في شهر اكتوبر من عام 1994 ، عقدت الجامعة الأمريكية بالقاهرة ، ندوة تحت لافتة "مناقشة أدب النوبة" ! ولأول مرة نسمع كلاما عن ضرورة التدخل الأجنبي ل"انقاذ الثقافة النوبية" ! الكلام صدر داخل القاعة التي شهدت الندوة من الأديبين "إدريس على و حجاج أدول" اللذين ينتميان إلى أصول نوبية ! كان لافتا أنذك أن الندوة وكلام أدريس وحجاج ، جاءا عشية الاعلان و كما ورد بعد ذلك في الأهرام يوم 3111994 عن ترحيل سائح أمريكي يدعى "سام فورتين" ادعى أنه "ملك النوبة" ! وأوردت الأهرام زعمه بأنه "سليل ملوك النوبة" و قوله "إنه قرأ تاريخ الأجداد و حضر إلى أسوان لتسلم الحكم وتنصيبه ملكا على بلاد النوبة القديمة و أن لديه خطة لتعميرها و انه معه من الأموال لاعادة مجد بلاد النوبة القديمة"! التزامن بين الحدثين : ندوة الجامعة الأمريكية ، وظهور "الملك النوبي" الأمريكي ، و الحديث عن "ثقافة النوبة" و المطالبة بالتدخل الأجنبي لانقاذها من قبل مصريين ، ثم الكلام عن "مجد النوبة" القديم ، و الحديث عن "توافر الأموال لاعادة تعميرها" و تسليمها ل"مالكها" الأصلي " سام " الأمريكاني .. لم يكن هذا التزامن مصادفة .. فنحن كما يقول يوسف إدريس "لانؤمن بالصدفة في السياسة". و أذكر أني كتبت مقالا في صحيفة الشعب في 8111994 ، محذرا مما حدث ، خاصة و أن السودان الملاصق لمصر كانت "الحرب الأهلية" فيه قد بدأت أيضا بمثل ذات الادعاء بأن السودان ليس واحدا و انما "جنوب " و "شمال" و لكليهما ثقافته الخاصة و المغايرة ، و أن ثقافة الأول تتعرض للاضطهاد و التطهير من الثاني . حجاج أدول شارك في مؤتمر اقباط المهجر الأخير الذي عقد في واشنطن ما بين 16 19 نوفمبر الماضي ، و قال فيه للأمريكيين طبعا إن أبناء النوبة يتم ابادتهم في مصر و يتعرضون لعمليات تطهير عرقي ! و في تقديري أن أدول هو مشروع مستنسخ من مايكل منير و موريس صادق و عادلي أبادير . الفرق فقط في أن الأول لم تخدمه الظروف الدولية التي كانت سائدة في منتصف تسعينيات القرن الماضي ، بينما نجح قادة اقباط المهجر من المتطرفين و الطائفيين في توظيف الظروف الدولية الضاغطة على النظام المصري لابتزازه و ابتزاز المسلمين جميعا . أدوال و منير و صادق و ابادير وكل من على شاكلتهم ليس لديهم مشاريع سياسية هم فقط "سماسرة سياسة" يستغلون الأوضاع الدولية بحثا عن "مجد سياسي" و زعامات زائفة ، فهل كان يصدق مايكل منير مثلا بأنه سيستقبل في مصر استقبال الزعماء و الفاتحين الكبار و يستقبله كبار المسئولين السياسيين و الأمنيين بالدولة؟! الغريب في الأمر أن ظاهرة "أدول مايكل" ، يجري الرد عليها بعصبية بعيدة كل البعد عن مس أصل الأزمة و بشكل استسهالي يخدم "الاستبداد السياسي" في الداخل من جهة و يخدم سماسرة السياسة في الخارج من جهة أخرى . ظاهرة " أدول أقباط المهجر" هي وليدة غياب الديمقراطية في إدارة شئون البلاد و العباد ، فالاستبداد و الديكتاتورية ، سيجعل أي كلام عن "الاضطهاد "و"التطهير" العرقي مصدقا حتى لو كان كذبا و غير موجود .. فأي كلام سيقوله مايكل منير أو حجاج أدول سيكون مصدقا لدى الغرب لأن في مصر نظاما غير ديمقراطي .. يتوقع منه الغرب تعديه على الحقوق العامة ، و لو كان الأمر غير ذلك.. ما كان لمثل هؤلاء "السماسرة" قيمة و لاوزن .. ندعو الله تعالى أن ينير القلوب و العقول المظلمة [email protected]