الدماء الأرخص على مر العصور ربما الوصف الأكثر ألما لدماء المصريين بالخارج التى استباحت مؤخرًا لتقام المجازر الوحشية ضد مصريين كل ما اقترفوه "البحث عن لقمة العيش والحياة الكريمة"، ليعودوا لبلادهم فى أكفان بيضاء لا يملكون من حطام الدنيا شيئًا، هم الذين دفعتهم الظروف لترك أراضيهم وأسرهم وحياتهم بأكملها خلف ظهورهم ليبدأوا حياة جديدة لا يعرفون متى ستنتهى بهم الحال أحياء أم أموات؟ فى الآونة الأخيرة أصبحت دماء المصريين مستباحة فى جميع الدول، سواء العربية أو الغربية، لتتحمل الدولة المصرية ذنبًا اقترفته أنظمة سابقة فى عدم إعطاء "العمالة المصرية" بالدول الأخرى وضعها الحقيقى، ليكون "العامل المصرى خطًا أحمر" ضد الاضطهاد والقمع والموت، وهو ما تحاول السلطة الحالية السعى وراءه بعد الرد على الجماعات الإرهابية "داعش" بعد ذبح 21 قبطيًا بالأراضى الليبية، لنرصد بعدها معاناة المصريين بالخارج سواء بالدول العربية أو الغربية. دماء المصريين بليبيا.. يبقى الوضع على ما هو عليه يتعرض المصريون بليبيا "أقباطا وعمالا وسائقين" يوميا إلى حالات اختطاف وقتل على أيدى الميليشيات وقاطعى الطرق، وهذا يمثل كارثة بكل المقاييس لأنها ستهدد العلاقات المصرية الليبية، خاصة أن ليبيا من أكثر الدول التى بها عمالة مصرية عالية. الأسوأ فالأسوأ، أقل ما يمكن أن نصف به تخاذل وبطء الحكومة المصرية فى حقن دماء المصريين بليبيا، خاصة بعد أن أدى هذا التخاذل إلى إراقة 21 قبطيًا مصريًا بطريقة وحشية على يد الجماعة الإرهابية "داعش" التى نشرت فيديو يوضح عملية الذبح البشعة التى تعرض لها هؤلاء الأقباط. ذبح الأقباط لم يكن البداية ولن يكون النهاية، فقد رصدت "المصريون" تاريخ إهدار دماء المصريين بليبيا والتى انتهت بعبارة "ويبقى الوضع كما هو عليه".. 18 أكتوبر 2013: تم احتجاز 91 سيارة و150 سائقًا مصريًا، بسبب إلقاء السلطات المصرية القبض على مجموعة من الليبيين دخلوا البلاد بطريقة غير شرعية. يناير 2014: اختطاف 10 سائقين مصريين على يد ميليشيات ليبية مسلحة. 4 فبراير 2014: كتيبة "درع ليبيا" تحتجز 400 سيارة نقل مصرية، من أجل الضغط على الحكومة الليبية، التى لم تصرف رواتبهم المتأخرة. مارس 2014: اختطاف 70 مصريًا. 4 إبريل 2014: مجموعة مسلحة تابعة لإحدى الميليشيات الليبية تحتجز عشرات الشاحنات المصرية المحملة بالبضائع، وعلى متنها أكثر من 50 سائقًا، بمنطقة إجدابيا غرب مدينة بنغازى. 15 مايو 2014: احتجاز ما يقرب من 300 سائق داخل الأراضى الليبية، واختطاف 40 مصريًا آخرين من أبناء محافظة الفيوم. أغسطس 2014: اختطاف 4 عمال مصريين. 4 سبتمبر 2014: الخارجية تناشد السائقين المصريين عدم تجاوز "طبرق" لتدهور الأمن بليبيا. 29 سبتمبر 2014: 70 سائقًا مصريًا محتجزين من جانب بعض الميليشيات الليبية المسلحة بمنطقة البادي، للضغط على الجانب الليبى لتلبية بعض مطالبهم. 23 ديسمبر 2014: مقتل طبيب مصرى قبطى وزوجته. 29 ديسمبر 2014: اختطاف 7 مصريين. يناير 2015: اختطاف 21 قبطيًا على يد "داعش" فى ليبيا وذبحهم بطريقة وحشية لتسيل دماؤهم على شواطئ ليبيا. المصريون بالسعودية: هل من منقذ؟ تأتى قضية المحامى أحمد الجيزاوى فى سياق عدة أزمات تعرّض لها مواطنون مصريون بالسعودية، الجيزاوى الذى مر على اعتقاله أكثر من 800 يوم، وتعاقب عليه 3 أنظمة بعد ثورة 25 يناير تمثلت فى الرئيس المعزول محمد مرسى والمؤقت عدلى منصور والحالى عبد الفتاح السيسى، وعلى الرغم من ذلك لم يتحرك أحد من أجل قضيته أو يتدخل للإفراج عنه. البداية فى 24 إبريل 2012، عندما قرر أحمد الجيزاوى وزوجته السفر للمملكة العربية السعودية، وهناك تم ضبطه بتهمة "محاولة إدخال الآلاف من الأقراص الممنوعة إلى أراضيها"، وعلى الرغم من نفى مطار القاهرة حديث السلطات السعودية عن ضبط (الجيزاوي) بمطار جدة وبحوزته كمية كبيرة من الأقراص المخدرة بين طيات ملابسه وداخل حقائبه، والذى أكدت أنه يتنافى مع الإجراءات التفتيشية بمطار القاهرة التى تفحص كل حقائب الركاب على جهاز كشف الحقائب الموجود على كل بوابات السفر بالمطار. ورغم كل التحركات المصرية والمظاهرات الحاشدة فى مصر، إلا أن المحكمة السعودية أصدرت حكما بجلد الجيزاوى 300 جلدة، والسجن 5 سنوات، بتهمة تهريب مواد مخدرة للأراضى السعودية. من جانبها، قالت شيرين الجيزاوى فى بيان لها، إن قضية زوجها من السهل أن تحل بين ليلة وضحاها، "لو أى مسؤول كلم ملك السعودية وطلب الجيزاوى اللى عنده سرطان، متخيلين إن واحد عنده سرطان يجلد"، على حد قولها، ورغم مرور سنتين و3 أشهر على سجن أحمد الجيزاوي، لم يتحرك أى شخص لإنقاذه من المصير المجهول. ولم تكن البداية عند الجيزاوى، ففى عام 1995 أصدر القضاء السعودى حكمًا على الطبيب المصرى محمد خليفة بالجلد 80 جلدة، بعد إدانته باتهام مواطن سعودى باغتصاب ابنه دون سند، رغم أن الشهادة الطبية أكدت تعرض الطفل للاغتصاب. ولكن المحكمة السعودية رفضت الاستناد لهذه الشهادة وأجرت فحصًا آخر زعم أن الطفل لم يتعرض للاغتصاب، فعوقب الطبيب بالجلد، ونفّذ الحُكم مع إعلان الرئيس المخلوع حسنى مبارك عجزه عن القيام بأى إجراءات لوقف تنفيذه. وقال مُبارك وقتها، ردًا على سؤال صحفى عمّا ستقوم به الدولة المصرية فى هذه الأزمة: "عايزنّى أعمل إيه يعني؟ أضحى بالعلاقات علشان شخص واحد"؟ وفى عام 2008، حكمت محكمة سعودية على الطبيب المصرى رؤوف أمين محمد العربي، بالسجن 15 عامًا، والجلد 1500 جلدة، بمعدل 10 جلدات كل 10 أيام، بعد إدانته بالتسبب فى إدمان الأميرة السعودية المورفين، الذى كان يُستخدم فى علاجها. كانت الأميرة السعودية تعرضت لحادث تسبب فى إصابتها بكسر فى العمود الفقري، وأثناء علاجها فى الولاياتالمتحدة أدمنت المورفين، فاستدعى زوجها الطبيب المصرى ليشرف على علاجها، واستخدم الطبيب تكنيك "تخفيض الجرعات" للعلاج، فكان يحقنها بجرعات تتناقص من المورفين حتى شفيت، ولكن طبيبًا سعوديًا اتهمه بشراء المورفين عامين، وأدانته المحكمة وتخلت عنه أسرة الأميرة، لأنها كانت تخفى خبر إدمانها المورفين، وتقاعست السفارة المصرية عن حمايته. عبارة السلام تنهى حياة 1310.. والفاعل حر طليق ومن منا لا يعرف "عبارة السلام 98"، العبارة التى استشهد بسببها أكثر من 1310 مصريين غرقًا بالتحديد فى يوم 2 فبراير 2006 بالبحر الأحمر خلال طريقها من ضبا المدينة السعودية العائدة من منطقة تبوك إلى سفاجا بسبب تقاعس قبطان العبارة وطاقمه الذين نجوا بفعلتهم حتى من المحاكمة. وكانت السفينة تحمل 1312 مسافرًا و98 من طاقم العبارة بينهم 1310 من الرعايا المصريين، بالإضافة إلى طاقم الملاحة المؤلف من 104 أفراد، وكان معظم المسافرين مواطنين مصريين وكانوا يعملون فى السعودية وبعض العائدين من أداء مناسك الحج. تم تداول القضية على مدى 21 جلسة طوال عامين استمعت خلالها المحكمة لمسؤولين هندسيين وبرلمانيين وقيادات فى هيئة موانئ البحر الأحمر وهيئة النقل البحرى وتم الحكم فى قضية العبارة فى يوليو 2008 فى جلسة استغرقت 15 دقيقة فقط، تم تبرئة جميع المتهمين وعلى رأسهم ممدوح إسماعيل مالك العبارة ونجله عمرو الهاربان بلندن وثلاثة آخرون هم: ممدوح عبد القادر عرابى ونبيل السيد شلبى ومحمد عماد الدين، بالإضافة إلى أربعة آخرىن انقضت الدعوى عنهم بوفاتهم، بينما عاقبت المحكمة صلاح جمعة ربان باخرة أخرى "سانت كاترين"، وقضى الحكم بسجنه ستة أشهر مع إيقاف التنفيذ ودفع غرامة عشرة آلاف جنيه مصرى (حوالى 1200 يورو) بتهمة عدم مساعدة "السلام 98" ليظل القصاص لهم سيد الموقف والفاعل حر طليق ينعم فى الدنيا. رصاصتان من مجهول تنهى حياة مصرى بالكويت كما شهدت منطقة جليب الشيوخ بالكويت جريمة راح ضحيتها مصرى يبلغ من العمر 54 عامًا برصاصات أطلقها مجهول من سلاح نارى وفر هاربًا لتتلقى غرفة العمليات الداخلية بلاغا بإطلاق نار فى مكتب عقارى بأحد المجمعات فى منطقة الجليب، ليتبين مقتل مصرى نتيجة إصابته بطلقتين ناريتين فى الصدر، أديتا إلى وفاته على الفور، وأشارت التحريات الأولية إلى خلافات مالية بين المجنى عليه وشريكه الذى تحوم حوله الشبهات ليتوجه بعد ذلك عدد من أعضاء القنصلية المصرية بالكويت إلى إدارة الطب الشرعي، حيث نقلت الجثة للتحقق من تفاصيل الواقعة لتبقى المسألة معلقة حتى هذه اللحظة نتيجة التحريات وعدم الكشف عن الجانى وسط محاولات من السلطة المصرية للتدخل لكشفه ولكن دون جدوى. الحجاب السبب وراء مقتل "الشربينى" بألمانيا وعلى الجانب الغربى، لم يتغير الوضع كثيرًا، فهنالك الكثير من الانتهاكات التى تطول المسلمين والمصريين نتيجة الاضطهاد وعدم رغبة بعض الأجانب فى إقامة مواطنين عرب بشكل عام داخل أراضيهم، وكانت أول شرارة وقعت فى عام 2009 بعد مقتل مروة على الشربينى دكتورة صيدلانية تبلغ من العمر 32 عامًا فى مدينة دريسدن الألمانية، حيث طعنها مواطن ألمانى يُدعى "ألكيس دبليو فينز" يبلغ من العمر 28 عامًا، 18 طعنة فى 3 دقائق، وبعدها فارقت الحياة، وكان السبب فى عزمه على قتلها هو وصفها بالإرهابية بسبب ارتدائها الحجاب نتيجة الاضطهاد الذى يلقاه المسلمون فى البلاد الغربية غير المعترفة بالإسلام من الأساس. وفى يوم 1 يوليو 2009 كانت مروة تحضر جلسة محاكمة استئناف رفعها الألمانى أليكس دبليو عليها، بعد أن غرمته محكمة سابقة 780 يورو لاعتدائه عليها من قبل ووصفها بالإرهابية ومحاولته نزع حجابها، فلما أقرت المحكمة الحكم بالغرامة على المواطن الألماني، ثارت ضغينة المتهم فطعنها وهو فى المحكمة بالسكين 18 طعنة فى بطنها وصدرها وظهرها، كما طعن زوجها المصرى علوى على عكاز المعيد بمعهد الهندسة الوراثية بجامعة المنوفية عدة طعنات، ولكنه نجا من تلك الحادثة. وقامت تظاهرات شارك فيها مئات من المصريين والعرب أمام مجلس بلدية مدينة نويا كولين، تندد بالتطرف والعنف الذى يمارس ضد المسلمين، وطالب المتظاهرون الحكومة الألمانية بتوقيع أقصى عقوبة على القاتل، وفى 11 نوفمبر، 2009 حكم على القاتل بأقصى عقوبة فى ألمانيا وهى السجن مدى الحياة. طبيب تخدير ببريطانيا يلقى مصرعه بسبب الخلافات كما تعرض طبيب تخدير مصري، يعمل بأحد مستشفيات بريطانيا، لعملية قتل وصفوها البعض ب"البشعة"، حيث عثر على جثته مقتولا داخل المستشفى، وتم إخطار أسرته الذين أكدوا أن الطبيب كان يتعرض لمضايقات شديدة فى الفترة الأخيرة قبل وفاته من قبل بعض زملائه فى العمل، ورجحوا أن يكون أحد زملائه وراء مقتله لخلافات فى العمل. وتلقت والدة الطبيب كريم محمد أسعد، 31 سنة، طبيب تخدير، مقيم بمقاطعة ويلز ببريطانيا، والذى يعمل بمستشفى برنس أوف ويز منذ ما يقرب من عام ونصف، اتصالا هاتفيا من قبل الإنتربول الدولى أكدوا لها وفاة نجلها، مؤكدين للأسرة أن هناك شبهة جنائية وراء وفاته، بعد أن تم العثور على الجثة داخل المستشفى ليبقى الغموض سيد الموقف حتى هذه اللحظة لعدم تدخل السلطات المصرية فى ذلك الأمر أو حتى الأمر برجوع جثمان الطبيب إلى الأراضى المصرية ودفعه داخلها. خبراء يؤكدون: السلطة عليها حمايتهم ولهم مطلق الحرية فى العودة وقال سعيد عبد الحافظ مدير مؤسسة ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان، إن الدولة المصرية أو السلطات بجميع الدول العربية والأجنبية عليها مسؤولية لحماية مواطنيها بالخارج ولتعد مسؤولية واجبة على السلطات لحمايتهم من أى ضرر أو سوء، خاصة بالدول التى فيها بؤر الإرهاب مثلما حدث مع أقباط ليبيا. وأضاف، أن الدول يجب أن تفرض سيادتها وسلطتها على مواطنيها بالخرج عن طريق عدة سبل، منها "الدبلوماسية والعسكرية"، ولكن مع ضرورة احترام الاتفاقيات والمعاهدات بين كل الدول سواء العربية أو الأجنبية. وهو ما أكده محمد العريان نائب رئيس الاتحاد العام للعاملين فى الخارج، أن العمالة المصرية فى الخارج تواجه الكثير من الصعوبات فى التعامل، خاصة بالدول العربية التى تسير بنظام الكفيل، مشيرًا إلى أن العامل المصرى الذى يسافر إلى الخارج هدفه الأساسى هو البحث عن لقمة العيش، حتى لو كان ثمنها حياته. وأشار العريان فى تصريحات خاصة ل"المصريون"، إلى أن الدولة تبذل فى الوقت الحالى جهودًا كثيرة لحماية المصريين خاصة بعد واقعه مقتل 21 قبطيًا بليبيا على يد داعش، مضيفًا أنه يجب على الدولة تطبيق بعض الإجراءات الصارمة فى منع أى عمالة مصرية من السفر داخل الدول التى أصبحت بؤرًا للإرهاب والتطرف. وعلى الجانب السياسى فى العلاقات الدولية، قال الدكتور سعيد اللاوندى خبير الشؤون الدولية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن العاملين المصريين بالخارج يجب أن تكون السلطات المصرية قادرة على حمايتهم من أى هجمات أو سوء يصيب الدولة المضيفة، مشيرًا إلى أن مقتل 21 قبطيًا من المصريين بليبيا كان بمثابة الشارة القوية التى من المفترض أن تنطلق منها مصر للحفاظ على حياة المصريين فى جميع الدول العربية أو الأجنبية. وأضاف اللاوندى فى تصريحات خاصة ل"المصريون"، أن الدولة المصرية يجب أن توجه تحذيرات إلى العاملين فى الخارج بالمناطق الملتهبة والمشتعلة بضرورة إجلائهم وعودتهم إلى الأراضى المصرية مرة أخرى، ولكن ستظل تلك التوجيهات حرية شخصية للعامل المصرى، وهو من يتحمل نتائج قراره وليس السلطة. وأشار خبير الشؤون الدولية، إلى أن السلطات المصرية لديها بعض التقصير فى الاهتمام بالقضايا الخاصة بمواطنيها فى بعض الدول بعد مقتلهم كما حدث فى بعض الوقائع منها ب"الكويت والسعودية وليبيا" وغيرها.