مبارك رغم المخاطر أصر على البقاء ( بغباء ؟! .. لا أدرى ) وقال سأعيش وأدفن تحت ترابها ، وذو الفقار على بوتو قال مثل ذلك فى خيلاء وصلابة يحسد عليها ورثها لنسله : أنا أغادر بلادى .. لماذا ؟ فليغادروها هم . لا يقارن مبارك ببوتو فالأخير زعيم جماهيرى كبير ، يقارن بعبد الناصر وغاندى وديجول ، لكن كلاهما مستبدان تلاعبا بالديمقراطية ، وكان فى متناول يد بوتو أن يحول باكستان الى جنة ولم يفعل .. كذلك مبارك ، واشتركا فى التنكيل بالخصوم ونشر الثقافة الغربية ومقاومة تطبيق الشريعة الإسلامية ، ولذلك عارضتهما الجماعات الإسلامية القوية فى كلا البلدين باكستان ومصر . والنقطة الجوهرية التى تجمع بين بوتو ومبارك أن قاصمة الظهر كانت تزوير الانتخابات ، حيث زورت حاشية بوتو الانتخابات البرلمانية لصالح حزب الشعب الذى يرأسه فانفجر الشعب ضده ، وقادت التظاهرات العارمة المعارضة الإسلامية . كان ضياء الحق ضابطا محل ثقة بوتو ورهن اشارته ، فقدمه على غيره وأصدر قرارا عام 1977م بترقيته الى رتبة الجنرال وعينه قائدا للجيش رغم أن هناك جنرالات كثيرون أقدم منه يستحقون المنصب بجدارة ، لكن بوتو أراد ( ضياء الحق ) ! ولم يضع ضياء الحق الفرصة فقد استغل الفوضى والمظاهرات وانقلب على الرجل الذى قدمه على غيره من قبل وعينه جنرالا وقائدا للجيش وقربه وأنعم عليه. ولكى يتخلص ضياء الحق من هاجس عودة بوتو بسبب جماهيريته الكاسحة ، حرك دعوى قضائية ضده تتهمه بتدبير جريمة اغتيال أحد معارضيه ، وقدمه للمحاكمة ، ورغم مناشدات زعماء العالم لضياء الحق بالعفو عن رئيسه السابق وصاحب الأفضال عليه ، الا أن الذى أمر القاضى بإصدار حكم الإعدام رفض العفو ، ونُفذ الإعدام فى الزعيم الباكستانى ذو الفقار على بوتو وسط ذهول العالم وصدمة الباكستانيين . أنا معجب بالمشير حسين طنطاوى ! لأن ضياء الحق عض يد رئيسه وقت ضعفه وقابل معروفه فيه بخيانة وقاد انقلابا عسكريا ضده واستولى على السلطة وحولها الى حكم عسكرى لأكثر من عشر سنوات حتى اغتياله فى تحطم طائرة . ولأن الوضع فى باكستان لم يكن ثورة شعبية كبرى ، انما احتجاجات ومظاهرات بسبب تزوير الانتخابات لا تستدعى انقلابا عسكريا على السلطة . ورغم العلاقة القوية التى تجمع بين مبارك وقائد الجيش الا أن ذلك لم يمنعه من الوقوف فى صف الحق وانحاز الى الشعب ولم يطلق نيرانه عليه . أندهش لتوازن المشير طنطاوى ، وغيره فى مثل هذا الموقف من السهل عليه أن يحرز جماهيرية كاسحة منقطعة النظير على حساب رئيس جمهورية مخلوع كسير قابع فى قفصه ، انه إلى الآن لا يزال يلقبه بالسيد الرئيس ! على عكس آراء الكثيرين اليوم فأنا معجب بالمشير طنطاوى رغم انتمائى للتيار الإسلامى وشعورى بأن الأمور تسير مؤخرا فى اتجاه لا أريده ولا أتمناه ، لأنه صادق مع نفسه وواضح فى مواقفه ، وقد تيقنت الآن تماما بعد شهادته فى محاكمة مبارك بأنه رجل غير مخادع ولا يبحث عن سلطة . بعدما أعدم ضياء الحق رئيسه ذو الفقار على بوتو ، أعلن أنه سيطبق الشريعة الإسلامية وصلى فى مساجد الجماعات الإسلامية وقرب أعضاءها ورجم بعض الزناة وطبق بعض الحدود ، ليحرز جماهيرية فى أوساط المعارضة الإسلامية . وبالطبع فرح الإسلاميون بالديكتاتور الذى طبق بعض الحدود ، فهل هذا هو الحاكم الذى نريد ؟ كان تطبيق ضياء الحق للشريعة الإسلامية شكليا ، اقتصر منها على تطبيق بعض الحدود وترك عصابات وتجار المخدرات ومافيا التهريب والنهب والاجرام والسرقة وقطاع الطرق ، واستخدم التعزير ضد الصحفيين الذين ينتقدون سياسته ، وأسندت الى عضو من أعضاء الجماعة الإسلامية بباكستان حقيبة الإعلام الا أنه فشل فى تغيير شئ فيها لهيمنة الفاسدين وشلة المنتفعين عليها . فكان لجوء ضياء الحق للمعارضة الإسلامية ورفعه شعارات اسلامية لمجرد تثبيت سلطته وتعزيز وضعه السياسى ، وليس لرغبته فى الاصلاح والنهضة ببرامج إسلامية . ضياء الحق كان حارسا لطاغوت يأتمر بأمره ويظهر الولاء الشديد له ، وعندما سنحت الفرصة انقلب ضده واستولى على السلطة وأعدمه ، واستخدم المعارضة لمصلحته . والمشير حسين طنطاوى قائد كبير من قادة قواتنا المسلحة قدم بطولات مشهودة وموثقة فى حرب أكتوبر ، ووصل الى قيادة الجيش عن استحقاق وجدارة ، وبعد الثورة ظل على المستوى الشخصى متوازنا وصريحا ولم يخدع ولم ينافق المعارضة التى قامت بالثورة ، وبخاصة الإسلاميين . أتفهم جيدا المواقف الأخيرة للمشير بالنظر الى هذه الرؤية لشخصيته التى تتمتع بالاتزان وتتحرى الصدق والوضوح . لكن ما فعله ضياء الحق مع ذو الفقار بوتو هو الأنسب ( بالقانون والعدل ) مع مبارك اليوم . فالقضاء على الديكتاتور ونظامه الفاسد وأذنابه .. وليس اعادة فرزه وتشكيله بأسماء وعناوين مختلفة . تفعيل قانون الغدر .. وليس قانون الطوارئ . الانتخابات فى موعدها .. وليس التأجيل . احترام الدستور .. وليس الالتفاف عليه وعلى ارادة الشعب . الديمقراطية وتداول السلطة والحرية والمساواة والتوافق .. وليس الخداع وعقد الصفقات مع بعض أطياف المعارضة لتثبيت السلطة كما فعل ضياء الحق . فإذا أكمل قائد الجيش مسيرته المشرفة كما أتصور .. ساعتها سوف أتحدث عن سر حبى للمشير طنطاوى .. وليس فقط عن سر إعجابى.