كنت أتمنى أن يعتزل بعض أصحاب الأقلام والميكروفونات فى بلدى تجارة الوهم والتلاعب بمشاعر البسطاء ونثر الأحلام الكاذبة والخادعة فوق أرصفة حياة صعبة تفيض بالمخاوف والآلام.. لكن لم يحدث ذلك.. لا فى السياسة ولا فى كرة القدم أيضا.. وإذا كانوا فى السياسة يحبون الظهور بصورة العالمين بأدق الأمور وخبايا الأسرار العليا.. فإنهم فى كرة القدم يهوون جذب اهتمام الناس وأحيانا تصفيقهم باختراع حكايات وترويج شائعات.. وأحدث بضاعة أنزلها هؤلاء إلى السوق كان خبر أن «الفيفا» يعتزم معاقبة تونس وتجميد نشاطها الكروى اعتراضا على تدخل حكومى فى شؤون اتحاد الكرة هناك.. وحين سيجرى ذلك.. سيتم إبعاد الترجى التونسى عن دورى الأبطال الأفريقى ليستكمل الأهلى مشوار البطولة بدلا من الترجى باعتبار أن الأهلى كان النادى الثالث فى مجموعة دور الثمانية بعد الترجى التونسى والوداد المغربى.. أصحاب هذه البضاعة خرجوا بها إلى سوق الناس وباعوها لهم دون مراعاة لأى ضمير أو إحساس بواجب ومسؤولية أو عقل وفكر ومنطق.. قالوا ذلك وتركوا الناس فى انتظار قرار «الفيفا» وعقوباته ضد تونس ليعود الأهلى من جديد إلى دورى الأبطال الأفريقى.. والناس فى بلدى من فرط إحباطاتها ومرارة أيامها باتت على استعداد لتصديق أى شىء قد يأتى ولو بفرحة مؤقتة وعابرة.. الناس فى بلدى ضاقت بالواقع المؤلم والتصريحات الرسمية وقضايا «التوك شو» وصناعة أبطال الشاشات والورق وباتت على استعداد لأن تجرى وراء أى حادث سعيد.. وللأسف الشديد.. لا الفرحة حقيقية ولا الحادث سعيد ولا البضاعة سليمة وصالحة لأى استخدام جماهيرى من أى نوع.. نعم صحيح أن هناك حاليا أزمة حادة بين «الفيفا» والحكومة التونسية.. وستجتمع اللجنة التنفيذية ل«الفيفا» بعد ثمانية أيام بالضبط لمناقشة الملف التونسى حيث قامت وزارة الشباب والرياضة التونسية بالدعوة لاجتماع غير عادى للجمعية العمومية للاتحاد التونسى لكرة القدم لتغيير النظام الأساسى التونسى.. «الفيفا» يرفض أن تدعو الوزارة لهذا الاجتماع ويرفض أن تشرف الوزارة أو تتدخل فى أى صياغة للائحة اتحاد تونسى لكرة القدم له استقلاليته فى شؤونه وأنظمته بعيدا عن أى تدخل حكومى.. ويرى «الفيفا» أن اتحاد الكرة التونسى هو وحده الذى يملك حق توجيه هذه الدعوة.. أى أننا باختصار أمام مشكلة تخص المستقبل لا الماضى.. و«الفيفا» أنذر الوزارة التونسية لكنه لم يقرر عقابها بعد.. وممكن أن تتراجع الوزارة عن دعوتها فلا تكون هناك أى قضية أو مشكلة أصلا.. لكننى سأفترض جدلا أن الوزارة التونسية لم تستجب لإنذار الفيفا ومضت فى طريقها مصممة على حل اتحاد الكرة الحالى وإبعاده عن الساحة.. وسأفترض أيضا أن الحكومة هناك نجحت فى إبعاد اتحاد الكرة الحالى الذى شهد حتى الآن استقالة أربعة من أعضاء مجلس إدارته، كان آخرهم أمين الصندوق جلال بن تقية.. فماذا سيحدث بعد ذلك؟.. سيضطر «الفيفا» لتنفيذ إنذاره وتوقيع العقاب على تونس.. أى منع تونس من مواصلة كل نشاطاتها الكروية الخاضعة لسلطة «الفيفا».. وسلطة الاتحاد الأفريقى أيضا.. فلا يستكمل المنتخب التونسى مشواره فى تصفيات أمم أفريقيا.. وقد تشمل العقوبة أيضا إبعاد الترجى عن دورى الأبطال وإبعاد الأفريقى عن كأس الاتحاد.. وإذا حدث ذلك بالفعل.. فلا علاقة للأهلى ولا مكان أو فرصة له للعودة إلى دورى الأبطال.. فالترجى تجاوز دور الثمانية ولعب مباراته الأولى فى الدور قبل النهائى لتلك البطولة أمام الهلال السودانى وفاز عليه.. ولن يصدر عن «الفيفا» أى قرار يخص تونس قبل المباراة الثانية فى تونس بين الترجى والهلال.. وقد يفوز الترجى ويتأهل للنهائى أو يفوز الهلال.. فإن قرر «الفيفا» معاقبة تونس وإخراج الترجى من البطولة فهذا سيعنى تأهل الهلال للنهائى.. فكيف إذن سيعود الأهلى لبطولة انتهت تماما بالنسبة له؟.. ولماذا الإصرار على خداع الناس بأكاذيب وشائعات؟.. وهل يحتاج الناس فى بلدى لمزيد من الوهم والتضليل والخداع؟ المصري اليوم