كثير من السياسات الحالية يؤكد أننا أمام النسخة الثانية من نظام مبارك، وأنها لا تختلف كثيرا عن سابقتها. تثبت لنا الأيام أن الإدارة الحالية ورثت كل سيئات سلفها، مضافا إليها غياب شبه تام عما يجري حولنا في العالم العربي والشرق الأوسط والعالم. تكليف رئيس جهاز المخابرات العامة اللواء مراد موافي بالسفر اليوم الاثنين إلى السودان في مهمة سياسية لتسليم رسالة هامة من المشير إلى الرئيس السوداني تتعلق بالعلاقات بين البلدين، عودة بامتياز إلى سياسة مبارك بتحويل دول الجوار إلى الملف الأمني. كان عمر سليمان سابقة في هذا المنحى الغريب الذي تتفرد به مصر في الكون، علما أن الخارجية المصرية مدرسة قديمة تخرج فيها دبلوماسيون أفذاذ لهم شأنهم، لكن مبارك أشاح بوجهه عنها لأنه لم يعرف طوال رئاسته سوى النظريات الأمنية في سياسته الداخلية والخارجية. عمر سليمان في مقدمة من أخرجونا من منطقة دول النيل وجعلونا لا نعير اهتماما بها، فكدنا نفقد جريان النهر أو بالأحرى ما زلنا في دائرة هذا الخطر. الشعب المصري بحسه السياسي العالي أحس منذ الأيام الأولى للدكتور نبيل العربي في وزارة الخارجية أنه لن يعمر طويلا. هناك يقين لديه بأن أمريكا لا تختار لنا رئيسنا فقط ولا تكتفي بتعطيل الانتخابات البرلمانية والرئاسية وإنما لها كلمة واصلة في تعيين وزراء خارجيتنا. إذا كان مبارك قزم مصر بخط رجعة يضغط به عند الحاجة لخدمة موضوع التوريث، فإن الإدارة الحالية تقزم مصر لوجه الله وسلمتها لأمريكا تسليم مفتاح. واسألوا عن مغزى الزيارات المكوكية لرئيس أركانها إلى القاهرة، فنحن نكاد نقارنه الآن بالمندوب السامي البريطاني أيام الاحتلال. كثيرون مقتنعون بأن نبيل العربي أخذ شلوتا إلى فوق. فمثله لا ينبغي حسب المقاييس الأمريكية أن يكون وزيرا لخارجية مصر، فقد ظهر منذ ساعته الأولى صاحب سيادة في تصريحاته وبقدرات فذة في المناورة السياسية، وهذا غير مطلوب بالمرة. والدليل أن وزير الخارجية الذي تلاه حرص خلال أيامه القليلة في المنصب على اثبات أنه من "فصيلة أحمد أبو الغيط"، أما الذي جاء بعده فلأول مرة في تاريخ الخارجية المصرية نتذكر اسمه بصعوبة! [email protected]