لايكاد يمر يوم على السودان حتى تتعقد فيه الأوضاع أكثر، و لقد دخلنا في هذا المارثون منذ أن بدأ مسلسل التدويل للنزاعات المحلية يأخذ وضعه في هذا البلد المنكوب..و في ذات الوقت تهتز الخارطة الجعرافية التي عرف بها الناس شكل أكبر بلد في أفريقيا، تهتز بشكل ينذر بانفجار قريب قد يحولها إلى بضع قطع صغيرة متناثرة على رقعة الهضبة الإفريقية!!. اتفاق (نيفاشا) الذي حمل السلام إلى الجنوب و أوقف أطول الحروب في التاريخ الحديث للعالم، حمل معه أيضاً نذيراً مؤكداً بانقسام الوطن إلى شطرين جنوبي و شمالي..مع ضياع كبير لاستحقاقات الشمالي الذي حمل عبء الحرب الطويلة التي أشعلها الأخر، و يحمل الآن عبء التعمير لخراب لم يكن هو المتسبب الرئيس فيه..و لكن كارثة (نيفاشا) الأعظم كانت على السيادة الوطنية نفسها.. ففد حملت نيفاشا - ضمن ما حملت من كوارث- جحافل عشرة آلاف من جنود الأممالمتحدة متعددي الجنسيات..يسرحون في شوارع الخرطوم جيئة و ذهاباً.. و قد اقتطعوا لأنفسهم شطر المطار الرئيسي في البلاد ملكاً خالصاً تحط عليها طائراتهم بغير رقيب و لا حسيب ، و بغير إذن من الدولة.. الأممالمتحدة صارت لها دولة في السودان، فهي تتصرف و تفعل كما تشاء.. تفتح المراكز الإعلامية، و تنشئ الإذاعات، و تروج للفساد، فقد أصبح من أحاديث المجالس، ما تفعله الأممالمتحدة من القيام بإخراج السكارى من السجون بعد دفع كفالاتهم المالية، و ما ينشئه موظفوها من مواخير الفساد السرية، و قد داهمت شرطة النظام العام في الشهور الماضية بيتاً للدعارة يديره إثنان من موظفي بعثة الأممالمتحدة بالسودان، و كان المنزل قد تم استئجاره على أنه من أجل عمل خاص بالأممالمتحدة. وفي دارفور التي أرهقتها الحرب بعثة عسكرية للاتحاد الإفريقي يبلغ قوامها سبعة آلاف، و هذه البعثة عجزت عن القيام بمهمتها في حفظ السلم في و مراقبة وقف إطلاق النار، بل صارت هي نفسها هدفاً لنيران المجموعات المسلحة التي تقاتل الحكومة في دارفور!!..و عجز الاتحاد الإفريقي عن توفير التموين، و العتاد لها، بعد أن أخلت الدول الغربية بالعهود التي كانت قد قطعتها على نفسها بتمويل البعثة.. و لعل ذلك الأخلال كان مقصوداً ليكون مدخلاً للحديث الذي فجر الأزمة بشكل جديد.. و هو إرسال قوات دولية إلى دارفور لتحل محل القوات الإفريقية العاجزة عن العمل!!..مما يعني أن قوات الأممالمتحدة ستكون قد انتشرت في كامل رقعة السودان عدا الشمال الأقصى قليل من الوسط!!..و هذا ما تحاول الحكومة السودانية دفعه بشتى السبل، و لكن بضعف شديد.. و يتوقع المراقبون أنها في نهاية الأمر لن تجد مناصاً عن القبول بدخول القوات الجديدة، كما قبلت بدخول القوات السابقة.. في الخرطوم أثارت صحيفة (المحرر) – ذات الخط الإسلامي- القضية من خلال ندوة بعنوان( القوات الأجنبية في السودان: رؤية سياسية و شرعية و قانونية) حظيت بحضور كثيف.. حيث أكد المتحدثون الأربعة- د. قطبي المهدي مستشار رئيس الجمهورية -السابق- للشؤون السياسية، و الأستاذ فتحي خليل نقيب المحامين، و الشيخ عبد الحي يوسف رئيس قسم الثقافة الإسلامية بجامعة الخرطوم، و الأستاذ صادق عبدالله عبدالماجد رئيس تحرير الصحيفة و المراقب العام للإخوان المسلمين، أكدوا على أن ما يتم في السودان اليوم من توافد كثيف للقوات الأجنبية هو احتلال لا ريب!!..و دعوا قطاعات الشعب و كياناته و هيئاته للتحرك من أجل أنقاذ حرية البلاد و سيادتها.. و قبل ذلك بأيام قليلة ثارت مناظرة على صفحات صحيفة (الحياة و الناس) حول التدخل الأجنبي و قوات الأممالمتحدة بين الشيخ محمد عبدالكريم الداعية الإسلامي المعروف، و بين د.زهير السراج – الكاتب الصحفي، و هو أحد الأقلام التي اتخذت في الآونة الأخيرة خط الدفاع و الترويج للتدخل الأجنبي في السودان..و هذا خط يبدو أن الأممالمتحدة قد اتجهت إلى تشجيعه في الوسط الإعلامي السوداني، خاصة أن موقف هذا الوسط منها- في غالبه- لم يكن موقف الترحيب. و في ظل ضعف الموقف الرسمي و تتردده ربما يتنامى الرفض الشعبي للوجود الأجنبي، و عندها سيتم التعامل معه على أساس أنه احتلال، و الله عز و جل وحده يعلم كيف ستمضي الأمور. [email protected]