وافق المجلس الوطني النمساوي (الغرفة الأولى للبرلمان)، اليوم الأربعاء، على مشروع قانون الإسلام الجديد، حسب مراسل وكالة الأناضول الذي تابع المناقشات. وأعلن البرلمان الموافقة على مشروع القانون، دون تحديد عدد من صوتوا لصالحه أو ضده، وذلك بعد ساعات من النقاش الساخن حوله. ومن المنتظر أن يعرض مشروع القانون على المجلس الاتحادي (الغرفة الثانية للبرلمان)، الذي يمكنه الاعتراض عليه، لكن هذا الاعتراض لا يؤدي إلاّ إلى تأجيل صدور مشروع القانون، إذ يمكن للمجلس الوطني، الإصرار على موقفه، وأن يقر مشروع القانون في جلسة أخرى بنفس صيغته أو بعد إدخال تعديلات عليه، رغم اعتراض المجلس الاتحادي الذي يعد رأيه استشاريا. وخلال مناقشة مشروع القانون، انتقده زعيم حزب الأحرار اليميني، كريستيان شتراخه، معتبرا أن "الإسلام ليس جزءاً من النمسا كما يقول البعض". وطالب بضرورة مكافحة ما وصفها ب "الراديكالية الإسلامية"، واعتماد اللغة الألمانية في خطب المساجد والتعليم الإسلامي، كما طالب بحظر بناء المآذن. في المقابل، انتقد الحزب الاشتراكي زعيم حزب الأحرار واتهمه بالسعي ل "تقسيم المجتمع وبث المخاوف فيه". أما وزير الثقافة، أوسترماير، الذي شارك في إعداد القانون، فقال خلال مناقشة مشروع القانون، إن "تعداد المسلمين في النمسا وصل إلى 560 ألف من أصل 8.58 مليون نسمة، ولا يمكن تجاهلهم وعدم اعتبارهم جزءا من المجتمع". كما دافع وزير الخارجية والاندماج، سابستيان كورتس، عن مشروع القانون، ووصف إقراره بأنه "خطوة هامة للعيش المشترك بين المسلمين وغيرهم"، مشيراً إلى أن الإسلام يتطور بشكل مستقل في النمسا. بينما انتقد حزب فريق شتروناخ اليميني مشروع القانون، مبديا مخاوفه من عدم المساواة بين المسلمين وغيرهم من أتباع الديانات الأخرى. في السياق ذاته، انتقد محمد جورميز، رئيس الهيئة الدينية التركية، في تصريحات لبرنامج "جورنال الصباح" بالإذاعة الرسمية، مشروع قانون الإسلام الجديد، معتبرا إياه عودة للوراء مائة عام، ويهدد وحدة المسلمين في البلاد. فيما انتقدت منظمة "أتيب"، أكبر المنظمات الإسلامية التركية المستقلة في النمسا، مشروع القانون الجديد، ووصفته بأنه محاولة لخلق "إسلام بطابع نمساوي، ويتجاهل الحاجة الحقيقية لتعزيز التنوع الديني والاحترام المتبادل، ويجعل من قانون الإسلام قانون أمني". ويحتوي القانون على مواد تؤثر بشكل سلبي على الحياة الدينية للمسلمين المقيمين في النمسا، منها: ترِد في نص القانون عبارات تنطوي على النظر بعين الشك للمسلمين من قبيل: "على المسلمين أن يتخذوا موقفًا إيجابيًّا من الدولة والمجتمع"، و"عدم القيام بأعمال غير قانونية"، و"الالتزام بالقوانين"، وهي عبارات مخالفة لمبادئ المساواة وحظر التمييز. المادة التي تمنع التمويل من الخارج؛ تؤثر بشكل مباشر على 65 إمام تركي في المساجد بالنمسا، وبعد دخول القانون حيز التنفيذ بعام واحد؛ فإنه يتوجب على الأئمة القادمين من خارج النمسا مغادرتها. وتعتزم الحكومة استبدال الأئمة القادمين من الخارج؛ بأولئك الذين يتم تأهيلهم في النمسا. مادة أخرى يطالب المسلمون بإلغائها، وهي المادة التي تخول مجلس الوزراء؛ صلاحية الاعتراف وإلغاء الجماعات الدينية. وتتيح لحكومة يمينية متطرفة - في حال وصولها للحكم - بإلغاء الجماعات والجمعيات الخاصة بالمسلمين. حسب أحكام القانون؛ فإن خريجي قسم الشريعة الإسلامية - الذي سيفتتح في الجامعات - فقط يمكنهم أن يصبحوا أئمة. ورغم أن اختيار أعضاء الهيئة التدريسية، التي ستؤهل الأئمة؛ يخضع لموافقة الجماعة، إلا أن المنهاج والكادر الذي سيؤهل الأئمة؛ يتم تعيينه من جانب الدولة، وهو ما يثير التساؤل حول مدى أهلية أولئك الأئمة. يتيح القانون إمكانية إلغاء أنشطة الجماعات الدينية بدعوى "الأمن"، حيث ينص على "إمكانية إلغاء الأنشطة التي يُعتقد أنها قد تؤدي إلى تقييد أمن المجتمع والنظام والصحة أو الأمن القومي، أو أمن أو حقوق أو حرية الأفراد الآخرين". جدير بالذكر أن عدة منظمات تركية إسلامية كبيرة في النمسا في مقدمتها منظمة "أتيب" أعلنت عزمها اللجوء إلى المحكمة الدستورية العليا للطعن على مشروع القانون لعدم مساواته بين المسلمين وأتباع الديانات الأخرى في بعض بنوده التي تتعلق بحظر التمويل الخارجي للمؤسسات والجمعيات الإسلامية، فضلاً عن تأكيده على الأولويات الأمنية في حالة تعارضها مع حرية العقيدة، مما يثير الشكوك ضد المسلمين وإعطاء صفة الحق العام لهيئات إسلامية أخرى تندرج تحت مظلة الهيئة الإسلامية الرسمية مما اعتبره المسلمون انتقاصا من الشخصية القانونية للهيئة التي تمثل المسلمين في النمسا. وكان مجلس شورى الهيئة الإسلامية (الممثل الرسمي للمسلمين في النمسا) وافق قبل نحو أسبوعين على مشروع القانون الجديد، رغم التحفظ على النقاط الخلافية فيه. وأعلنت الحكومة النمساوية في 2 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مشروع قانون "الإسلام الجديد"، وذلك كثمرة للمباحثات الجارية بين الدولة والهيئة الإسلامية في النمسا، منذ 2011. ويؤكد مشروع القانون الجديد على بعض حقوق المسلمين، مثل الأعياد وإن لم ينص عليها صراحة كإجازات، كما نص على حق ذبح الأضاحي والخدمة الرعوية في المستشفيات والسجون، بينما يتضمن من جانب آخر مواد مثيرة للجدل تحد من حرية الدين الإسلامي في ممارسة بعض الحقوق، بينها مواد متعلقة بمنع الهيئات الإسلامية من الحصول على تمويل من الخارج، والتأكيد على الأولويات الأمنية إذا تعارضت مع حرية العقيدة، وإعطاء الحق العام (الشخصية القانونية) لهيئات إسلامية أخرى. يشار إلى أن عدد المسلمين في النمسا يزيد عن 560 ألف مسلم من أصل 8.58 مليون تعداد سكان البلاد حسب آخر الإحصاءات في شهر يناير الماضي.