"لن نحضر مؤتمري القاهرةوموسكو خلال أبريل (نيسان) المقبل".. كان هذا واحداً من القرارات التي خرجت عن الهيئة العامة للائتلاف السوري المعارض في اجتماعها الأخير في مدينة اسطنبول التركية. الائتلاف بهذه الصيغة التي سوّق بها قراره، لم يوضح أن الجهتين الداعيتين للمؤتمرين(القاهرةوموسكو) اللذان يعول عليهما إيجاد أرضية للحوار بين النظام والمعارضة السورية لإنهاء الأزمة المندلعة منذ مارس2011، كان لهما موقف سابق مماثل في الجولتين الأوليتين من المؤتمرين اللذين عقدا خلال شهر يناير/كانون ثان الماضي، وهو عدم توجيه الدعوة لمؤسسة الائتلاف، وتوجيهها لأشخاص محددين من المؤسسة اختارتها هاتين الجهتين. ولم يتغير هذا الموقف المعلن من العاصمتين، بل أنه يتجه لما هو أسوأ بعد تجاهل القاهرة لمؤسسة الائتلاف في القمة العربية التي تستضيفها مدينة شرم الشيخ المصرية يومي 28 و29 مارس/آذار الجاري. وحضرت مؤسسة الائتلاف القمتين العربيتين السابقتين، الأولى في العاصمة القطرية الدوحة عام 2013، وجلس وقتها رئيس الائتلاف معاذ الخطيب آنذاك على مقعد سوريا الشاغر منذ عام 2012، والثانية في الكويت عام 2014، وشارك فيها الائتلاف ولكن بدون الجلوس على مقعد سوريا وتم الاكتفاء بإلقاء رئيسه أحمد الجربا كلمة أمام الزعماء والقادة العرب، وتدهور الحال مع قمة 2015، فلم توجه دعوة للائتلاف لحضور القمة حتى صباح اليوم الجمعة. وتقع مسئولية توجيه الدعوات على الدولة المستضيفة للقمة، وبحسب مراقبين، فإن تجاهل القاهرة للائتلاف، هي رسالة مفادها أن القاهرة في تدخلها على خط الأزمة السورية، ستسقط مؤسسة الائتلاف من حساباتها، وان كانت تتعامل مع أشخاص من المؤسسة بشكل شخصي. وتشكل الائتلاف السوري في العاصمة القطرية الدوحة في نوفمبر/ تشرين ثان 2012 ليكون أكبر مظلة للمعارضة السورية، وانتخب حينها الداعية معاذ الخطيب، إمام المسجد الأموي في دمشق سابقا رئيسا للائتلاف، كما انتخب كل من رياض سيف وسهير الأتاسي نائبين للرئيس، ومصطفى صباغ أمينا عاما. ومنذ عام 2012 لم يحدث تغير في مواقف الائتلاف السوري من الأزمة السورية، وخرجت وثيقة الحل السياسي للأزمة السورية الصادرة عن الهيئة السياسية للائتلاف في فبراير/ شباط الماضي، دون أن تقدم جديدا عن الموقف المعلن مع بدايات نشأة المؤسسة. وتمسك "الائتلاف الوطني السوري" المعارض، في مسودة وثيقة مبادئ الحل السياسي بمواقفه السابقة من المطالبة بتشكيل هيئة حكم انتقالية تمارس "سلطات وصلاحيات" الرئيس بشار الأسد بما فيها الجيش والأمن والشرطة، وبإعادة هيكلة المؤسسات العسكرية في البلاد، اضافة الى المطالبة بقرار دولي تحت الفصل السابع لإلزام جميع الأطراف بتنفيذ اتفاق السلام. لكن الائتلاف، لم يجيب على سؤال مهم، وهو كيف يمكن تحقيق هذه الوثيقة، وهذا كان سببا دائما للخلافات بين أعضاء الائتلاف ورئيسه الأول معاذ الخطيب الذي استقال نتجية تلك الخلافات. ومنذ تولى الخطيب رئاسة الائتلاف السوري والخلافات بينه وبين أعضاء الائتلاف لا تنقطع بسبب مواقفه التي تميل إلى التفاوض مع النظام، بل أنه أبدى استعداد للتفاوض وجها لوجه مع رأس النظام بشار الأسد أو رموز من نظامه وصولا لحل، وهو ما كان يقابل بالرفض من أعضاء الائتلاف. ورغم استقالة الخطيب، إلا أن مرونته دفعت به إلى صدارة المشهد مجددا بعيدا عن مؤسسة الائتلاف، فدعته موسكو في نوفمبر/ تشرين ثان الماضي للتشاور بشأن الوصول لحل، ودعته واشنطن هي الأخرى خلال شهر مارس الجاري للغرض نفسه. وخلال الزيارتين، حاول الرجل تقديم حلول عملية، فتحدث في واشنطن خلال محاضرة في معهد الشرق الأوسط عن إيمانه بالتفاوض المباشر مع النظام السوري للوصول لحل، وطرح أفكارا للحل من بينها نقل السلطة لمجلس رئاسي ذو صلاحيات كاملة ويتكون من اثنين من العسكريين أحدهما من النظام السوري والثاني من المعارضة وثلاثة مدنيين من بينهم واحد من النظام السوري. هذه التحركات لرئيس الائتلاف الأسبق، لاسيما التحرك الأخير، جاءت متزامنة مع زيارة المبعوث الأمريكي إلى سوريا دانيال روبنستين للقاهرة الإثنين الماضي، والتي يمكن قراءتها في ضوء الاهتمام الأمريكي بمؤتمر المعارضة السورية في القاهرة خلال شهر إبريل المقبل، حيث كان هذا المؤتمر أحد الموضوعات التي ناقشها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري مع نظيره المصري سامح شكري خلال لقائهما على هامش مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي في 15 مارس / آذار الجاري. وإذا وضعنا في الصورة التصريحات الأمريكية الأخيرة التي تبدي انفتاحا على التفاوض مع بشار الأسد للوصول إلى حل للأزمة السورية، فإن ذلك يرفع من سقف التطلعات حول مؤتمر القاهرة القادم. وقال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في مقابلة مع قناة "سي بي إس" الأمريكية بثتها في 15 مارس / آذار الجاري، إن على واشنطن التفاوض مع الرئيس السوري بشار الأسد، من أجل ضمان انتقال سياسي للسلطة في سوريا. وقالت الناطقة باسم مجلس الأمن القومي برناديت ميهان اليوم الأربعاء 25 مارس / آذار، أن مستشارة الأمن القومي الأمريكي سوزان رايس أبدت خلال لقائها مع معاذ الخطيب الذي أنهى اليوم(وقتها) زيارة لواشنطن، التزام بلادها بالوصول الى "مرحلة انتقالية عبر التفاوض" بين ممثلي النظام والمعارضة. ويهدف مؤتمر القاهرة في أبريل/ نيسان المقبل إلى الوصول لرؤية موحدة للمعارضة السورية، يتم عرضها خلال التفاوض مع النظام السوري في مؤتمر الحوار بين الطرفين الذي تستضيفه موسكو خلال نفس الشهر، وكلا المؤتمرين لن يكون الائتلاف السوري ممثلا بصفته المؤسسية. وعلى ذلك، فإن غياب الائتلاف مؤسسيا عن هذه التحركات التي يشهدها شهر إبريل/ نيسان يضع علامات استفهام كبيرة حول مستقبله، وقد تتضاعف أزمة الائتلاف ان نجحت هذه المساعي في تحريك المياه الراكدة بالأزمة السورية، حيث ستكتسب ما يمكن تسميته ب "شرعية الإنجاز"، ما يسحب البساط سياسيا من الائتلاف السوري.