دائما نتحدث حول رأس النظام ، ومن حوله من علية القوم والنخب المقربة منه ، نتحدث عن الشخص ممثلا في الرئيس ، ودائما وأبدا ننسى المجموع العام ممثلا في القاعدة العريضة من الشعب ، نعم ننسى الشعب ، ممثلا في قاعدته وبنيته الأساسية وفق الإطار التشريعي ، وما يطلق عليه أحيانا " الحكومة الفعلية " نعم إنها المحليات ذلك الكيان الهش الذي أفرط النظام السابق في ترويضه حتى أضحى بمثابة السلحفاة في بياتها الشتوي إن جاز لنا القول ، ولعلى هنا أشير إلى الغياب الحقيقي للمحليات عن أداء دورها في اللحظة الراهنة وخاصة بعد الثورة . هل تعلم عزيزي القارئ أن المحليات هي صمام الأمن والأمان للمواطن البسيط ، هل تعلم أن ممارسة المحليات لدورها الحقيقي ، يعنى إقامة دولة بمرافقها ، هل تعلم أن فساد المحليات يعنى فساد المجتمع ككل ، لقد رأينا ذلك في واقعنا ، ومازلنا نراه في وضح النهار ، قيادات تم اختيارها وفق منظومة أمنية ، شعارها الطاعة العمياء للنظام ، ولا تعمل إلا وفق المصلحة العليا للحاكم وأتباعه ، انظر إليهم إن جاء زائر ممثلا في شخصية وزير على سبيل المثال ، لزيارة أحد الأحياء الشعبية ، ترى الاهتمام بالنظافة ، والترتيب ، والتشجير ، وكل منا يسأل نفسه ، أنى لهم بهذا العدد الكبير من الشجر ، بل هذا الكم الهائل من الزهور ، وما هى إلا ساعات ومع خروج الضيف من النطاق الجغرافي للحى أو المكان ، ترى كل ذلك الاهتمام وتلك النظافة أضحت إلى زوال ، نعم إن المشهد مؤلم على النفس ، تقديس وتقدير الشخوص ، على حساب الشعب الطيب . أقول لكل من يراهن على الهرم المقلوب ، ويتحدث عن انتخاب الرئيس قبل أن يتحدث عن بنية المجتمع ، وعن الحكومة التنفيذية الممثلة في المحليات ، والتي صدر في شانها حكم قضائي بحلها ، نعم تم ذلك منذ عدة أشهر ، ورغم هذا لم تقدم حكومة عصام شرف ، ولم يقدم المجلس العسكري على إعلان موعد انتخابات المحليات ، هل تعرفوا لماذا ؟ أقول لكم السبب وبوضوح يعنى أن من يهيمن على سلطة المحليات يعتبر بمنتهى البساطة قد تمكن من أركان الدولة ، ومؤسساتها ، فيسهل عليه المراقبة والمتابعة والمساءلة للجميع . إن الإعلان عن انتخابات المحليات ما كان يجب أن يتم تأجيله إلى اجل غير مسمى ، وان مجرد الحديث عن انتخابات مجلس الشعب دون أن يسبقها ترتيب البيت ممثلاً في المحليات ، أمر ما كان يجب أن يمر على العقلاء من أبناء الأمة دون المطالبة والإصرار عليه ، وان كان الحديث عن رفض التعديلات الفوق دستورية وإقامة مليونية لرفض تلك التعديلات ، فإن الأولى أن تعقد مليونية تطالب الحكومة و لمجلس العسكري بتطهير المحليات والتي عشش فيها الفساد ، وأن تعلن اللافتات في كافة ميادين مصر بأن الشعب يريد انتخاب المحليات أولاً . ولعلى هنا اقتبس تعليق أحد القراء على مقالة الأستاذ فهمي هويدى بتاريخ 28 /9/2011م ، حيث يقول " إن خلافات النخبة تساعد العسكر على المراوغة في الإصلاح الحقيقي ، لابد أن يكون لنا هدف واحد وهو بناء دولة المؤسسات والبداية المنطقية هي المحليات المنتخبة فأساس الدولة كأساس أي مبنى يبدأ بالحفر في الأرض بمعنى النزول إلى الشارع وتلبيه احتياجاته من امن وتعليم وصحة ومرافق غير ذلك مضيعه للوقت وعدم الرغبة في الإصلاح. ولعل إشارة تقارير التنمية البشرية لفساد إدارات مصر المحلية بسبب اختراق الحزب الوطني لها، ووفق تقرير للجهاز المركزي للمحاسبات من فقد بلغ حجم الفساد بالمحليات إلى 390 مليون جنيه في عام واحد، بالإضافة إلى إحالة ما يزيد على 54 ألف مهندس في الإدارات الهندسية بالمحافظات والمدن والأحياء لتحقيقات النيابة الإدارية والعامة، والتركيز أيضا على ظواهر التعدي على الأراضي الزراعية والتي بلغت أكثر من 6 ملايين فدان و4 ملايين أراضى بناء في المحافظات، كما أشار التقرير إلى أن إجمالي المبالغ المهدرة موزعة على قطاعات وحدات محلية، الإسكان، الأوقاف، الطرق، الصرف الصحي ، الشباب، والري 574 مليون و38 ألف جنيه. إن الحديث عن الفساد في المحليات إنما هو الحديث حول آليات البناء والتعمير ، فعندما نكشف عن آليات الفساد ، فإننا نعلن بداية الإصلاح ، ولعل البداية الحقيقية تتمثل في انتخاب الشعب لمن يثق فيهم من شبابه الشرفاء ، حتى تصبح المحليات نموذجا يعب عن طموح وأهداف الثورة ، وعندها سيرى المواطن البسيط الجمال قد سيطر على شوارع وأحياء وقرى ومدن مصر كلها . أما أن يتم الإبقاء على الوضع على ماهو عليه ، هنا نقول لصالح من ذلك ؟ وهنا نوجه الدعوة للعقلاء من أبناء مصر أن يقولوا لمن بيده دفة الأمور في مصر ، لتكن المحليات أولا حتى لا نخسر مجتمعنا ووطننا .