تاريخ جهاز امن الدولة المصري وإن شئت فسمه جهاز أمن النظام في عام 1913 وفي ظل الاحتلال الانكليزي لمصر تم إنشاء جهاز للأمن السياسي، لتتبع الوطنيين والقضاء على مقاومتهم للاحتلال، سمي "قسم المخصوص" ، ويعد أقدم جهاز من نوعه في الشرق الأوسط. وقد استعان الانكليز في إنشائه ببعض ضباط البوليس المصري، وتولى ادارته لأول مرة اللواء سليم زكي حكمدار القاهرة، الذي كان مقرباً من المحتل. وبعد توقيع معاهدة 1936 تشكلت إدارتان للقلم السياسي، واحدة للقاهرة والأخرى للاسكندرية، بالاضافة إلى 'قسم مخصوص' يتبع السراي مباشرة، ويرأسه قائد البوليس الملكي، ولم يكن لوزارة الداخلية أية ولاية على هذا القسم، حيث كان قائده يتلقى أوامره مباشرة من الملك. وعلى الرغم من التغيرات الجذرية العميقة التي قامت بها ثورة 23 يوليو في شتى مناحي الحياة المصرية، إلا أنه، وهو الأمر المذهل، ظل كثيراً من آليات عمل القلم المخصوص مستمرة، واعتنقها الجهاز النظير الذي أقامته حكومة الثورة في أغسطس 1952 تحت اسم 'المباحث العامة'، ثم أعاد أنور السادات بعد انفراده بالحكم تسميته 'بمباحث أمن الدولة'، ثم تغيرت لافتته إلى ' قطاع مباحث أمن الدولة'، وأخيراً سمى 'جهاز أمن الدولة'. ظلت وظيفة ومهام رجل أمن الدولة من دون تغيير يذكر في كل العصور واستمرت آليات عمله من دون تغيير يذكر، اللهم إلا إضافة المزيد من الصلاحيات والسلطات والتغول على كل مؤسسات الدولة، انتقاصاً من حقوق المواطنين وانتهاكاً لحرياتهم الأساسية. وفي كل مرة كان يجرى تغيير اسم جهاز القمع السياسي لمحاولة غسل سمعته السيئة، غير أنه في كل مرة ظل وارثاً أميناً لفظائع وجرائم سلفه، حيث تنتقل إليه ملفات سلفه المتعلقة بالمعارضين وتصنيفاتهم، ليعتنق الكثير مما حوته هذه الملفات من آراء وتقارير وتقييمات ويسير على هديها وبالأحرى ضلالها. والمقطوع به في الممارسة العملية أن كافة أجهزة وقطاعات الشرطة تخضع لهيمنة أمن الدولة، وتقوم على خدمة سياساته وتوجهاته. وصار تقليداً معتمداً في الدولة المصرية أن قيادات أمن الدولة عندما تنهي عملها اللاإنسانى بجهاز أمن الدولة تنتقل لتولى مناصب سياسية مهمة كوزراء ومحافظين ورؤساء هيئات ومصالح حكومية. فقد تولى وزارة الداخلية من أبناء جهاز أمن الدولة اللواء عبد العظيم فهمى، وممدوح سالم ( وزيراً للداخلية ثم رئيسا للوزراء) وسيد فهمي، وحسن أبوباشا، وأحمد رشدي، وحبيب العادلي. إن نجاح ثورة الخامس والعشرين من يناير مرهون في جانب كبير منه، في التخلص من جهاز أمن الدولة الفاجر، الذي استحل حرمات المواطنين وحرياتهم من دون مساءلة لعقود طويلة. ولن يجدي تغيير مسماه أو استبدال لافتته ، فالفساد والعفن ضرب بأطنابه فيه، بما لا يجدي معه ترقيع أو إصلاح . أنشئ الجهاز، بهدف حماية الأمن المصري، ومحاربة الإرهاب والتطرف وكل ما يهدد الأمن المصري. لكن في الحقيقة فإن هذا الجهاز ما هو إلا جهاز قمعي إنشيى لحماية النظام الديكتاتوري، وعمله الأساسي هو إضعاف المعارضة السياسية بكل أشكالها، وحماية النظام السياسي القائم. كما أنه يمتلك الكثير من الصلاحيات، ويعتبر الضباط العاملين به - في نظام حسني مبارك البائد - كانوا فوق القانون فلا سلطان للقضاء أو النيابة العامة عليهم. كما أن العاملين في جهاز مباحث أمن الدولة يرشح بعضهم للمناصب الأمنية في مصر كرئاسة وزارة الداخلية بالإضافة إلى أن ضباط مباحث أمن الدولة يتمتعون بمميزات مادية ومعنوية عن غيرهم من ضباط الشرطة، هذا بالإضافة استغلال معظم الذين كانوا يعملون بهذا الجهاز القذر السيء السمعة لنفوذهم وسطوتهم في القيام بشتى أنواع الفساد من تجارة في المخدرات، والأسلحة ، وهم أكبر مافيا للأراضي التعذيب في أمن الدولة التعذيب أمر منهجي في هذا الجهاز القمعي ، وكل مكاتب أمن الدولة بها أماكن وأدوات للتعذيب ولا تخضع لأي تفتيش أو رقابة، وربما يصل التعذيب إلى حد القتل - كما حصل مع سيد بلال ، وخالد سعيد والمئات من معتقلي هذا الجهاز، لقد قام هذا الجهاز الإجرامي بالآف من عمليات القتل والتعذيب وهتك الأعراض على مدى العقود الماضية وقد ذكر المئات من المعتقلين السابقين من قبل جهاز أمن الدولة حدوث تجاوزات شديدة بحقهم، من إهانات وضرب، واعتداءات جنسية وصعق بالكهرباء وإطفاء السجائر في جميع أنحاء الجسد وخصوصا المناطق الحساسة، الضغط على المعتقلين ليعترفوا بأشياء لم يرتكبوها. أكدت هذه الأخبار أن التعذيب يستخدم بشكل أساسي وعلى نطاق واسع كل المعتقلين الخارجين من السجون ومن تحقيقات أمن الدولة مما يجعل من الصعب تكذيبها نظرا للسمعة السيئة التي يتمتع بها الجهاز في مصر وباقي أجهزة الشرطة المصرية المشهورة بتعذيب وإهانة المواطنين. ومن المعروف ان مؤسس مباحث امن الدوله هو اللواء صلاح دسوقي الششتاوي محافظ القاهره الاسبق والساعد الايمن لجمال عبد الناصر داخل جهاز الشرطه هو أحد المسببات الرئيسية للثورة، سنوات طويلة قُهر فيها المصريين.. شباب في عمر الزهور اختفى في غياهب معتقلاته.. آباء حرموا من رؤية فلذات أكبادهم يكبرون أمامهم، ومنهم من قضى نحبه بداخله.. وأمهات لم يبقى لهن إلا الدموع بعد أن فقدن أبناءهن. إنه جهاز أمن الدولة، الذي مايزال الثوار يضغطون لحله، إلا ان المجلس الأعلى للقوات المسلحة، القائم على إدارة شئون أم الدنيا، بعد تخلي رئيسها السابق حسني مبارك عن الحكم، لم يستجب للمطالبات بحل هذا الجهاز الذي روع المصريين وزرع في قلوبهم ونفوسهم الخوف، إنما احدث عملية تغيير في القيادات التتي تقوم على إدارة شئونه.. حتى يتم محو السمعة السيئة التي التصقت به باستمرار، بسبب ثبات وظيفة ضباط مباحث أمن الدولة في القمع السياسي والانتقاص من حقوق المواطنين وانتهاك حرياتهم. وبالنسبة للشؤون الداخلية بالجهاز، فلم تطرأ عليها ايه تغيرات، سوى زيادة توغله وسيطرته على باقي أجهزة الدولة، حتى باتت الشرطة تخدم جهاز أمن الدولة وتتبعه، وحينما تنتهى قيادات جهاز أمن الدولة من منصبها، تنتقل لتتولى مواقع كبرى في الدولة كتولي حقيبة الداخلية، مثل اللواءات عبد العظيم فهمي، وممدوح سالم، وسيد فهمى، وحسن أبوباشا، وأحمد رشدي، وحبيب العادلي، وجميعهم من خريجي مدرسة جهاز أمن الدولة. الكثير ممن ساقتهم أقدارهم ليقضوا جزأً من حياتهم، داخل جدران معتقلات هذا الجهاز، رووا عن تجاوزات وانتهاكات، يشيب لها الولدان، من إهانات وضرب وتعذيب وصعق بالكهرباء في جميع أنحاء الجسد، وخصوصاً المناطق الحساسة للضغط على المعتقلين، ليقروا بما يريده الجهاز. ومن بين وقائع التعذيب التي تعرض أفراد الجماعات الإسلامية لها على مدار سنوات سجنهم، يروى أحد المعتقلين كيف أن أحد ضباط أمن الدولة ويدعى ''خالد . د '' كان يجبره وزملائه على الطواف حول صورة كبيرة للرئيس السابق حسني مبارك تم تعليقها في فناء السجن، بذات الطريقة التي يطوف بها زوار بيت الله الحرام الكعبة وهم يرددون عبارة ''لبيك حسني مبارك''!!. وحول الجدل الدائر حول إلغاء جهاز أمن الدولة تماماً أو تغيير جميع القيادات الفاسدة به، أنا مع ضرورة إبقاء جهاز أمن الدولة، مع اقتصار دوره على تأمين الجبهة الداخلية بشكل أساسي ضد الإرهاب، أما المهام التنفيذية من حيث إجراءات القبض والتحقيقات فتتولى شئونها الشرطة فقط. و ضرورة وجود جهاز أمن الدولة، ولكن يجب أن يكون على النمط الموجود فى كل دول العالم فيكون اختصاصه فقط هو الحد من الجرائم التي تهدد أمن الدولة من الداخل، وليس انتهاك الحريات والتجسس على حياة الأفراد الخاصة وعدم احترام حقوق الإنسان، و أنه لابد من التغيير الكامل للجهاز وقياداته. خرجت معلومات من وزارة الداخلية مفادها أن هناك تفكيراً لتحويل جهاز مباحث أمن الدولة إلي جهاز معلومات.. ولم يتم اذاعة تفاصيل عن هذا الموضوع الذي يثير بعض الأسئلة. ما هو نوع المعلومات التي سيجمعها هذا الجهاز بمفهومه الجديد.. وهل هي معلومات عن أشخاص أم عن جماعات أو عن هيئات ونقابات أو غير ذلك؟هل تتناول هذه المعلومات الميول السياسية أو الاتجاهات الفكرية؟ وهل تتعلق بأمن الدولة الداخلي أم الخارجي؟ وإذا كانت تتعلق بالأمن الداخلي هل ستكون لصالح رئيس الدولة أو لصالح الحكومة التي تمثل الحزب الحاكم؟!ثم ما هي الجهة التي ستقدم إليها هذه المعلومات؟! هل ستقدم إلي وزير الداخلية في الحكومة التي ستكون موجودة في ذلك الوقت أم إلي رئيس الحكومة أو أي جهة أخري؟وهل معني تحويل هذا الجهاز الخطير المرعب إلي جهاز معلومات أنه لن يوفد رجالاً من قبله للقبض علي بعض الأشخاص المناوئين فكرياً أو سياسياً أو تنظيمياً ولن يتم التحقيق بواسطته معهم؟ أم أن جهاز المباحث العامة هو الذي سيتولي هذه المهام بعد تقديم المعلومات إليه؟! أم أن جهاز الأمن العام سيكون له دور بدلاً من جهاز أمن الدولة. هناك غموض شديد حول هذا الموضوع ولابد من توضيح وافي لمصير هذا الجهاز الذي وصفته بأنه خطير ومرعب لأنه كان يكفي أن يقال إن فلاناً أخذوه إلي جهاز أمن الدولة فهذا يعني أنه ذهب وراء الشمس وأن مصيره لا يعلمه إلا الله.. فيكفي أن يوضع هذا الشخص في غرفة شبه مظلمة منفرداً لفترة طويلة دون أن يسأله أحد وقد تعصب عيناه طوال هذه المدة لتحطيمه نفسياً قبل مواجهته بما هو متهم به ناهيك عن عمليات تعذيب لاستخلاص اعترافات قد تكون غير صحيحة. هذا التصور عن جهاز أمن الدولة لا يمنعني أن أقول إنني أعرف عدداً من أفراده بحكم ولا أنكر أنهم يتمتعون بذوق جم وخلق رفيع ودبلوماسية ناعمة ولا ينسون أن يبادروك بالتهنئة في الأعياد والمناسبات المختلفة. ويهمني أن أؤكد بهذه المناسبة أن أحداً من هؤلاء الرجال الذين ينتمون إلي هذا الجهاز لم يطلب مني يوماً ما معلومة معينة ولم يسألني سؤالاً موجهاً توجيهاً أمنياً أو سياسياً أو يطلب مني الكتابة في موضوع معين. ناهيك أن أخلاقي ومبادئي لا تسمح لي بتقديم معلومة من تلقاء نفسي بل كانت ومازالت علاقة احترام متبادل. لاشك أن اختفاء هذا الجهاز بوضعه الحالي من حياتنا أصبح أمراً حتمياً.. لأن سمعته تركت أثراً سيئاً في نفوس جميع المواطنين.. وهو - في رأيي - امتداد لجهاز البوليس السري الذي كان قائماً في العهد الملكي. وكان من مهام هذا الجهاز تصفية الناس معنوياً وأدبياً وجسدياً. هناك سؤال يلح علي خاطري قبل أن أختم هذا المقال: هل مازال جهاز أمن الدولة ناشطاً حتي الآن ويمارس دوره المعروف؟!