بنبرة محتدة يصف أحد سكان منطقة الغورية الأثرية بمدينة القاهرة تذمره من تعامل الجهات المسؤولة مع الحريق الذي اشتعل يوم الخميس الرابع من أبريل من العام الجاري في مصنع للزيوت، واستمر لثماني ساعات، ونتج عنه خسائر ما زال حصرها مستمرًا حتى اللحظة. سيارات الإطفاء لم تستطع الوصول إلى موقع الحريق نظرًا لضيق الشوارع، مما جعل رجال الدفاع المدني يقومون بمد خراطيم الإطفاء، واستخدام صنابير المياه، فعلى الرغم من الأهمية الأثرية لمنطقة الغورية، فإنها لا توجد بها وحدة إطفاء تساهم في إمكانية الوصول لمواقع الحرائق حال حدوثها. لكن يبدو أن ذلك لا يزعج الحكومة المصرية، فعلى مدار السنوات السابقة حدثت عدة حرائق دمرت أماكن أثرية وثقافية، قيمتها لا تقدر بثمن، في هذا التقرير رصد موقع "ساسة بوست" تفاصيل هذه الحرائق كالتالى :- 1-دار الأوبرا احترقت فتحولت ل «جراج» كلمات لخصت ما شعرت به مغنية الأوبرا العالمية الراحلة رتيبة الحفني، تجاه القرار الذي نفذته الحكومة المصرية بإقامة جراج للسيارات بدلًا من مبنى دار الأوبرا الخديوية الذي احترق يوم 28 أكتوبر عام 1971. حتى يومنا هذا لا توجد إجابة موحدة لسبب الحريق، الذي أعلن رسميًا إنه ماس كهربائي، لكن العديد من الذين عاصروا الحريق نفوا ذلك في مقدمتهم صالح عبدون آخر مدير لدار الأوبرا القديمة، الذي وصفه بأنه "حريق سياسي"، ويقصد بذلك أن هناك بعض الأشخاص أرادوا إحراج الرئيس آنذاك أنور السادات بلعبة شبه حريق القاهرة ولكن على نطاق أصغر. إذا ما سرنا في اتجاه أن الحريق مدبر فسنجد عدة شواهد يذكرها لنا جابر البلتاجي نائب المدير السابق لدار الأوبرا الخديوية تؤكد ذلك، فقبل أربعة أيام من اشتعال الحريق اختفت النوتة الأصلية لأوبرا عايدة والتي كتبها مؤلفها الإيطالي "جوزيبي فيردي" بخط يده، السرقة لم تقف عند هذا الحد بل امتدت إلى الملابس التي كان يرتديها الفنانون العالميون أثناء تقديم عروضهم على مسرح الأوبرا. يوم أسود في مسيرة الثقافة المصرية" هكذا يصف البعض اليوم الذي التهمت فيه النيران مبنى الأوبرا القديمة، ففي الساعة الرابعة فجرًا استيقظ الجندي التابع لنقطة الدفاع المدني والذي كان يقيم بشكل دائم في الدار على صوت "فرقعة" فخرج ليجد النار تمسك بجوانب المسرح، ليذهب أحد الحراس إلى نقطة الدفاع المدني والواقعة بالقرب من الأوبرا القديمة ليطلب نجدتهم لكنهم رفضوا الذهاب معه بحجة أنه ليس هناك بلاغ رسمي وصل إليهم. المشهد لم يخلُ من بعض المضحكات المبكيات حيث قام العاملين بالأوبرا بمحاولة لإنقاذ البيانو الرئيسي عن طريق إلقائه من الدور الثاني، وكان ذلك مصير معظم الأجهزة الموسيقية الأخرى، والتي أطربت مسامع المصريين في مئات الحفلات. الخسارة الأكبر من الحريق الدمار الذي لحق بالمبنى المصمم من الخشب، ولم ينج من الحريق سوى تمثالا "الرخاء" و"نهضة الفنون" اللذان صممهما الفنان المصري محمد حسن، في حين التهمت النيران نوتات مئات الأوبرات والسيمفونيات، التي لا تقدر بثمن. استمدت الأوبرا القديمة قيمتها الأثرية من الحدث الذي أنشأت بمناسبته حيث أمر الخديوي إسماعيل ببنائها بمناسبة افتتاح قناة السويس عام 1869، واعتزم أن يدعو إلى الاحتفال عددًا كبيرًا من ملوك وملكات أوروبا، وبُنيت في ستة أشهر بعد أن وضع تصميمها مهندسان من إيطاليا، وكانت تتسع ل 850 شخصًا. 2- لعنة النيران تصل للمسرح القومي عندما أنشأ الخديوي إسماعيل دار الأوبرا القديمة عام 1869 بنى بجوارها مبنى خصصه للمسرح الكوميدي الفرنسي “فرانسيز” وتأسس في ذلك المبنى فيما بعد أول مسرح مصري أطلق عليه اسم "المسرح القومي". بعد مرور قرابة السبعة وثلاثين سنة على حريق دار الأوبرا، اشتعلت النيران في المسرح القومي المصري الواقع في منطقة الأزبكية بالقاهرة، تحديدًا في مساء يوم 27 سبتمبر عام 2008 أمسكت النيران بستائر المسرح لتمتد بعد ذلك إلى بقية أركانه، مشعلة حريقًا امتد لساعتين. رغم تأمين المسرح بنظام متكامل للحماية من الحرائق، يشتمل على أجهزة إنذار ومكتشفات حريق موزعة ما بين أرضيات المسرح وجدرانه، إلا أن كل هذا لم يجد نفعًا، مما يكشف عن درجة كبيرة من الإهمال تتواجد في الأماكن الحيوية، وتجعلها غير مستبعدة من وقوع حوادث مشابهة في المستقبل. ماس كهربائي؛ كالعادة لم يختلف تفسير الجهات الرسمية لسبب الحريق، الذي امتد ليحرق جزءًا كبيرًا من المسرح الرئيسي، وبعض الغرف، ونتج عنه انفجار أجهزة التكييف وسقوطها على الديكورات الخشبية. في ديسمبر 2014 أعيد افتتاح المسرح القومي المصري بحضور رئيس الوزراء إبراهيم محلب ووزير الثقافة جابر عصفور، بعد ترميمه بتكلفة مالية بلغت قرابة 104 مليون جنيه مصري. 3-الحريق يلتهم تاريخ مصر السياسي جميع ما سبق خسرته مصر في الحريق الذي اشتعل في مجلس الشورى عصر يوم الثلاثاء 19 أغسطس 2008 واستمر لأكثر من 16 ساعة منذ بدء اندلاع الحريق في الطابق العلوي وانتقاله إلى الطابق الأسفل، وثم امتداده إلى مبنى إداري مجاور يفصل بين مبنى مجلس الشورى ومبنى مجلس الشعب. الخسائر المادية كانت لها قيمة أثرية كبيرة فقد أحرقت النيران قاعة الدستور التي شهدت مولد دستور 1923 ويزيد عمرها على 150 عامًا، بالإضافة إلى قاعة الشورى التي شهدت محاكمة القائد العسكري أحمد عرابي بعد هزيمة الثورة العرابية سنة 1882 وهي القاعة التي كانت تعقد فيها جلسات المجلس. ساهم في زيادة الخسائر أنه في الساعات الأولى لاشتعال الحريق لم تعمل سوى عدد ضئيل من خراطيم المياه وكان أغلبها في مستوى الأرض، فوجهت معظم المياه إلى الجدران الخارجية ولم تصل إلى الداخل حيث كانت تحترق الدعامات والأرضيات الخشبية. التصريحات الحكومية الرسمية أرجعت سبب اشتعال الحريق إلى حدوث ماس كهربائي. أصدر محمد حسني مبارك رئيس الجمهورية آنذاك قرارًا جمهوريًا نص على ترميم وصيانة مجلس الشورى، ليتم افتتاحه مرة أخرى في 22 نوفمبر من عام 2009. 4-حريق المجمع العلمي: من الجاني؟ المعتاد عندما تقع الحرائق أن يُنشر الخبر بعد وقوعها، لكن ما حدث في حريق المجمع العلمي المصري بالقاهرة في 16 ديسمبر 2011 هو العكس، فقد انتشرت على وسائل الإعلام قبل وقوع الحريق أنباء عن اشتعال النيران، مما يفتح باب التساؤلات عن الجناة الحقيقيين. كان ذلك رد أحمد الشرقاوي نائب رئيس تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط على مندوب وزارة الداخلية الذي طلب منه نشر خبر عن وقوع حريق بالمجمع قبل وقوعه بخمس ساعات، لافتًا النظر إلى أن ما حدث يدعونا لمعرفة من هو الطرف الثالث، الذي ألصقت به تهمة إشعال الحريق. لكن السلطات الرسمية المصرية حتى اليوم ما زالت تؤكد على أن من أشعل النيران في المجمع العلمي هم المتظاهرون، لكن في الجبهة الحكومية يوجد من يعارض هذا الرأي ويحمل الدولة المسؤولية، في مقدمتهم مدير المجمع العلمي الذي يتساءل عن الموقف الغامض لغياب الجيش عن إنقاذ الموقف بالرغم من موقعه أمام المجمع، بالإضافة إلى تواجد عربات الإطفاء المسؤولة عن تأمين مجلسي الشعب والشورى بجواره وعدم تحركها لإنقاذه من الحريق. قضى الحريق على أغلب محتويات المجمع، ولم ينج سوى قرابة خمس وعشرين ألف وثيقة، من مجموع الوثائق البالغ قرابة المائتي ألف وثيقة، ضمت مخطوطات وكتبًا أثرية وخرائط نادرة، من أهم ما فيها إحدى النسخ الأصلية لكتاب وصف مصر، ومخطوطاته التي يزيد عمرها على مائتي عام. قامت القوات المسلحة المصرية فيما بعد بترميم المبنى، بتكلفة بلغت قرابة الستة ملايين جنيه، ليتم افتتاحه في أكتوبر عام 2012، ولكن عميد كلية الآثار بجامعة القاهرة وصف ما حدث بأنه عملية بناء وليس ترميم، أدت في النهاية إلى ضياع قيمة الأثر، وتبدل ملامحه وطرازه المعماري الأصيل، وحذر من أن استمرار هذه المنهجية الحكومية ستؤدي في النهاية إلى هدم معالم الوطن. ربما في نهاية التقرير نستطيع أن نتفهم لماذا تنوي منظمة "اليونسكو" إخراج القاهرة من قائمتها للتراث العالمي وإعلانها في عام 2014 عن إعطاء الحكومة المصرية مهلة عامين لإصلاح أوضاع آثارها، وإذا لم تنجح في ذلك فإن القاهرة ستنتقل إلى قائمة "الآثار المهددة".