منذ أعلن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح في 1772005م اعتزامه عدم ترشّحه للانتخابات الرئاسية المقبلة أواخر سبتمبر 2006م،وردود الفعل الداخلية ماانفكت في حال تصاعد، غير أنها في الآونة الأخيرة أخذت فيما يشبه الهدؤ الذي يسبق العاصفة. وبعيدا عن مسلسل التكهنات في مدى الجدّية للمضي في تنفيذ ذلك القرار؛ فإن الأمر الجدير بالتوقف عنده هو مقدرة خصوم الرئيس من داخل حزبه في تفجير خلافات بينه وبين بعض المحسوبين على حزبه ممثلة في شخص الرئيس اليمني الأسبق علي ناصر محمد الذي غادر جنوب البلاد فارّا إلى صنعاء منذ عام 1986م، وبعده إلى دمشق حيث يقيم حالياً ،عقب انهزامه في الصراع الدموي الداخلي الذي دارت رحاه في عدن إبّان حكم الحزب الاشتراكي بين جناحه وجناح الأمين العام الأسبق للحزب الاشتراكي اليمني عبد الفتاح إسماعيل، الذي لقي مصرعه في ذلك الحين . إن خطورة الخلاف بالنسبة إلى الرئيس صالح في حال تراجعه عن قراره – وهو الأمر الذي بات في حكم المؤكّد- مع السيد علي ناصر محمد تكمن في أنها لا تقتصر على شخص الأخير، بل تتعداه إلى عدد لا يستهان به من رفاقه الذين غادروا معه عدن إلى صنعاء في 1986م، حين استقبلتهم صنعاء ووفرت لهم المسكن والوظائف وجملة من الامتيازات.وبتحقق الوحدة اليمنية في 2251990م؛ وانخراط معظمهم في حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم ، الذي يرأسه الرئيس صالح؛ بمن فيهم نائبه اللواء عبد ربّه منصور هادي، واستيلاء بعضهم على مناصب حكومية رفيعة، بما فيها تسلّم وزارات سيادية وغير سيادية، إلى جانب تصعيد آخرين إلى مواقع قيادية متقدّمة في الحزب الحاكم، فإن ذلك يلقي بظلاله على تداعيات الخلاف الناشب اليوم بين الرئيس صالح وحليفه المفترض الرئيس الأسبق محمد . وقد اندلع على خلفية تعليق لاذع أطلقه الأخير من مقرّ إقامته بدمشق، حيث قال :"إن تنفيذ قرار الرئيس صالح صعب ، وأصعب منه التراجع عن التنفيذ".إلى جانب تصريحات أخرى كان أعلن فيها انتقاده للأوضاع الراهنة في اليمن، مبدياً استعداده الضمني لقبول الترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة. ومع أن إقدامه على تنفيذ ذلك أمر مشكوك فيه إلى حدّ كبير،نظراً إلى تأريخه الشمولي، المليء بالعديد من مآسي تلك المرحلة، إلا أن حدّة الخلاف ازدادت بين الطرفين على نحو لم يعد خافياً، لاسيما بعد أن اتهم مستشار الرئيس اليمني سالم صالح محمد في سياق حوار أجرته معه قناة الجزيرة في برنامج زيارة خاصة علي ناصر محمد بمسئوليته التاريخية عن قرار التصفية الدموية التي أفرزت مجزرة الإثنين 1311986م. وفي إجابة السيد سالم صالح محمد على سؤال حول تحمّل السيد علي ناصر محمد مسئولية المجزرة أجاب :" بكل تأكيد ،هو يتحملها أمام الله ، وأمام نفسه ، وهو تقريباً تكلّم في هذا الموضوع ". ولم يفته أن يعزو ذلك إلى ما وصفه ب" الدكتاتورية المفرطة والعقلية التي تفكّر بهذا الشكل ، بأن تحتكر كل شيء، ولا تسمح للآخرين بأي شيء ، تكون النتيجة بهذا الشكل" . إن حديث السيد سالم صالح محمد على هذا النحو يجلي عمق الخلاف بين الطرفين خاصة وأن الرجل- أعني سالم صالح محمد- لا يزال من الناحية الشكلية على الأقل عضواً في اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني الخصم اللدود للحزب الحاكم، وكان سالم صالح محمد مصنّفاً في أحداث يناير الدموية على جناح عبد الفتاح إسماعيل الأكثر تشدّداً. الرئيس الأسبق كتب مقالة صحفية في شهر يناير الماضي أي بعد مرور عشرين عاماً على مجزرة الرفاق في عدن دعا فيها –في ردّ واضح على الحملة الرسمية العلنية عليه- إلى تحويل ذكرى 13 يناير إلى يوم للتسامح . على خلفية ذلك دخل الأموات في حسابات الصراع السياسي بين الحزب الحاكم من طرف والحزب الاشتراكي الذي حكم جنوب البلاد حكماً مطلقأً نحو عقدين ،إذ أعلن الحزب الحاكم عن اكتشافه مقبرة جماعية في معسكر بعدن، ترجع إلى صراع أجنحة الحزب الاشتراكي في 13يناير 1986م ، مستبقاً بهذا الاكتشاف انعقاد الحزب الحاكم مؤتمره السابع في منتصف ديسمبر من العام الماضي. ومن التداعيات المتتابعة لتعليق الرئيس الأسبق علي ناصر محمد وتصريحاته على قرار الرئيس صالح المشار إليه أن أُغلِقت جمعية ردفان الخيرية الاجتماعية بمحافظة الضالع، التي كانت دعت إلى اجتماع (يتيم) في منتصف شهر يناير المنصرم الموافق لأيام عيد الأضحى المبارك، تحت عنوان ( لقاء التصالح والمسامحة) بحضور العديد من أنصار علي ناصر محمد، ووفيها جرى اتصال هاتفي بين أحمد الحسني السفير اليمني الأسبق والمعارض السياسي اللاجئ في لندن ، وبين رئيس الجمعية وأعضائها. وبرغم أن الجمعية برّرت ذلك بأنها مجرّد معايدة لا أكثر، غير أن ما نقل عن طبيعة الحوار الهاتفي الذي تطرّق إلى مشكلات أبناء ردفان ومعاناتهم، علاوة على ما تم تداوله بين الحاضرين، وتضمنه طيّ صفحة الماضي وتكرار تصريح السيد محمد باعتبار يوم 13 يناير يوما للتسامح والمصالحة، وتعبير المجتمعين عن فرحتهم بذلك، عبر تصفيقهم الحار؛ كان كفيلا بإغلاق الجمعية، وإحالة ملفها إلى النيابة العامة بعد ذلك. مدلول ذلك كلّه أن من غير المستبعد أن ثمّة خصوماً حقيقيين على أعلى المستويات يخترقون الحزب الحاكم؛ إذ من غير المقبول أن مثل تلك التصريحات للرئيس الأسبق تستأهل ذلك التصعيد على ذلك النحو من قبل الحزب الحاكم، مع جزء مقدّر من أعضاء حزبه وقائدهم الرمزي، كي لا يدفع ذلك إلى تصعيد مماثل من الطرف الآخر- وهو ما تم بالفعل-. إن مسلكاً كهذا قد يحقق هدفاً مزدوجاً لصالح خصومه :أحدهما يصبّ في خانة تمزيق وحدة حزب المؤتمر الداخلية، والآخر في خانة وحدة خصومه،والتئام أجنحتهم التي يستعصي تحققها لولا ذلك الاستعداء غير البريء ضد الطرف الحليف . وثمة ما هو أخطر من هذا وذاك وهو أن ينعكس صراع الطرفين على مسار الوحدة – لاقدّر الله- !! [email protected]