين الإطلاق والتعيين وهذه أول مسألة تنازعت فيها الأمة من مسائل الأصول الكبار وهي مسألة (الوعيد)..."ا.ه. وقال –رحمه الله- مجموع الفتاوى (17/78): "...لأن الكفر حكم شرعي وإنما يثبت بالأدلة الشرعية..."ا.ه. وقال -رحمه الله- في مجموع الفتاوى (35/99): "...لكنَّ تكفير المُطلق لا يستلزم تكفير المُعين فإن بعض العلماء قد يتكلم في مسألة باجتهاده فيخطئ فيها فلا يُكفر وإن كان قد يُكفر من قال ذلك القول إذا قامت عليه الحجة المكفرة..."ا.ه.
وقال رحمه الله في رده على البكري(1/381):" فلهذا كان أهل العلم والسنة لا يُكفِّرون من خالفهم وإن كان ذلك المُخالف يُكفِّرهم؛ لأن الكفر حكم شرعي فليس للإنسان أن يُعاقب بمثله كمن كذب عليك وزنى بأهلك ليس لك أن تكذب عليه وتزني بأهله لأنَّ الكذب والزنا حرامٌ لحق الله.وكذلك التكفير حقٌّ لله فلا يكفر إلا من كفره الله ورسوله؛ وأيضاً فإن تكفير الشخص المعين وجواز قتله مَوقوفٌ على أن تبلغه الحجة النبوية التي يَكفرُ من خالفها؛ وإلا فليس كلُّ من جهل شيئًا من الدين يكفر..."ا.ه.
وقال – رحمه الله - في مجموع الفتاوى (12/501):" فليس لأحدٍ أن يُكفر أحدًا من المسلمين وإن أخطأ وغلِط حتى تقام عليه الحجة وتبين له المحجة.ومن ثبت إيمانه بيقين لم يَزُلْ ذلك عنه بالشك بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة"ا.ه.
أمَّا التحذير من المجازفة بتكفير المُعيَّن فقد ورد فيها وعيدٌ شديد ؛ فعن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يرمي رجلٌ رجلاً بالفسوق ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك".
ولذا قال الإمام ابن دقيق العيد رحمه الله في إحكام الأحكام (4/76): "وهذا وعيدٌ عظيمٌ لمن كفَّر أحداً من المسلمين وليس كذلك وهي ورطة عظيمة وقع فيها خلق كثير من المتكلمين ومن المنسوبين إلى السنة وأهل الحديث لمَّا اختلفوا في العقائد فغلظوا على مخالفيهم وحكموا بكفرهم وخرق حجاب الهيبة في ذلك جماعة من الحشوية وهذا الوعيد لاحق بهم إذا لم يكن خصومهم كذلك..."ا.ه.
وقال الامام الشوكاني رحمه الله في السيل الجرار (4/578):" اعلم أن الحكم على الرجل المسلم بخروجه من دين الإسلام ودخوله في الكفر لا ينبغي لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقدم عليه إلا ببرهان أوضح من شمس النهار فإنه قد ثبت في الأحاديث الصحيحة المروية من طريق جماعة من الصحابة (أن من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما) هكذا في الصحيح وفي لفظ آخر في الصحيحين وغيرهما (من دعا رجلا بالكفر أو قال عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه) أي: رجع وفي لفظ في الصحيح (فقد كفر أحدهما) ففي هذه الأحاديث وما ورد موردها أعظم زاجر وأكبر واعظ عن التسرع في التكفير..."ا.ه.
كذلك ينبغي التنبُّه إلى أنَّ التوقف في تكفير المعين يكون في الأشياء التي قد يخفى دليلها .
قال الشيخ محمد بن إبراهيم : " إن الذين توقفوا في تكفير المعين في الأشياء التي قد يخفى دليلها، فلا يكفر حتى تقوم عليه الحجة الرسالية من حيث الثبوت والدلالة... وأما ما عُلم بالضرورة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء به ، وخالفه – المعين – فهذا يكفر بمجرد ذلك ولا يحتاج إلى تعريف سواء بالأصول أو الفروع ما لم يكن حديث عهد بالإسلام"ا.ه .
أي: أنَّ شرط توفر الشروط وانتقاء الموانع ليس مطلقاً بل هو في المسائل التي يخفى علمها على مثل ذلك المعيَّن؛ لأن ما يُعلم بالضرورة أمرٌ نسبي, كما قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (13/118):" فكون الشيء معلومًا من الدين ضرورة أمرٌ إضافي فحديث العهد بالإسلام ومن نشأ ببادية بعيدة قد لا يعلم هذا بالكلية فضلاً عن كونه يعلمه بالضرورة وكثيرٌ من العلماء يعلم بالضرورة أن النبي سجد للسهو وقضى بالدية على العاقلة وقضى أنَّ الولد للفراش وغير ذلك مما يعلمه الخاصة بالضرورة وأكثر الناس لا يعلمه البتة"ا.ه.
وقال رحمه الله في درء التعارض (3/304): "وكذلك كون العلم ضرورياً ونظرياً والاعتقاد قطعياً وظنياً أمورٌ نسبية فقد يكون الشيء قطعياً عند شخصٍ وفي حالٍ وهو عند آخرٍ وفي حالٍ أخرى مجهول فضلاً عن أنْ يكون مظنوناً وقد يكون الشيء ضرورياً لشخصٍ وفي حالٍ ونظرياً لشخصٍ آخرَ وفي حالٍ أخرى"ا.ه.
وبعد كلِّ هذا فأحكام الكفر في الدنيا تجُرى على الظاهر. فمن أظهر الكفر قولًا أو فعلًا -وتوفرت فيه الشروط وانتفت الموانع- فإنه يُكَفَّرُ, وأما عن باطنه واعتقاده فعلمُه عند الله تعالى .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.