أصبحوا وكأنهم "إبرة في بحر"، بهذه العبارة تصف قريبات أحد الشباب من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، الذين دفعهم "الفقر المدقع" إلى رحلة من آلاف الكيلومترات، دفع كل منهم 5 آلاف دولار للمهربين ثمنا لها. قادتهم هذه الرحلة مع مافيات التهريب من لبنان الى السودان ومن ثم الى الشاطئ الليبي، أملا بالوصول الى أوروبا حيث فرص العمر الأوفر، لكن تركوا وراءهم عائلات تنتظر مصيرهم المجهول، فهل هم أحياء في إيطاليا أم أموات في قعر البحر الذي أثقلته أحلامهم. التقت "الأناضول" عائلتي اثنين من هؤلاء اللاجئين الفلسطينيين بمخيم البداوي القريب من مدينة طرابلس شمال لبنان، حيث بدا الفقر المدقع جليا على بيوتهم. وحسب ما أفاد به أفراد العائلتين، فإن الرحلة كانت قبل 5 أيام، حيث خرج المهاجرون من أبناء مخيم البداوي ونهر البارد (شمال لبنان)، ومخيم عين الحلوة (قرب صيدا جنوبلبنان) من مطار بيروت إلى الخرطوم في السودان، ومنها عبر الصحراء الى مدينة صبراتة الليبية. تقول فاطمة الموسى، شقيقة إسماعيل أحد المهاجرين غير الشرعيين إلى إيطاليا، إن "شقيقي غادر مثل باقي الشباب، عبر التهريب، حيث غادر لبنان بشكل شرعي، لكن سفره من ليبيا إلى إيطاليا كان عن طريق مهربين، وعرفنا من نشرات الأخبار أن العبارة غرقت بهم، وحتى الآن لا نعرف أي شيء عنه". وأوضحت الموسى أنها وباقي أهالي الشباب "حاولوا الاتصال بالسلطة الفلسطينية أو السفارة الإيطالية في لبنان لكن لم يرد علينا أحد"، مضيفة بحرقة "اختفوا.. كأنك أضعت إبرة في البحر". وناشدت شقيقة إسماعيل وزارة الداخلية اللبنانية، مساعدتهم لمعرفة مصير، شقيقها، "هل هو حي أم لا؟ الشباب الذين كانوا معه تصلنا عنهم أخبار متضاربة". وأشارت إلى أن "البحث عن فرص عمل أفضل، هو ما دفع إسماعيل لهذه الهجرة المحفوفة بالمخاطر"، مبدية مخاوف من أن يكون إغراق العبارات التي تقل المهاجرين أمرا "مدبرا". وتساءلت "كيف تتعطل 4 عبارات في الوقت نفسه؟ احمل المسؤولية لمن أخذهم.. سمعت أنها امرأة من صيدا لديها محل لبيع الألبسة اسمها حسيبة.. نحن لم نلتقها قبلا ولا نعرف عنها شيئا غير ذلك". وبحسب مصدر أمني لوكالة الأناضول، فإن المهاجرين الفلسطينيين "خرجوا من مطار بيروت إلى الخرطوم في السودان ومنها عبر الصحراء إلى مدينة صبراته الليبية، وهناك تغير كل شيء". ولفت الى أنه "بعد الانتظار، ذهب الشباب برفقة أكثر من 400 مهاجر أفريقي إلى الشاطئ، حيث كانوا يتوقعون أن تنتظرهم باخرة ضخمة، إلا أنهم تفاجئوا بقارب خشبي صغير طوله 15 مترا، وحاولوا التراجع وعدم الصعود ، فأطلق القراصنة المهربون النار بالهواء واعتدوا عليهم بالضرب". وحسب المصدر الأمني، فإنه "بعد ساعات قليلة بدأ القارب يغرق بركابه بسبب الوزن الزائد، وبدأ الشباب يلقون أنفسهم بالبحر، قبل أن تصل مروحيات بعد ساعات وتبدأ عمليات الإجلاء إلى مدينة ميلانو الإيطالية، لتكون الحصيلة الأولية، مصرع 11 ضحية وعدد من المفقودين" . وأوضح المصدر، أن حسيبة التي ذكرتها شقيقة إسماعيل، هي "امرأة تتمتع بنفوذ خاص في منطقة التعمير بمخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين بالقرب من مدينة صيدا جنوبلبنان، حيث تملك محل ملابس فيما يعمل زوجها أحمد فارس على تزوير الأوراق والبطاقات للمجموعات المسلحة في المنطقة، التي بدورها تؤمن له الحماية والغطاء". لكنه أشار إلى أن السيدة التي تلعب الدور الأبرز في هذا المجال هي "سيدة تدعى غنوة، صاحبة شركة سفريات في صيدا وهي تحمل الجنسية الأميركية، ومعروفة بعلاقاتها القوية مع أصحاب النفوذ في الأجهزة الأمنية". وأشار إلى أن هاتين السيدتين "مسؤولتان بشكل أساسي عن عمليات التهريب للاجئين الفلسطينيين من لبنان عبر طريق السودان-ليبيا-إيطاليا، حيث تعملان كسماسرة موت مع تجار البشر من مافيات التهريب في ليبيا، وتتكفلان بتجهيز كافة أوراق السفر اللازمة، وإيصال الشباب إلى ليبيا وتسليمهم للمهربين، الذين يلقون بهم في البحر". بدوره، قال والد المهاجر مجهول المصير محرم سعد الصوفي، وهو رجل ستيني، إن "المافيا أخذت منه (ابنه) 5200 دولار،. وهو غادر إلى ليبيا على هذا الأساس، ولما وصل إلى هناك تخلوا عنه، فصار يبيت في أماكن مختلفة متل مخازن ومطاعم وغيره، وبعض أولاد الحلال من أهل ليبيا ساعدوه مع رفاقه، لكن بعد ذلك لا نعرف عنه شيئا". فيما قالت فتاة الصوفي، وهي زوجة محرم، من أنه "بالطبع ينقصنا المال وليس هناك من فرص عمل.. نعاني من فقر مدقع.. يجب أن يجد الشباب المتعلم العمل حتى لا نلجأ الى هذه الطرق (الهروب بهجرة غير شرعية الى اوروبا)" وأوضحت أن زوجها "غادر من هنا (طرابلس) إلى مطار بيروت بشكل قانوني وفيزا رسمية (إلى السودان).. لا أعرف ماذا جرى معه عندما وصل الى هناك (ليبيا).. من الممكن أن المافيا (المهربين) كذبوا عليه كما تجري الأمور عادة". طفلة محرّم الصغيرة تتلعثم بكلماتها قائلة "اشتاق لأبي"، مضيفة "أبي سافر حتى يشتري لنا بيتا ويصلح بيتنا الحالي ويطعمنا.. أنا أحبه". في أكتوبر الماضي قتل 400 مهاجر غير شرعي عندما انقلب قاربان كانا يقلانهم إلى إيطاليا. وعقب ذلك الحادث أطلقت إيطاليا عملية بمشاركة 920 عسكرياً، و4 سفن من سلاح البحرية لإنقاذ المهاجرين غير الشرعيين في البحر المتوسط عن طريق السفن التابعة للبحرية الإيطالية. وأفادت الأممالمتحدة، في تقرير لها، مؤخرا، بأنه "ما بين شهري مارس/آذار، وأغسطس/آب من العام المنصرم دخل أكثر من 30 ألف مهاجر غير شرعي إلى ليبيا بطرق متعددة".