الاثنين 3 يونيو 2024.. أسعار الحديد والأسمنت بالمصانع المحلية اليوم    سعر الدولار "محير" الجنيه في بداية التعاملات اليوم 3 يونيو 2024    سكرتير عام البحيرة يبحث مدى إمكانية الاستفادة من أصول مصنع التغذية المدرسية بالبحيرة    وزير النقل يترأس الجمعيات العامة العادية ل4 شركات تابعة للقابضة للنقل البحرى والبرى    تباين مؤشرات البورصة في بداية تعاملات الإثنين    المرشد الأعلى الإيراني: «طوفان الأقصى» معجزة وضعت إسرائيل على طريق ينتهي بزوالها    الجيش الإسرائيلي: اعتراض صاروخ أرض-أرض تم إطلاقه من منطقة البحر الأحمر    تعرف على متى تفتح العمرة بعد الحج ومدة صلاحية التأشيرة لعام 2024    بعد رفضه عرض القادسية.. الأهلي يستقر على تجديد عقد محمد الشناوي    ماس كهربائي.. تفاصيل نشوب حريق داخل شقة في العمرانية    طقس الإسكندرية.. انخفاض طفيف في درجات الحرارة وارتفاع نسبة الرطوبة    كوريا الجنوبية تتولى الرئاسة الدورية لمجلس الأمن خلال شهر يونيو    رئيس جهاز القاهرة الجديدة يتفقد مشروعات سكن مصر ودار مصر وجنة    بعد 7 سنوات.. أتلتيكو مدريد ينفي محاولة التعاقد مع صلاح    جدول مباريات اليوم.. وديتان في أول أيام الأجندة الدولية    عاشور يؤكد ضرورة تحقيق التكامل داخل منظومة التعليم المصرية    فيضانات ودرجات حرارة تتخطى ال50 فى سريلانكا والهند تتسبب فى مصرع العشرات    انتداب المعمل الجنائى لفحص حريق مصنع منظفات فى البدرشين    أونروا: أكثر من مليون شخص نزحوا قسرا من رفح الفلسطينية    أول تعليق من التعليم على زيادة مصروفات المدارس الخاصة بنسبة 100 ٪    وصول مدير حملة أحمد طنطاوي إلى المحكمة للمعارضة على حكم حبسه    محمد الشناوي يحرس عرين منتخب مصر أمام بوركينا فاسو في تصفيات المونديال    رئيس البعثة الطبية للحج: جاهزون لاستقبال الحجاج.. وفيديوهات إرشادية للتوعية    كشف غموض العثور على طفل مقتول داخل حظيرة «مواشي» بالشرقية    السكة الحديد تعدل تركيب عدد من القطارات وامتداد أخرى لمحطة القاهرة    محمد الشناوي يرفض عرض القادسية السعودي    مخرجة «رفعت عيني للسما»: نعمل في الوقت الحالي على مشاريع فنية أخرى    مدينة الدواء المصرية توقع شراكة استراتيجية مع شركة أبوت الأمريكية    خلال يومين.. الكشف وتوفير العلاج ل1600 مواطن ببني سويف    5 فصول من مواهب أوبرا دمنهور في أمسية فنية متنوعة    استشهاد 12 فلسطينيا في غارات إسرائيلية على خان يونس ورفح    شرف عظيم إني شاركت في مسلسل رأفت الهجان..أبرز تصريحات أحمد ماهر في برنامج "واحد من الناس"    الأنبا فيلوباتير يناقش مع كهنة إيبارشية أبوقرقاص ترتيبات الخدمة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 3-6-2024    الرئيس الأوكرانى يعلن افتتاح سفارة بلاده فى مانيلا خلال 2024    بالفيديو.. أول تعليق من شقيق المفقود السعودي في القاهرة على آخر صور التقطت لشقيقه    سيدة تشنق نفسها بحبل لإصابتها بأزمة نفسية بسوهاج    كيفية حصول نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 بني سويف    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الاثنين 3 يونيو    أمين سر خطة النواب: أرقام الموازنة العامة أظهرت عدم التزام واحد بمبدأ الشفافية    أحداث شهدها الوسط الفني خلال ال24 ساعة الماضية.. شائعة مرض وحريق وحادث    متحدث الوزراء: الاستعانة ب 50 ألف معلم سنويا لسد العجز    أفشة يكشف عن الهدف الذي غير حياته    أفشة: هدف القاضية ظلمني.. وأمتلك الكثير من البطولات    أفشة: أنا مظلوم من ناس كثيرة في الملعب.. والأهلي مش بيقف على أي لاعب    محمد الباز ل«بين السطور»: «المتحدة» لديها مهمة في عمق الأمن القومي المصري    فضل صيام العشر الأوائل من ذي الحجة وفقا لما جاء في الكتاب والسنة النبوية    «رئاسة الحرمين» توضح أهم الأعمال المستحبة للحجاج عند دخول المسجد الحرام    وزير الصحة: تكليف مباشر من الرئيس السيسي لعلاج الأشقاء الفلسطينيين    إنفوجراف.. مشاركة وزير العمل في اجتماعِ المجموعةِ العربية لمؤتمر جنيف    مقتل شخص وإصابة 24 فى إطلاق نار بولاية أوهايو الأمريكية    مصرع 5 أشخاص وإصابة 14 آخرين في حادث تصادم سيارتين بقنا    تنخفض لأقل سعر.. أسعار الذهب والسبائك بالمصنعية اليوم الإثنين 3 يونيو بالصاغة    الإفتاء تكشف عن تحذير النبي من استباحة أعراض الناس: من أشنع الذنوب إثمًا    دعاء في جوف الليل: اللهم افتح علينا من خزائن فضلك ورحمتك ما تثبت به الإيمان في قلوبنا    الفنان أحمد ماهر ينهار من البكاء بسبب نجله محمد (فيديو)    إصابة أمير المصري أثناء تصوير فيلم «Giant» العالمي (تفاصيل)    حالة عصبية نادرة.. سيدة تتذكر تفاصيل حياتها حتى وهي جنين في بطن أمها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قبل أن ينهدم المعبد على رؤوس الجميع‏‏–حسن نافعة
نشر في المصريون يوم 16 - 10 - 2011

خطير جداً ما حدث فى ماسبيرو يوم الأحد الماضى، والأخطر منه عدم الإدراك الصحيح لدلالاته ولما يتعين القيام به لاحتواء تبعاته وتصفية آثاره، فقد وقع ما كنا نتصوره من قبل أمراً مستحيلاً: صدام بين الجيش ومتظاهرين أقباط راح ضحيته 24 قتيلاً و217 مصاباً، جميعهم من الأقباط، حسب تقديرات وزارة الصحة، بخلاف الضحايا من الجيش، لم يتم الإعلان عن عددهم.
وقد أدى هذا الحدث الدامى، شئنا أم أبينا، إلى وضع الجيش فى بؤرة اتهام مزدوج: استخدام مفرط للقوة ضد مواطنين عزل أثناء ممارستهم حقهم الطبيعى فى التظاهر السلمى، وممارسة سلوك يحمل فى طياته شبهة تمييز طائفى ضد الأقباط. ولأن الجيش هو العمود الفقرى للدولة المصرية فمن شأن اتهامات من هذا النوع أن تخصم ليس فقط من الرصيد الوطنى للجيش، وهو كبير فعلاً، بل من دعائم الدولة نفسها أيضاً.
فاتهام الجيش بارتكاب مجزرة ضد مواطنين عزل يشوه صورته السائدة حالياً، كراع للثورة وحاميها، ويظهره كأنه امتداد طبيعى لأجهزة أمن النظام القديم، واتهامه باستهداف الأقباط يخصم من رصيده كمؤسسة كانت، ولاتزال، تشكل بوتقة الصهر الرئيسية لوطنية مصرية لم تعرف التفرقة يوماً بين المسلمين والمسيحيين. ولأن الجيش هو المؤسسة الوحيدة التى ظلت صامدة ومتماسكة فى دولة نخر فيها سوس الفساد والاستبداد لحقب طويلة فإن الاهتزاز الفعلى لصورته قد يُحدث شرخاً كبيراً فى صلب البناء الاجتماعى، ويضعف من قدرة الدولة على الحفاظ على تماسكها على المدى الطويل.
لذا من الطبيعى أن نعتبر الجرح الذى أصاب مصر فى ذلك اليوم الحزين من تاريخها الطويل هو من العمق بحيث لن يفيد معه أى علاج بالمسكنات، وأصبحت الحاجة ماسة إلى جراحة دقيقة ومعقدة. لكن قبل إجراء الجراحة ربما يكون من الضرورى إعادة تأهيل المريض، بمكاشفته أولاً بحقيقة ما أصابه، وبالمضاعفات التى قد تنجم عن ترك الجرح الغائر ينزف هكذا لفترة طويلة، وبتدريبه على التعود على أنظمة تمهيدية للتغذية والعلاج وربما إعادة تأهيله نفسياً أيضاً، لكن لا يوجد حتى الآن للأسف ما يشير من قريب أو بعيد إلى أن صناع القرار قد استوعبوا بدقة كل الحقائق المتعلقة بالمرض والمريض، ومن هنا شعورى بقلق عميق كان من الطبيعى أن يزداد اتساعاً وعمقاً عقب المؤتمر الصحفى الذى عقده المجلس الأعلى للقوات المسلحة، فقد طُرحت خلال هذا المؤتمر رواية رسمية عن أحداث الأحد الدامى، أقل ما يقال فيها أنها غير مقنعة بالمرة، يمكن تلخيص ملامحها الأساسية على النحو التالى:
1 التأكيد على أن بعض المتظاهرين كانوا يحملون معهم سنجاً وسيوفاً وعصياً، بل زجاجات مولوتوف أيضاً، مما يدل على أن هناك من أراد للمظاهرة ألا تكون سلمية، وعلى أن المتظاهرين المسلحين بهذه الأدوات هم الذين بدأوا الاعتداء على الجيش، وصعدوا عرباته، وقاموا بضرب الجنود وإلقاء الحجارة فوق رؤوسهم.
2 استبعاد أى احتمال لقيام الجيش بإطلاق النار فى أى لحظة، وذلك لعدة أسباب أهمها: أ أن عناصر الجيش المكلفة بتأمين مبنى التليفزيون مسلحة بمعدات مقاومة الشغب وبعض ذخائر الفشنك. ب غير مصرح لها بحمل ذخائر حية. ج لديها تعليمات صريحة بالالتزام بأقصى درجات ضبط النفس. ولأن سلاح القوات المسلحة يختلف عن غيره من التسليح، ويُستخدم للقتل وليس للتأمين، فلو سمح باستخدامه لأصبحت العواقب وخيمة وربما كارثية.
3 التأكيد على أن عملية «الدهس» التى حدثت لبعض المتظاهرين تحت مدرعات الجيش لم تكن «ممنهجة»، «لأن الجيش المصرى لا يرتكب مثل هذه التصرفات الوحشية حتى مع العدو».
4 التأكيد على وجود شهداء وجرحى بين صفوف القوات المسلحة لم، وربما لن، يعلن عنهم «حرصاً على الروح المعنوية للقوات المسلحة، ولتجنب إثارة أى نوع من الحزازيات».
5 لم يتأكد المجلس بعد من هوية الأشخاص أو الجهات التى قامت بإطلاق النيران أمام ماسبيرو، لكنه يؤكد أن «هناك من قام بإطلاق النيران على الطرفين».
ومع تقديرى الكامل لمصدر هذه الرواية إلا أنها تنطوى على ثغرات كثيرة، ولا تجيب عن كل الأسئلة، وتفتقر من ثم إلى القدرة على الإقناع، وليست هذه وجهة نظرى الشخصية وإنما هى وجهة نظر أغلبية من أتاحت لى الظروف أن أتحدث معهم حول هذا الموضوع خلال الأيام القليلة الماضية، سواء كانوا من المواطنين العاديين أو من النخبة.
ورغم استبعادى التام لاحتمال أن تكون قيادات عليا فى الجيش قد أعطت أوامر باستخدام العنف الممنهج ضد المتظاهرين الأقباط، فإن الحرص على عدم الكشف عن أخطاء وقعت فيها القوة المكلفة بتأمين مبنى التليفزيون ربما تسبب فيها الهلع الذى أحدثه إطلاق النار من مصادر تعمدت إثارة الفتنة، وعدم تقديم تفسير مقنع لعملية الدهس التى تمت بواسطة مركبات تابعة للجيش أفقدا الرواية الرسمية مصداقيتها تماماً. لذا يتعين الاعتراف من حيث المبدأ بأن الطريقة التى أديرت بها أزمة ماسبيرو انطوت على أخطاء فادحة يتحمل الجيش مسؤوليتها كاملة، فلا يحتاج الأمر إلى تحقيق من أى نوع للتأكيد على أن عملية إدارة الأزمة شابها قصور استخباراتى، وسوء تقدير للموقف، وارتباك واضح، وعدم انضباط، هذا مع افتراض حسن النية الكامل.
ولأن هذا الحدث الجلل يختلف نوعياً عن كل ما سبقه من حوادث طائفية، بما فى ذلك تلك التى وقعت بعد الثورة وهى كثيرة، فسوف يكون من غير المقبول إطلاقاً، بل من الخطورة بمكان، التعامل معه وفقاً لنفس المنطق أو النهج الذى اعتاده المجلس حتى الآن، ومن قبله النظام المخلوع، فى التعامل مع هذا النوع من الأحداث. فهناك دماء غزيرة سالت، وكانت تلك هى المرة الأولى التى يوضع فيها الجيش المصرى فى مواجهة مسلحة مع مواطنين لأسباب سياسية، فما بالك إذا كانوا أقباطاً فى الوقت نفسه.
لكل ما تقدم أعتقد أن على المجلس الأعلى للقوات المسلحة أن يشرع على الفور فى اتخاذ سلسلة من الإجراءات قصيرة الأجل، فى مقدمتها تشكيل لجنة تحقيق مستقلة من عناصر قضائية مشهود لها بالكفاءة لمعرفة ما جرى فى ماسبيرو، وتوقيع أقصى العقوبات على الذين تسببوا فى ارتكاب هذه المجزرة، وكذلك إجراءات طويلة الأمد تستهدف إعادة تصحيح المسار.
وفى هذا السياق ربما يكون من المفيد وقبل أن يشرع المجلس فى وضع خطة طويلة الأجل للخروج من الأزمة الراهنة أن يكلف مجموعة من الباحثين الوطنيين المتخصصين المشهود لهم بالكفاءة للقيام بدراسة تستهدف إجراء تقييم علمى شامل لمجمل ما طرأ من تحولات فى مصر بعد الثورة، وفى كل المجالات الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، على أمل استخلاص:
أ الدروس المستفادة من الأخطاء التى وقعت فيها إدارة المرحلة الانتقالية حتى الآن.
ب النتائج المتوقعة لما قد تسفر عنه الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة إذا استمرت إدارة ما تبقى من المرحلة الانتقالية بنفس النهج الحالى. ج ملامح النهج الجديد المطلوب للخروج من الأزمة الراهنة ولإدارة ما تبقى من المرحلة الانتقالية.
ودون استباق ما قد تسفر عنه هذه الدراسة المحتملة من نتائج فإننى على يقين تام بأنها ستخلص، ضمن أشياء أخرى كثيرة، إلى:
1 وقوع أخطاء جسيمة حتى الآن فى عملية إدارة المرحلة الانتقالية، كان من أهمها: البدء بتشكيل لجنة لتعديل الدستور بدلاً من هيئة تأسيسية لكتابة دستور جديد، ورفض إشراك مؤسسات المجتمع المدنى فى تحمل مسؤولية إدارتها.
2 قد تؤدى إدارة ما تبقى من المرحلة الانتقالية بنفس النهج الحالى إلى تسليم البلاد فى نهاية المطاف إما إلى فلول الحزب الوطنى، أو الجماعات الدينية المتطرفة، أو فتح الباب أمام انقلاب عسكرى قد تشجع عليه دول خارجية عديدة وتدعمه قوى وتيارات محلية باحثة عن الاستقرار.
3 وجود حاجة ماسة لتغيير النهج المستخدم حالياً وإصلاح ما ارتكب من أخطاء حتى الآن، وهو ما يتطلب تقصير ما تبقى من المرحلة الانتقالية إلى أدنى حد ممكن، مع الحرص فى الوقت نفسه على اتخاذ إجراءات تكفل تنظيف المكان قبل الشروع فى إرساء القواعد الأساسية للنظام الجديد.
علينا أن ندرك أن «الربيع العربى» يتيح أمام الشعوب العربية فرصاً حقيقية وهائلة لوضع حد لنظم الفساد والاستبداد التى خيمت عليها طويلاً لكنه يضع أمامها تحديات ويثير مخاطر عديدة ربما كان أشدها فتكاً مخاطر إعادة تقسيم العالم العربى على أسس طائفية. وهناك مخططات جاهزة تعمل بوضوح على هذا الملف منذ فترة، وترى فى المراحل الانتقالية التى تعقب الربيع العربى فرصتها الكبرى للدفع فى اتجاه هذا التقسيم.
كما علينا ألا نقلل أبداً من أهمية وخطورة شبكات المصالح الداخلية والخارجية التى تتربص بمصر ولا تستبعدها من مخططات التقسيم وتأجيج الصراعات الطائفية. لذا أشفق كثيراً على الجيش المصرى، وأهيب به ألا يقبل الاستمرار فى تحمل مسؤولية ما تبقى من مرحلة انتقالية منفرداً، فالشعب سيعتبره المسؤول الأساسى عن إجهاض الثورة إن هو أدار ما تبقى من المرحلة الانتقالية بطريقة تفضى إلى تسليم السلطة إلى فلول النظام السابق، أو إلى عناصر دينية متطرفة، أو تمهد الطريق لانقلاب عسكرى. فعندها قد يبدأ المعبد فى الانهيار فوق رؤوس الجميع. حفظ الله مصر قوية، وشعبها موحداً ومتماسكاً.
نقلا عن المصرى اليوم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.