كثيرة هى جرائم "وزارة الداخلية" فى النظام البائد , فقد مارست القتل والتعذيب والإهانة فى السجون والمعتقلات , والدواوين الشرطية , وغُرف "جُهنَم" السرية داخل مقار جهاز مباحث أمن الدولة المنحل, وغير ذلك تولت الوزارة "مهام" وأدوار غريبة وبعيدة عن "دورها الأصلى" الذى هو حفظ الأمن وتوفير الآمان لعموم المواطنين , بحيث صارت تتدخل فى كل شئ تقريبا بشتى مناحى حياة المصريين .. من هذه "المهام" الغريبة , تنظيم وإدارة الحج إلى بيت الله الحرام , بالنسبة لحجاج القُرعة , وتولى شئون البعثة الرسمية للحج والإشراف عليها ,بحيث تحول موسم الحج إلى "سبوبة" لبعض جنرالات وضباط الداخلية "المحظوظين" يُدر عليهم عشرات الآلاف من الدولارات سنويا , وللإنصاف فإن وزارات وهيئات أخرى غير الداخلية , تتشارك فى السبوبة,وهذا ليس موضوعنا الآن على كل حال. هذه الجرائم والممارسات ,وتعدُد المهام والأدوار, كانت وراء وقوع المقرات الشرطية والأمنية فريسة لحرائق ونيران الغضب الشعبى , وانهيار الوزارة وهزيمة قواتها شرَ هزيمة يوم 28 يناير , رغم كل ما تمتلكه من عتاد وتراث قمعى, كان مَضرِباً للأمثال, وذا شهرة عالمية , بحيث أن الولاياتالمتحدةالأمريكية كانت ترسل إلينا الإسلاميين والمشتبه بهم فى القيام بأعمال إرهابية , كى ننتزع منهم الاعترافات , بما تملكه أجهزتنا الأمنية من جرأة على انتهاك الآدمية وخبرات فى التعذيب, تراكمت عبر السنين . الملفت للانتباه بشدة هو أن "وزارة الداخلية" نجحت فى تشييد ما يمكن أن نُسميه "كتيبة الإعدام الإعلامى", وهى "تنظيم علنى", يكاد يكون معروف الأعضاء إلا قليلاً , ويضم عدداً كبيراً من الزملاء المحررين الصحفيين, وبعض كبار الكُتَاب ورؤساء التحرير, من مختلف التوجهات, ويضم أيضا المًشتاقين ل"رضا" الداخلية وأمن الدولة , وهذا "الرضا" كانت تتم ترجمته إلى الكثير من المنافع والعطايا و النفوذ , والمناصب القيادية الصحفية القومية والحزبية , وتقديم البرامج التلفزيونية بالفضائيات ,سواء كانت حكومية أو خاصة, وتولى إدارة مكاتب الصحف والفضائيات العربية والأجنبية بالقاهرة . على أن أغرب هذه العطايا والمنافع , هو تسفير غالبية المندوبين المعتمدين بوزارة الداخلية للصحف الحكومية والخاصة والحزبية ,والفضائيات , سنوياً إلى الأراضى الحجازية المقدسة لتأدية فريضة الحج على نفقة الوزارة , مع الإقامة والسفر بالدرجات السياحية المعتبرة , بالإضافة ل "مصروف جيب" ل"الحاج" يبدأ من 10 آلاف دولار, ويرتفع هذا "المصروف" للمحررين القدامى ,والكُتَاب ورؤساء التحرير و من على شاكلتهم , يسافر هؤلاء جميعاً, تحت مُسمى تغطية رحلة "بعثة الحج" الرسمية التى تتولاها وزارة الداخلية .. وبينما يعانى حُجاج البعثة الرسمية الأمَرًين فى الخدمة والإقامة والمعاملة , وإهمالاً من جنرالات وضباط الداخلية المشرفين على البعثة , الذين يتفرغون للتسوق وشئونهم الخاصة واستضافة أقاربهم ومعارفهم ..فإنه رغم كل هذه المعاناة , فإن صُحفًنا وفضائياتنا ووسائل إعلامنا , عن بكرة أبيها , تظل يوميا تشيد كذباً وزوراً وبُهتاناً بالمجهودات العظيمة والخارقة التى تبذلها الوزارة , وجنرالاتها ,فى خدمة الحجيج والسهر على راحتهم . تحدث هذه المهزلة سنويا ,وربما تتكرر هذا العام ونحن على أبواب موسم الحج , وهذا رغم أن قانون الصحافة ( مادة 30),تمنع تماما على الصحفى أو الصحيفة الحصول على أى إعانات أو امتيازات حكومية , كما أن المادة الثالثة بذات القانون تؤكد على "ستقلال" الصحفى والصحيفة , ومثل هذه المعانى منصوص عليها أيضا بقانون نقابة الصحفيين ,وميثاق الشرف الصحفى, ولنا أن نتساءل.. كيف للصحفى أن يكون مستقلا ومحايدا , وهو يتقاضى مثل هذه "الرشوة" المٌشينة, ناهيك عن "حُرمة" مثل هذا الحج , إذ أنه من بديهيات العمل الإعلامى عموماً , أن تتكفل "الجهة الإعلامية" بنفقات ومصروفات وبدلات ومكافآت مندوبها الصحفى أوالإذاعى أو التلفزيونى , وذلك كى تضمن استقلاله وحيادية التغطية الإعلامية التى يقوم بها , ضماناً لتدفق "المعلومات"وصحتها وعدم تلوينها والتلاعب بها , فهى حق القارئ أو المستمع أو المُشاهد , وإلا فهل يتصور عاقل أن يسافر الصحفى أو الكاتب أو مراسل التلفزيون ل"الحج" على نفقة "وزارة الداخلية" , ويحصل منها على هذه الآلاف من الدولارات , ثم ينتقد إهمالها فى الحج , أو جرائم ضباطها فى التعذيب والقتل , وما شابه ؟ إذا عدنا ل"كتيبة الإعدام الأمنى" فقد كانت تُدار بمعرفة "أمن الدولة" ويتم تسخيرها للقتال الإعلامى إلى جانب "النظام" دفاعا عنه فى معاركه مع معارضيه , كذبا وتلفيقا وتشويها للحقائق , فإذا كانت المعركة حول ضحايا التجاوزات الشرطية تعذيبا أو قتلاً ,أو غيره , فإن إدارة الكتيبة وتوجيها تنتقل إلى الإدارة العامة للعلاقات العامة بالوزارة , إذ ينطلق "الحُجاج" أعضاء كتيبة الإعدام الإعلامى , بلا رحمة ولا شفقة تدبيجاً لمقالات وفبركةً لأخبار وإعصار من الأكاذيب والضلالات لا يتوقف تشويها و"إعداما" جديدا للمُعَذًب أو القتيل الذى تم ترحيله أصلا للعالم الآخر بيد الشرطة , حتى إن أحدهم وصف خالد سعيد بأنه "شهيد البانجو", وأن شقيقه تخلى عن جنسيته المصرية وديانته الإسلامية واعتنق اليهودية وتزوج من يهودية . وحتى لو كان صحيحا – وهو ليس كذلك- فهل يبرر ذلك قتل خالد ؟!.. إذ أن أسرة المجنى عليه , لا تسلم من الجلد الإعلامى والتشويه والسب والشتم وإلصاق كل النقائص بهم , وبمن يمُت لهم بصلة , حتى أنهم يعضون بنان الندم لأنهم ارتكبوا خطيئة العمر بأن طلبوا محاسبة الشرطى "الجانى" بالقانون , ولا أُبالغ إذا قلت إنهم يتمنون الموت بدلا من ذلك "التعذيب الإعلامى" الذى يتم فيه تسخير أكثرية وسائل الإعلام المعارضة منها قبل الحكومية , ويظل أعضاء الكتيبة مُتَصدرين المشهد الإعلامى , شارحين ومحللين بما يمتلكون من خبرات ومهارات عالية فى الكذب والتضليل وتزييف الوعى, كيف أن "الضحية" هو الجانى وان رجال الشرطة "المتهمين" أبرياء و ملائكة أطهار. وقد تكررت هذه المشاهد الهزلية أيضاً مع حالة القاهرى الناجى من الموت "عماد الكبير" سائق الميكروباص الذى عذبوه وأهانوه وأذلوه مع تصويره وترويج "كليب" التعذيب والإذلال لكى يكون عبرة لغيره . إن استرجاع المشهد الإعلامى المصاحب لقضيتى خالد سعيد وعماد الكبير أشهر حالتى تعذيب قبل الثورة , يكفى للوقوف على حجم "الدور المشبوه" الذى تلعبه "كتيبة الإعدام" هذه فى الانتصار للجلادين على حساب دماء الضحايا , وهذا إلى جانب ما يقومون به داخل الصحف من الحراسة المشددة لمنع نشر أى أخبار سلبية عن مخالفات او جرائم رجال الداخلية .. وحتى لا "ترجع ريمة لعادتها القديمة" , فإنه من الضرورى تفكيك تلك الكتيبة الإعلامية المشبوهة , ويلزم أن تقوم بها إدارات الصحف ب"تبديل" مندوبيها لدى وزارة الداخلية بآخرين من ذوى السمعة الحسنة والولاء للمهنة ,وكذلك الحال بالوسائل الإعلامية الأخرى ,كما يتطلب الأمر أن تقوم نقابة الصحفيين المصريين بمحاسبة أعضائها ممن ينتسبون لتلك الكتيبة . ونتوقع من المشير محمد حسين طنطاوى رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة ,و اللواء منصور العيسوى وزير الداخلية , المبادرة إلى فتح هذا الملف ومحاسبة المسؤلين عنه, الذين يُهدِرون ملايين الدولارات من المال العام سنويا على هؤلاء المنتفعين دون وجه حق, كون المنافع التى يحصل عليها "أعضاء الكتيبة" ,وهم من فلول النظام على كل حال, هى من قبيل "الكسب غير المشروع"' بما يستوجب على الجهاز المختص مباشرة مهامه لاسترداد هذه الملايين ممن حصلوا عليها ظلماً للشعب وعدواناً عليه, ومحاسبة جنرالات الداخلية المتورطين.. وإنا لمنتظرون. (كاتب صحفى) [email protected]